المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ رأي: مع صعود حركة طالبان في أفغانستان، أصبح داعش خراسان والصراع بينه وبين طالبان واتساع رقعة تهديداته الأمنية في المنطقة أكثر أهمية من ذي قبل، لما تسببته الأنشطة الإرهابية لهذا التنظيم الإرهابي في الإخلال بالواقع الأمني في المنطقة. في هذا السياق، فإن الهجمات الانتحارية وانتشار المسلحين في المنطقة قد عرّض أمن إيران أيضاً للخطر. ولذلك، تُعرَف داعش خراسان بأنه تهديد خطير لأمن المنطقة الشرقية لإيران.
الدكتور حسین إبراهيم نيا ـ خبير في الشؤون الإقليمية
إن نقطة انطلاق ظهور تنظيم داعش خراسان كانت أنشطة عناصر عدة جماعات جهادية، من المنشقين عن حركة طالبان في باكستان وأفغانستان، والقاعدة، والحركات الإسلامية في أوزبكستان وطاجيكستان، وغيرها من الجماعات الجهادية، انضوت تحت قيادة حافظ سعيد خان، أحد القادة السابقين البارزين في حركة طالبان الباكستانية. حافظ سعيد خان، أول أمير للتنظيم، تم تعيينه في هذا المنصب من قبل أبو بكر البغدادي، زعيم داعش السابق، وكانت مهمته توسيع الأنشطة العملياتية للتنظيم في أفغانستان، باكستان، شرق إيران، أوزبكستان، وطاجيكستان، وحتى روسيا. لكن بعد مغادرة القوات الدولية أفغانستان اشتدت هجمات التنظيم واستعراضه للقوة مما أدى إلى العديد من التطورات السياسية والأمنية في هذا البلد.
يُعَد التنافس بين داعش خراسان وطالبان قضية مهمة باعتباره أحد التحديات الرئيسية التي يمتد نطاقها الأمني إلى إيران وروسيا وطاجيكستان وأوزبكستان؛ حيث لطالبان دور مهم للغاية في كبح أنشطة داعش خراسان والتأثير على الحركات الإرهابية في أفغانستان. تُظهر المنافسات والتفاعلات بين داعش خراسان وطالبان مدى التعقيد والتقلبات التي نشأت في البيئة الأمنية للمنطقة، مما يترك آثاراً عميقة على أمن واستقرار المنطقة، بما في ذلك على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حاضراً ومستقبلاً، وهو ما ينبغي أخذه بعين الاعتبار أكثر من أي وقت مضى.
إلقاء القبض على عنصرين من داعش خراسان في مرقد السيدة المعصومة (عليها السلام) في مدينة قم وسلسلة الأعمال التي نفذها التنظيم في أوقات سابقة، بما في ذلك الهجوم الإرهابي في كرمان والهجوم على مقر شرطة راسك، وسلسلة الهجمات على مرقد شاهجراغ في شيراز، وما إلى ذلك، تشير إلى أن ظهور وصعود الجماعات التكفيرية على الحدود الشرقية لإيران قد اكتسب سرعة وتعقيداً أكبر ومع مرور الوقت، تنظم هذه الجماعات صفوفها أكثر بدعم من رعاتها الإقليميين والدوليين. لذلك يجب أن تحظى هذه القضية باهتمام صناع القرار في الأجهزة الأمنية الإيرانية أكثر من ذي قبل، حيث تزداد احتمالات المواجهة بين إيران وداعش خراسان مستقبلاً، وربما تحدث هذه المواجهة نتيجة تداعيات أنشطة داعش خراسان على أمن المنطقة وإيران باعتبارها دولة مجاورة لأفغانستان وباكستان وتتأثر بأحداث المنطقة. إن استمرار داعش خراسان في توسيع أنشطته وتهديداته الأمنية، ستضع الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مواجهة أوسع نطاقاً مع هذه الجماعات في المستقبل. فعليه، يمكن تلخيص التأثيرات الأمنية لتنظيم داعش خراسان على إيران بما يلي:
أولاً؛ تهديد الأمن الحدودي: إن من شأن أنشطة تنظيم داعش خراسان في المناطق الحدودية لأفغانستان وباكستان أن تشكل تهديداً مباشراً لأمن الحدود الإيرانية، مما قد يؤدي إلى زيادة الضغط على الأمن الحدودي ويستدعي تعزيز حماية ومراقبة الحدود.
