المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ حوار: أكد محلل للقضايا الروسية أن الغرب لا يريد تسوية أي من أبعاد الأزمة الأوكرانية بل يبحث فقط عن استمرار وتوسيع أبعادها، قائلاً: "السبب الرئيسي لتعطل اتفاقية الحبوب هو الجانب الغربي وخاصة الجانب الأمريكي بالتنسيق مع أوكرانيا؛ لأنهم، حسب تصريحات الروس، لم يمتثلوا بالالتزامات التي قدموها لروسيا، وأظهروا أنهم لا يسعون لتحقيق مصالح الدول الأقل نمواً، خاصة في إفريقيا".
في حديث مع موقع المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية، أشار روح الله مدبر إلى محاولة تركيا استئناف تنفيذ اتفاقية الحبوب، مصرحاً: “قبل المنتدى الاقتصادي والإنساني الروسي الإفريقي الثاني، أوضح الرئيس الروسي في مقال جوانب مهمة من أسباب تعطل اتفاقية الحبوب وإفراغها من مضمونها واعتبر أن السبب الرئيسي لتعثرها هو الجانب الغربي وخاصة الجانب الأمريكي بالتنسيق مع أوكرانيا”.
ولفت إلى نكث الغرب التزامه بإلغاء العقوبات المالية والمصرفية وحظر الوصول إلى سويفت عن روسيا، مضيفاً: “من جهة، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على الأسمدة الروسية ومن جهة أخرى، تعلن أن هدفها في إطلاق اتفاقية الحبوب هو توفير مساعدات إنسانية. في الوقت نفسه، فإن إفريقيا في حاجة ماسة إلى الأسمدة الروسية في الزراعة، وقد أكد المسؤولون الأفارقة أن الحظر المفروض على الأسمدة الروسية هو في الحقيقة حظر على إفريقيا. لذلك، فقد مارس الغربيون لعبة مزدوجة ومنافقة فيما يتعلق باتفاقية الحبوب”.
وذكر محلل شؤون روسيا والقوقاز أن أوكرانيا قد زرعت ألغاماً في جزء كبير من البحر الأسود، مضيفاً: “المساحات التي زرعت الألغام فيها واسعة جداً لدرجة أن الأوكرانيين أنفسهم ينسون أحياناً موقعها وتتحرك هذه الألغام أحياناً نحو شواطئ تركيا بفعل أمواج البحر. كما حذرت روسيا من أن الجانب الغربي يستخدم لنقل الأسلحة السفن التي كان من المفترض أن تنقل الحبوب من الموانئ الأوكرانية”.
وأكد مدبر على أن الاستخدام العسكري لسفن الحبوب كان مخالفاً لاتفاقية الحبوب وتابع: “اكتشفت روسيا مؤخراً، من خلال زيادة عمليات التفتيش في البحر الأسود، عدة سفن تحمل أسلحة متجهة إلى أوكرانيا. بالنظر إلى هذه الظروف، يبدو أن روسيا لم تنسحب من اتفاقية الحبوب من جانب واحد بل الظروف القائمة والأزمات التي تم افتعالها ونكث العهود وانتهاك التزامات من قبل الغرب، هي ما قضى على اتفاقية الحبوب فعلاً”.
وتابع: “قبل 12 ساعة من انتهاء سريان الجولة الأخيرة لاتفاقية الحبوب، وفي حين أن روسيا كانت قد وافقت على تمديدها، هاجمت القوات الأوكرانية جسر القرم. هذه رسالة واضحة. وفي ظل هذه الهجمات، أشارت جميع التحليلات إلى أن الغربيين يريدون خلق أزمة حتى لا تصل هذه الاتفاقية إلى نتيجة”.
