المجلس الاستراتيجي اونلاين ـ رأي: يحاول الكيان الصهيوني "استغلال" الأحداث الأخيرة في المنطقة "نفسياً" لصرف أنظار الرأي العام العالمي عما يرتكبه من جرائم في غزة. إن نظرة على الأجواء السائدة في الأوساط السياسية والإعلامية للكيان الصهيوني والأطراف المتحالفة معه على المستويين الإقليمي والدولي تظهر أن هذا الكيان يسعى إلى "تضخيم وتغليب" التوترات الأخيرة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية للتخفيف من الضغوط الكبيرة التي خلقها الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي وحتى الحكومات الأوروبية ضد حرب غزة.
حميد خوش آيند ـ خبير في الشؤون الإقليمية
كان رد الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالصواريخ والطائرات المسيّرة على الكيان الصهيوني عملاً مشروعاً ورادعاً وعقابياً وضرورياً جاء بسبب العمليات الإرهابية التي قام بها هذا الكيان ضد المستشارين الإيرانيين في سوريا في الأشهر الماضية، وتكراره مرهون بمغامرة الكيان الصهيوني مرة أخرى ضد مواقع إيران ومصالحها. إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا تسعى أبداً إلى التصعيد في المنطقة، وليست بحاجة على الإطلاق إلى تأمين وحماية مصالحها وأمنها القومي من خلال إثارة التوتر.
إن لجوء قادة الكيان الصهيوني والولايات المتحدة بتصوير هذا الإجراء القانوني على أنه سلوك مسبب للتوتر هو في الحقيقة “اتهام” يأتي في سياق السعي إلى تحقيق “أهداف شخصية” لنتنياهو فيما يتعلق بحرب غزة التي اكتسبت بالفعل “أبعاداً شخصية” لصالحه.
تشير التقديرات الميدانية وتقارير الأوساط الداخلية للكيان الصهيوني إلى أن “آلة القتل” الإسرائيلية في حرب غزة قد باءت بالهزيمة عملياً. ولقد أدت الهزيمة في هذه الحرب، والتي كانت متوقعة منذ الأسابيع الأولى، إلى تكبد الكيان الصهيوني تكاليف باهظة، حيث أنه بالإضافة إلى الأزمات الداخلية في مختلف المجالات، تحول الرأي العام المحلي أيضاً ضد نتنياهو ومجلس الحرب.
إن التحديات التي سببتها المذابح بحق أهالي غزة لمجلس الحرب ونتنياهو شخصياً، والتي تظهر في تصريحات قادة الكيان الصهيوني، هي تحديات إستراتيجية وترتبط بسمعة الكيان.
ولهذا فإن أعلى صوت يُسمَع اليوم داخل الأراضي المحتلة من قبل الصهاينة هو المطالبة بـ “إقالة نتنياهو من السلطة”. في هذا السياق، فإن احتجاجات المتظاهرين في أماكن مختلفة، بما فيها أمام مقر إقامة نتنياهو ومبنى مجلس الحرب، مستمرة للمطالبة بإقالة نتنياهو وإجراء انتخابات مبكرة.
في هذا الخضم، فإن الإجراء العقابي الذي اتخذته إيران لم يدفع المجتمع الإسرائيلي إلى التقارب مع نتنياهو بل على العكس، أدى إلى تكثيف الاحتجاجات ضده. على سبيل المثال، أصدرت بعض الحركات المنظمة للمظاهرات الأخيرة في تل أبيب، بياناً مؤخراً شددت فيه على أهمية التجمع الاحتجاجي مشيرة إلى أن “نتنياهو و بن غوير يعرضان أمن إسرائيل للخطر بشكل منظم ويقوداننا إلى هاوية الانهيار”.
على كل حال، فإن غزة اليوم هي مسرح الفشل الميداني والعسكري والاستخباراتي للكيان الصهيوني. وهي في الوقت نفسه، شاهد واضح على الإبادة الجماعية واسعة النطاق وانتهاك كافة المبادئ الإنسانية المعروفة وتجاوز كل الخطوط الحمراء للقانون الدولي وعدم الالتزام بأي مبادئ أخلاقية أو سياسية أو غيرها، وهو ما دفع المجتمع الدولي إلى التركيز على الواقع الحالي في غزة.
إن لتركيز الرأي العام على حرب غزة ثلاث تداعيات مهمة؛ أولاً، وضع التطورات في فلسطين وغزة في صدارة اهتمام العالم. ثانياً، كثف الضغوط الداخلية والخارجية ضد مجلس حرب نتنياهو لإنهاء الحرب وإزاحت الأخير من السلطة. ثالثاً، لقد جعل شركاء الكيان الصهيوني الإقليميين والغربيين أكثر حذراً في دعم سياساته العدوانية.
لقد حوّل نتنياهو حرب غزة إلى قضية شخصية؛ يرى نتنياهو أن أمراً واحداً فقط يمكن أن ينقذه سياسياً من مستنقع غزة، وهو «تهميش» غزة عن سياق الأحداث والتطورات الإقليمية والدولية. في هذا الإطار، وفي أعقاب الرد الصاروخي الإيراني، يسعى نتنياهو والعناصر المتطرفة المتحالفة معه في الأراضي المحتلة إلى “تضخيم” قضايا أخرى، بما فيها التوتر مع إيران، باعتبارها القضية الأولى للمنطقة والعالم.
هذا على الرغم من أن جزءاً كبيراً من مشاكل المنطقة في الوقت الحالي والتحديات والتوترات التي ظهرت في الجوانب العسكرية والأمنية هي بسبب الحرب التي يشنها الكيان الصهيوني على غزة. إن قتل أكثر من 33 ألف فلسطيني وتدمير البنى التحتية الخدمية والطبية والدينية والتعليمية وغيرها في غزة حدث “مؤلم” لدرجة أنه لا يمكن لأي شيء أن يهمشه.
إذن، من خلال توظيف آليات دبلوماسية وغيرها، تحاول حكومة نتنياهو “إنشاء مساحة” سياسية وإعلامية ضد الرد الصاروخي الإيراني، و”تقديم صورة مقلوبة” و”إظهار المظلومية” من أجل صرف الرأي العام عما يحدث في غزة والتركيز على “إظهار إيران كتهديد” لاستقطاب الصهاينة والمعارضة الداخلية إلى صفها؛ إلا أن هذه “الحيلة” لن تحقق لها شيئاً في ظل وجود “قضية كبرى” عنوانها غزة.
0 تعليق