المجلس الإستراتيجي أونلاين - وثائق: أعرب رئيس الوفد الإيراني في الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1947 عن معارضةِ إيران لتقسيم فلسطين، في خطاب على النحو التالي: "إنكم ستنشؤون حكومتين جديدتين، لن تكون أي منهما قابلة للحياة، وقد يولد كلاهما ميتاً. من خلال القيام بذلك، لن تقوموا ببناء موقد وطني لليهود، ولكنكم ستنشئون موقداً يكون الجمر تحت رماده دائماً وسوف لن يهدد السلام في الشرق الأوسط فحسب، بل يهدد السلام العالمي أيضاً."
أعاد “فضل الله نور الدين كيا” نشر هذا الخطاب في كتاب “مذكرات الخدمة في فلسطين” (دار آبي للطباعة والنشر – شتاء 1998) في الصفحات من 156 إلى 159، والّذي نعيد نشره ونستعرضه كوثيقة تاريخية ونراجعه على النحو التالي:
في الجمعية العامة التي انعقدت في سبتمبر 1947، عندما تمت صياغة تقارير اللجنة الفلسطينية، ألقى ممثلوا الدول العربية خطابات قوية ضد تقسيم فلسطين وطلبوا بشكل منفصل من ممثلي إيران التحدث ضد انقسام فلسطين، أخيراً، وبناءً على إصرارهم، قام “منصور السلطنة عدل” الذي ترأس في تلك الأيام وفداً من إيران لعقد الجمعية العامة للأمم المتحدة، بإلقاء كلمة قويّة وموجزة على النحو التالي:
سيادة الرئيس – أيها السادة النواب، لقد أولى الوفد الإيراني الاهتمام الكامل للمناقشات التي دارت في هذه اللجنة حول القضية الفلسطينية. فقد تمت مناقشة وشرح جميع جوانب هذه القضية المعقدة، ولا سيما أهميتها الكبيرة فيما يتعلق بالحفاظ على السلام في الشرق الأدنى والشرق الأوسط، بشكل كامل من قبل المندوبين الموقرين الذين تحدثوا حتى الآن.
إنّ المندوب الإيراني في اللجنة الخاصة بشؤون فلسطين لم يستطع الموافقة على أغلبية أصوات تلك اللجنة، لأنه يرى بأن التصويت لا يتماشى بالكامل مع المبادئ التي ينبغي أن تكون رائدة ومرشدة للأمم المتحدة، وهي مبادئ العدل والإنصاف التي بموجبها يمكن لجميع الدول أن تقرر مصيرها بحرية ودون تدخل من الآخرين؛ كذلك، لم يستطع ممثل إيران أن يجد أرضية مناسبة لجلب موافقة أعضاء اللجنة الآخرين من خلال تصويته؛ إذاً و في ظل عدم وجود حل منطقي وعملي، كما وصفه الممثل المحترم للحكومة السويدية، اضطرت إيران إلى تقديم حل وسطي، أو بعبارة أخرى حل سلمي، وبالتالي وافقت على تشكيل حكومة فيدرالية. ولكنها في نفس الوقت، نظرت في عواقب الأمور واحتفظت بحق حكومتها في اتخاذ أي موقف تعتبره ضرورياً ومفيداً للحفاظ على السّلام في الشرق الأوسط.
نحن نرى أنه لا الحل المقبول لدى غالبية اللجنة الخاصة ولا الحل الذي اقترحته الأقلية في تلك اللجنة لقي استحساناً بين أعضاء هذه اللجنة، لذلك استخدمتُ حماية الحق المعترف به للحكومة الإيرانية وطلبت من السيد الرئيس الإذن بالتحدث.
أيها السادة، في هذا الوقت الذي أتحدث فيه بينكم، لا أنوي أن أشرح بطريقة أوضح جميع الأسباب التاريخية والعرقية والسياسية والاقتصادية التي تعارض تصويت الأغلبية في اللجنة الخاصة، وقد ذكر هذه الأسباب ببلاغة معظم ممثلي الدول العربية المحترمين من قبلي؛ كما أنني لا أنوي التحدث عن القيمة القانونية لوعد بلفور، لأن هذه المهمة قام بها أيضاً ممثل باكستان الموقر بإتقان بارع، إن نيتي الوحيدة هي التعبير عن موقف وإجراءات الوفد الإيراني.