وقال مدبر أن الغرب، والولايات المتحدة بشكل خاص، لا يهتم على الإطلاق بمصالح الدول الأقل نمواً خاصة في القارة الأفريقية، مضيفاً: “الحبوب التي تم تصديرها من أوكرانيا في المراحل السابقة لم تتجه نحو القارة الأفريقية؛ مع أنه كان من المقرر أن يصدَّر حوالي 30٪ من الحبوب إلى إفريقيا، لكن رغم هذا الالتزام كانت الشحنات تُرسل إلى أوروبا! هنا أيضاً تصرفت الولايات المتحدة بما يخالف التزاماتها؛ لأن الهدف الرئيسي لاتفاقية الحبوب كان الحيلولة دون أزمة مجاعة وفقر غذائي في القارة الإفريقية. إلا أن الغرب لم يمتثل لهذا الالتزام”.
وأشار إلى دعم إفريقيا لروسيا في حرب أوكرانيا وشعار “كلنا بوتين” الذي يرفع في مظاهرات بإفريقيا، قائلاً: “الأفارقة يعرفون أن روسيا ليست المذنب الرئيسي في الأزمات الحالية، خاصة في أزمة الحبوب. وقد أكد 17 رئيساً أفريقياً على هذا الأمر في قمة سانت بطرسبرغ. اليوم، اتضحت لعبة الغرب المزدوجة لشعوب إفريقيا. كما أن أهدافها واضحة للمحللين المستقلين”.
قال الخبير في قضايا روسيا والقوقاز في معرض شرحه نموذج السلوك التركي والآثار السياسية والاقتصادية لتعطل اتفاقية الحبوب على هذا البلد: “تركيا ارتكبت خطأين إستراتيجيين تجاه روسيا في الفترة الجديدة وهي الآن تحاول تصحيح الوضع إلى حد ما. تسببت الدعوة التي وجهتها تركيا إلى زيلينسكي وإطلاق سراح أعضاء كتيبة آزوف في إلغاء زيارة بوتين ولقائه بأردوغان، ومنذ أكثر من شهرين يحاول الجانب التركي باستمرار تطبيع العلاقات. أظهر أردوغان أنه يتخذ مواقف منعطفة تجاه التطورات، لكن المحللين الأتراك والمقربين من الحكومة ما زالوا يؤكدون أن خلق مسافة بين تركيا وروسيا خطأ كبير”.
وذكر مدبر أن تركيا لا تزال تسعى إلى لعب دور فعال فيما يتعلق باتفاقية الحبوب، مردفاً: “نظراً لأن روسيا كانت توفر جميع الخدمات المحتاج لها لنقل الحبوب، بما في ذلك مرافقة السفن وتأمينها وكسح الألغام، فإن تركيا تصر أيضاً على أنه يجب على الغرب الامتثال لالتزاماته في اتفاقية الحبوب. بينما كان الروس يقومون بكسح الإلغام في قناة آمنة لحركة السفن، كانت السفن الغربية تقوم بزرع الألغام”.
وإذ شدد على الدور السلبي للغرب في خلق أزمة بشأن التزامات اتفاقية الحبوب، قال: “يبدو أن الإتفاقية ستُجدَّد في النهاية. لكن للخلل الحالي في تنفيذها عواقب عديدة، من بينها زيادة أسعار الحبوب ومشاكل في عملية وصول الحبوب إلى البلدان الأفريقية”.
وأكد المحلل لقضايا روسيا والقوقاز أن الغرب لن يتمكن من تصدير هذه الحبوب دون التنسيق مع روسيا، قائلاً: “الغرب لا يريد تسوية أي من أبعاد الأزمة الأوكرانية بل يبحث فقط عن استمرار وتوسيع أبعادها. هذا الوضع، ينطوي على مصالح للإدارة والشركات الأمريكية، وفي نفس الوقت يؤثر على مصالح أوروبا وأوكرانيا وروسيا. هذه لعبة محسوبة؛ وبدون إجراء حوار بين الغرب وروسيا ستستمر الأزمة”.
0 تعليق