ثانياً؛ انتشار الإرهاب: من المؤكد أن أنشطة داعش خراسان أدت إلى زيادة التحركات الإرهابية داخل إيران، والتي من شأنها أن تؤدي إلى زيادة الحوادث الإرهابية في مدن ومناطق مختلفة في إيران وتفضي إلى آثار سلبية على الأمن الداخلي للبلاد.
ثالثاً؛ التأثير على الأمن الإقليمي: يمكن لأنشطة داعش خراسان أن تضعف الأمن الإقليمي والترتيبات الأمنية في المنطقة. وهو ما قد يؤدي إلى زيادة انعدام الأمن والمخاوف الإقليمية، ويفرض الحاجة إلى تعاون إقليمي ودولي للتعامل مع هذه التهديدات.
رابعاً؛ التأثير على التنمية والتجارة: إن التهديدات الأمنية الناجمة عن أنشطة داعش خراسان ستؤدي بالتأكيد إلى تراجع التجارة والاستثمار في المناطق الحدودية وحتى في جميع أنحاء البلاد. وقد تخفض النمو الاقتصادي والتنمية في إيران.
خامساً؛ التأثيرات السياسية: أدى تواجد تنظيم داعش خراسان في المنطقة إلى حدوث تغييرات في العلاقات السياسية بالمنطقة. وقد أثار هذا التنظيم الإرهابي مخاوف كثيرة لدى دول المنطقة من خلال قيامها بأنشطة إرهابية وتهديد أمن الدول. في هذا السياق، يمكن أن يترك هذا التواجد آثاراً سلبية على العلاقات السياسية للجمهورية الإسلامية الإيرانية مع الدول الأخرى.
باختصار، ينبغي القول إنه على الرغم من أن حركة طالبان تزعم محاربة هذا التنظيم ومع أن كل من الجماعتين تُعرّف نفسها بأيديولوجية مختلفة عن الأخرى، فإن عقد الآمال فقط على قتال طالبان للتنظيم سيؤدي إلى تجاهله أمنياً. في هذا السياق، ينبغي أخذ نقطتين أساسيتين في الاعتبار: الأولى؛ لا تزال طالبان تواجه مشاكل في فرض سيادتها على كامل أراضي أفغانستان، والثانية؛ العديد من أعضاء طالبان مستعدون للانضمام إلى داعش خراسان إذا دفع الأخير لهم مبالغ مالية أكبر. ورغم أن حركة طالبان تمكنت حتى الآن من القضاء على بعض الموارد المالية لتنظيم داعش في خراسان، إلا أن فروع التنظيم منتشرة في معظم مناطق أفغانستان، في حوالي 11 ولاية (مثل ننغرهار، وكونار، وخوست) وتقوم بتجنيد العناصر وتمويل أنشطته.
في ظل هذا الواقع، تحتاج الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى تعزيز تعاونها الأمني مع الجيران وغيرهم من دول العالم، وتعزيز نظامها الأمني الداخلي والخارجي، وزيادة الجهود الأمنية أكثر مما كانت عليه في الماضي من أجل احتواء تهديدات هذا التنظيم. كما أن الضرورة تقتضي أن تقوم الجمهورية الإسلامية الإيرانية بمراجعة استراتيجيتها لمواجهة داعش خراسان بشكل مستمر وفقاً للظروف الإقليمية والدولية؛ لأن الأطراف الداعمة لهذا التنظيم هي جهات حكومية وخاصة إقليمية ودولية. على سبيل المثال، قد يعتمد الأمر على عوامل مثل التغيرات في دور طالبان والجماعات الأخرى في أفغانستان، والاتفاقيات الدولية، والأحداث الداخلية في إيران.
ختاماً ينبغي القول إنه في ظل احتمال تنامي نشاط داعش خراسان من خلال التركيز على طالبان واستغلال الفرص المتوفرة لتطوير قدراته بعد انسحاب القوات الدولية، فإن التعاون الإقليمي والدولي للجمهورية الإسلامية الإيرانية، بما في ذلك مع روسيا والصين والهند، له أهمية فائقة في المرحلة الحالية.
0 تعليق