إن سلوك الوفد الإيراني لم يأت بسبب المحبة للعالم اليهودي، ولا هو نتيجة الصداقة الوطيدة مع الدول العربية، بل هو فقط بسبب الإيمان بالمبادئ المقبولة والمعلنة في ميثاق سان فرانسيسكو (ميثاق الأمم المتحدة الموقع في سان فرانسيسكو).
نعم، إنّنا من ناحية، نحترم العالم اليهودي، فقد سجل التاريخ اللطف والضيافة والمساعدة الدينية التي قدمها أبناء كورش وداريوس لأبناء إسرائيل، وقد أظهرها الكاتب الفرنسي الكبير راسين Racine في مسرحيته الشهيرة المسماة بـ”إستير”، من الواضح أننا نتبع نفس الإجراءات الوطنية. تعتبر الحياة المريحة لعشرات الآلاف من اليهود في أجزاء مختلفة من إيران شاهداً لا جدال فيه على هذا الادعاء.
من ناحية أخرى، نعلن أن العديد من المصالح تربطنا بالدول العربية. لكن هذه المصالح، مهما كانت أخوية، لن تصرفنا عن قبول المسار الذي يؤدي إلى الدفاع عن مبادئ ميثاق الأمم المتحدة.
يُلزِمُنا هذا الميثاق باحترام حق كل أمة في العيش بحرية وتقرير مصيرها بحرية كاملة. صحيح أنه قبل أيام قليلة، ادعى ممثل غواتيمالا الموقر أن هذا المبدأ لم يُحترم دائماً، بل إنه ذكر بعض حالات انتهاكه، وبهذه الحجة شككوا في قيمته القانونية. اسمحوا لي لكي أوضح هذه النقطة؛ لو سمحنا باستمرار انتهاك مبدأ أو قانون بذريعة انتهاك هذا المبدأ أو هذا القانون في بعض الحالات، في الواقع، لقد قبلنا الفوضى الكاملة ليس فقط في الحياة الدولية، بل في جميع جوانب حياتنا اليومية.
كما قلت، يلزمنا ميثاق الأمم المتحدة باحترام حق كل أمة في العيش بحرية وتقرير مصيرها بحرية. فلماذا نتخلى عن هذه المهمة ونفرض على فلسطين حكومة لا ترضي أي طرف؟
بقبول الحل الذي اقترحته غالبية اللجنة الخاصة، فإنكم ستنشؤون حكومتين جديدتين، لن تكون أي منهما قابلة للحياة، وقد يولد كلاهما ميتاً. من خلال القيام بذلك، لن تقوموا ببناء موقد وطني لليهود، ولكنكم ستنشئون موقداً يكون الجمر تحت رماده مشتعلاً دائماً وسوف لن يهدد السلام في الشرق الأوسط فحسب، بل يهدد السلام العالمي أيضاً.
لذلك علينا أن نبحث عن الحقيقة وأن نكون أهلاً للعمل ولا ننمي الأوهام التي قد تكون جديرة بالثناء من حيث الكمال المنشود، لكنها بالتأكيد محفوفة بالمخاطر من حيث حل القضية الفلسطينية.
فبمجرد أن تحصل هذه الدولة على حريتها، سيجد الناس هناك، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين أو يهود، بغض النظر عن دينهم، حلاً عادلاً للنزاع الذي قسمهم اليوم، وبعد ذلك سيكون هذا الحل، الذي يخدم المصلحة الذاتية لهم فحسب، و الذي يتم اختياره بحرية وسيصبح قبوله موضع ترحيب، سواء كان متمثلاً بتشكيل حكومتين منفصلتين أو تشكيل حكومة فيدرالية.
مع أخذ هذه المبادئ بعين الاعتبار، سيصوت الوفد الإيراني ضد أي اقتراح غير قابل للتنفيذ بموجب أحكام ميثاق الأمم المتحدة.
0 تعليق