المجلس الإستراتيجي أونلاين – مذكرة: زاد الإنتاج المحدود والطلب العالي والتوزيع غير العادل للقاحات كورونا من التنافس العالمي على هذه اللقاحات.
رضا مجيد زادة – باحث في الاقتصاد السياسي للتنمية
بدأت مؤخراً بطولة أمم أوروبا 2020، بينما انتهى قبل أيام الدور التمهيدي لتصفيات آسيا المؤهلة لكأس العالم 2022 في قطر. لكن هناك فرق واضح بين الحدثين الرياضيين؛ حيث تقام مباريات بطولة أمم أوروبا بحضور المشجعين. والسبب يعود إلى وتيرة التطعيم ضد كورونا في الدول الأوروبية.
لكن الفرق الذي أشير إليه لا يعني ظروفاً مماثلة لدى الدول الآسيوية. فالهند أعطت سبعة ملايين ونصف مليون جرعة لقاح في يوم واحد مسجلة بذلك رقماً قياسياً جديداً. أما الإمارات العربية المتحدة فهي تقوم بمنح اللقاح للسياح مجاناً، و دول أخرى في أنحاء العالم أعلنت إنهاء القيود المرتبطة بكورونا كالإجبار على ارتداء الكمامات.
إحصائيات التطعيم بلقاحات كورونا في العالم تكشف عن تنافس خفي على تلك لقاحات. فقبل إطلاق عملية التطعيم، بدأت شركات من الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا والصين بالتنافس على إنتاج اللقاح و قد وصلت المنافسة اليوم إلى مجال التطعيم باللقاحات.
رغم أن التنافس على إنتاج اللقاحات لم ينته بعد وامتدت إلى مجال التسويق لها، كوعد روسيا بإنتاج لقاح علكة كرد على وعد أمريكا بإنتاج لقاح حبة، لكن يبدو أن التسارع على إنتاج وعرض اللقاحات أثر على التنافس على توزيع اللقاحات ويسعى كل من الأطراف المتنافسة إلى نشر معلومات عن عدم فاعلية لقاحات منافسيه.
على سبيل المثال، انتشرت في بدايات التطعيم بلقاح فايزر مزاعم حول شلل الوجه عند بعض من تلقاه لكن عملية التطعيم الواسعة النطاق بهذا اللقاح في أمريكا وحتى تطعيم 46 % من المواطنين بلقاح فايزر _ بيونتك في بريطانيا أظهرت أن أعراض اللقاح الجانبية ليس بذاك القدر الذي يثير قلقاً. وبعد ظهور حالات من تجلط الدم جراء تلقي لقاح أسترازينيكا في الدنمارك، تم إيقاف التطعيم به بانتظار نتائج الدراسات الإضافية حول أعراضه. بل وتبنت نفس القرار دول أوروبية أخرى مثل إستونيا وليتوانيا ولاتفيا ولوكسمبورغ وإيسلندا. إطلاق مثل هذه التحذيرات، إلى جانب وعود بإنتاج الجرعات الكافية من لقاحات كورونا، يمثل ساحة أخرى للتنافس العالمي على إنتاج وتوزيع لقاحات كورونا لدفع الدول إلى شراء اللقاح من بلد محدد أو ردعها عنه.
على سبيل المثال، في بداية التنافس على إنتاج لقاحات كورونا، وعدت الصين بتزويد الدول النامية باللقاح بإنتاج العدد الكافي من اللقاحات لسكانها؛ رغم ذلك لم تف الصين بوعدها بتسليم 8 ملايين جرعة من اللقاح إلى إيران ما أدى إلى إبطاء عملية إعطاء الجرعة الثانية للقاح كورونا في إيران. لكن المخاوف المتعلقة باللقاحات لا تقتصر على ذلك بل وتزايد القلق كثيراً على قضايا كعدم فاعلية اللقاحات على المتحورات الجديدة لفيروس كوفيد 19، مع أنه لم يؤثر على مساعي الدول في الحصول على اللقاحات والتطعيم بها.
فضلاً عن ذلك، فإن شدة تفشي الجائحة والمدة غير المتوقعة لانشغال الدول بمشكلة كوفيد 19 وفرت أرضية لتحويل التنافس على لقاحات كورونا إلى التنافس على تعزيز القاعدة والمكانة العالمية للدول المنتجة للقاحات، بحيث بلغت حدة التنافس بأن وافق قادة مجموعة الدول السبع في ختام اجتماعهم على تخصيص مليار جرعة من لقاح كورونا للدول الفقيرة. كما أن الصين تعمل بسرعة على تسويق لقاحاتها وتناور روسيا إعلامياً على ميزات لقاحها سبوتنيك. أما السبب في هذا التنافس الحاد ونشوء سوق احتكاري متعدد الأطراف هو التكلفة العالية التي يتطلبها الحصول على الصيغ المبتكرة والمؤثرة للقاح والتي لا تستطيع الدول الفقيرة من توفيرها، كما أنه وفضلاً عن المال، يحتاج اكتشاف اللقاح إلى رأسمال بشري عالي المستوى في مجال علم الجينات والطب. كلا الأمرين، يزيدان من مخاطر الاستثمار المنفرد من قبل الدول الفقيرة على إنتاج اللقاح ويؤديان إلى ظهور تنافس عالمي في مجال إنتاج وعرض لقاحات كورونا تحت علامات تجارية مختلفة.
في ظل هذه الظروف و رغم قساوت العقوبات الدولية، فقد نجحت الجمهورية الإسلامية الإيرانية في القيام بخطوات جبارة نحو إنتاج لقاح كورونا بالاعتماد على طاقات متخصصيها العلمية والبنى التحتية التي تمتلكها في مجال إنتاج اللقاحات على المستوى الإقليمي. وفي حال تشغيلها خطوط إنتاج اللقاح، سيكون بإمكانها خلال الشهور المقبلة تلبية جزء من الطلب العالمي على لقاح كورونا، إلى جانب توفير اللقاح للاستهلاك الداخلي.
0 تعليق