المجلس الإسترايتجي أونلاين ـ حوار: أكد خبير في الشؤون الأفريقية أن هناك سببين رئيسين لتأجيل الانتخابات البرلمانية في ليبيا. الأول؛ عدم اكتمال الاستعدادات لإجراء الانتخابات. والثاني؛ عدم الاهتمام بالموضوع من قبل القائمين عليه خاصة عبد الحميد الدبيبة، رئيس الوزراء في حينه ومسؤول إجراء الانتخابات.
في حوار مع موقع المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية، قال جعفر قناد باشي: “لم تكن الاستعدادت اللازمة لإجراء الانتخابات قد تم اتخاذها على الإطلاق. في الحقيقة، فضلاً عن الفراغات التشريعية والقانونية المتعددة حول الانتخابات، تسبب عدم وجود قوى وأحزاب سياسية بليبيا في صعوبات وإشكاليات عديدة بشأن تسمية مرشحين مناسبين”.
وعن تأثير أداء القائمين على الانتخابات، قال: “عبد الحميد الدبيبة، رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية الذي كان يتولى مسؤولية إجراء الانتخابات، لم يبدِ الاهتمام اللازم بإجرائها؛ فحتى بعض أعضاء مجلس النواب الليبي في طبرق كانوا يعتقدون أن الدبيبة يعارض شخصياً إجراء الانتخابات، مؤكدين أن تصريحاته توحي بأنه يسعى إلى تأجيل الانتخابات لسنتين”.
ووفقاً للخبير في الشؤون الأفريقية، لذلك أصرّ مجلس النواب الليبي على تنحية عبد الحميد الدبيبة وعيّن فتحي باشاغا خلفاً له كرئيس وزراء جديد. غير أن قرار مجلس النواب هذا، أدى إلى ظهور حكومتين ورئيسي وزراء في ليبيا من جديد”.
وأشار قناد باشي إلى انتخاب فتحي باشاغا كرئيس الوزراء المكلف في أول مارس 2022، مردفاً: “مجلس النواب الليبي كلّف باشاغا بتولي مسؤولية إجراء الانتخابات على أن يجريها في غضون عام أي قبل حلول نهاية عام 2022 كحد أقصى”.
وأوضح الخبير أن الدبيبة والقوى السياسية المتواجدة في العاصمة الليبية طرابلس رفضوا قرار البرلمان بتغيير رئيس الوزراء، مضيفاً: “هنا بدأ الصراع السياسي يتحول تدريجياً إلى صراع عسكري؛ بحيث تشكلت قناعة لدى الأمم المتحدة وبعض الأطراف الغربية خلال الأسابيع الأخيرة بأنه في ظل وجود حكومتين في ليبيا وظهور خلافات عميقة بينهما، يتجه الوضع في البلاد إلى فوضى شاملة؛ فبادرت بتقديم مقترحات جديدة لتسوية النزاع، من بينها تشكيل حكومة ثالثة برئاسة رئيس المجلس الأعلى للدولة”.
وأكد قناد باشي: “وفق مقترح الأمم المتحدة وبعض الأطراف الغربية، تقوم الحكومة المقترحة في الخطوة الأولى بحل جميع المؤسسات السياسية في ليبيا لكي تبقى نفسها المؤسسة السياسية الوحيدة الصانعة للقرار وتتولى مسؤولية إجراء الانتخابات التي سيتمخض عنها تعيين رئيس الجمهورية وتشكيل مجلس نواب جديد”.
ورأى الخبير في الشأن الليبي أن هذا المقترح يعني أن جميع المؤسسات الموجودة في ليبيا حالياً أي مجلس النواب في طبرق، والمجلس الرئاسي، وحكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة، والحكومة المنتخبة من قبل مجلس النواب في طبرق يعني حكومة فتحي باشاغا، تفتقر للشرعية؛ لأن المدة القانونية لعمل كل هذه المؤسسات قد انتهت وعليه، تُجرَّد من حق ممارسة أي نشاط”.
وعن دور العوامل الخارجية في التطورات الليبية، قال قناد باشي: “تحاول القوى الأجنبية وجيران ليبيا بمختلف الطرق تحقيق أهدافها في ليبيا عبر ممارسة نفوذها في المؤسسات المذكورة، والحصول على حصة أكبر من النفط الليبي وموقعها الإستراتيجي عبر التأثير على الانتخابات المقبلة”.
وفي ما يتعلق بأسباب وصول ليبيا إلى هذه الحالة واحتمال وقوع فوضى عارمة فيها بعد 12 عاماً من الإطاحة بمعمر القذافي، قال الخبير في الشؤون الأفريقية: “نتج الوضع الراهن عن سببين رئيسين. الأول؛ الافتقار إلى مؤسسات قانونية مشروعة وكذلك مؤسسات اجتماعية وسياسية لأنها قد زالت تماماً عن المجتمع الليبي ـ البالغ عدد سكانه 6.5 مليون نسمة ـ خلال 40 عاماً من الحكم الديكتاتوري لمعمر القذافي. والثاني؛ تنافس شديد بين القوى الإقليمية والدولية على موارد النفط الليبية، اقترن بالخلافات الأيديولوجية بين العلمانيين والإسلاميين. بعبارة أخرى، قد تحولت ليبيا إلى حلبة مواجهة بين القوى الرأسمالية من جهة وبين القوى العلمانية والإسلامية من جهة أخرى”.
وأكد أن هذين السببين يقفان وراء جميع الخلافات الشخصية والسياسية والدعائية الدائرة في ليبيا اليوم، مضيفاً أن تراجع حدة الخلافات الشخصية والسياسية والدعائية في ليبيا أو تسويتها رهن لتوصل القوى الرأسمالية إلى اتفاق محاصصة بشأن النفط الليبي أو أن يتوصل التيار العلماني المدعوم خارجياً إلى تفاهم مع التيارات الإسلامية المدعومة من دول إقليمية.
وشدد قناد باشي على أن ما يقلق اليوم كافة الأطراف الليبية وكذلك القوى المتمتعة بالنفوذ في هذا البلد هو احتمال تحول الصراعات السياسية إلى مواجهات عسكرية، موضحاً: “في الحقيقة، تزايدت هذه الصراعات السياسية منذ ثلاث سنوات عندما توقفت المواجهات العسكرية عبر التوصل لوقف إطلاق نار هش. ما يعزز المخاوف حالياً هو أن الأيام الأخيرة شهدت الحديث عن احتمال وقوع مواجهات جدية وواسعة النطاق بين الحكومتين للسيطرة على طرابلس؛ الأمر الذي له علاقة كذلك بكيفية تحركات القوات العسكرية التركية في الغرب الليبي، وتحركات القوات العسكرية المصرية المتواجدة بشكل سري في الشرق الليبي”.
واختتم الخبير في الشؤون الأفريقية، قائلاً: “في ظل الظروف الراهنة، من المتوقع أن تتدخل الأطراف الغربية للحيلولة دون وقوع مواجهات قد تعرقل تصدير النفط الليبي، وأن تتخذ قرارات أكثر حسماً لوضع حد لهذا الصراع السياسي؛ خاصة في وقت اشتدت حاجة الغرب إلى النفط الليبي بسبب أزمة الطاقة الناجمة عن الحرب في أوكرانيا”.
0 تعليق