المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ حوار: صرح خبير في الشؤون الأوروبية أن الاتحاد الأوروبي لا يمكنه تجاهل الصين، لكنه في الوقت نفسه يحاول عدم الاعتماد عليها بشكل كامل، قائلاً: "إننا نشهد عهداً جديداً في العلاقات بين باريس وبكين، تحاول الصين فيها جعل فرنسا بوابة نفوذها في الاتحاد الأوروبي".
في حوار مع موقع المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية، أشار الدكتور عباس سروستاني إلى أهداف وإنجازات زيارة الرئيس الفرنسي إلى بكين، موضحاً: “منذ بداية الحرب الأوكرانية، قام كبار الساسة الأوروبيين بعدة زيارات إلى بكين؛ لكن رحلة ماكرون تختلف عنها بعض الشيء. حيث قام بها كرحلة ثلاثية الرابحين للهروب من المشاكل الداخلية”.
ولفت إلى أن فرنسا ليست عضواً عادياً في الاتحاد الأوروبي بل هي إحدى الركائز الأساسية لتقارب الاتحاد وأحد الأعضاء الخمسة الرئيسيين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، قائلاً: “على الرغم من أنه في أوائل العام الحالي، لم تلق خطة السلام الصينية بشأن أوكرانيا المؤلفة من 12 نقطة قبولاً لكن تعطش قادة الدول الأوروبية للاتصال بالصين يظهر الأهمية الجيوسياسية المتزايدة لبكين في العلاقات العالمية والنظام متعدد الأقطاب الذي نشهد تشكيله”.
وإذ ذكر أن فرنسا كانت دائماً شريكاً غير متوافق مع الناتو ولديها مواقف مختلفة فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا، أشار محلل الشؤون الأوروبية إلى تضاعف العجز التجاري لأوروبا ثلاث مرات في علاقاتها التجارية مع بكين خلال العام الماضي مضيفاً: “في رحلته إلى بكين كان يحمل ماكرون رسالة العصا والجزرة للصين. تدرك أوروبا أنه برفض خطة الرئيس الصيني للسلام المؤلفة من 12 نقطة، ستصبح سياسات بكين أكثر عدوانية بالتأكيد؛ لكن في الوقت نفسه، حذر ماكرون من إرسال أسلحة من الصين إلى روسيا”.
وأوضح سروستاني: “تدرك بكين أنه في الخطة الغربية سيأتي دور الصين بعد روسيا والغربيون سيخلقون مخاوف جيوسياسية لها فيما يتعلق بتايوان أو في بحر الصين الجنوبي، لذا فإن كل جهود الصين تهدف إلى منع خسارة بوتين لهذه الحرب”.
وتطرق إلى التحليلات التي تتحدث عن أن ماكرون لم يستطع إيجاد تغيير واضح في نهج الصين تجاه الحرب في أوكرانيا، مردفاً: “تتميز فرنسا عن ألمانيا وبريطانيا بأنها دولة نووية ليست عضواً في أي من معاهدات حظر الأسلحة النووية. في الحقيقة، استخدمت فرنسا هذه القدرة لتحذير الصين. بالإضافة إلى ذلك، كانت فرنسا تتمتع تقليدياً بعلاقات جيدة مع روسيا وكانت تريد حلاً سلمياً للأزمة منذ البداية. تشكلت المواقف الدبلوماسية الأوروبية تجاه أوكرانيا منذ أن تولت فرنسا رئاسة الاتحاد الأوروبي لمدة ستة أشهر”.
وإذ اعتبر الخبير في الشؤون الأوروبية زيارة ماكرون للصين تماشياً مع المواقف المعتدلة لباريس ومحاولة لحل الأزمة في أوكرانيا دبلوماسياً، أشار إلى تصريحات ماكرون بشأن قضية تايوان بأنه لا علاقة لها بأوروبا ولا ينبغي لها أن تتدخل فيها، مضيفاً: “أحد الأسباب التي دفعت ماكرون إلى اصطحاب رئيسة المفوضية الأوروبية معه في هذه الرحلة هو الضغط على الاتحاد الأوروبي لتهدئة مواقفه تجاه الصين وروسيا”.
وذكر أن الصين والاتحاد الأوروبي يواجهان الكثير من المصالح والتحديات في علاقاتهما، قائلاً: “لقد اكتسبت الصين ثقلًا كبيراً في العلاقات الدولية من خلال التوسط بين إيران والسعودية، ويأمل الأوروبيون أيضاً أن يتمكنوا من الاستفادة من هذه الإمكانية لحل الأزمة في أوكرانيا. بالإضافة إلى ذلك، في السنوات الماضية، وتحت تأثير سياسة صفر كوفيد، فرضت الصين قيوداً على العلاقات التجارية مما إدى إلى تضرر العديد من الشركات الأوروبية التي كانت تتمتع بعلاقات تجارية جيدة مع الصين. يأمل هؤلاء اليوم في استئناف المحادثات التجارية”.
ورأى سروستاني أن ارتفاع حظوظ الجمهوريين للفوز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية سبباً لزيادة رغبة الدول الأوروبية في الاقتراب من الصين، وأضاف: “يسعى الاتحاد الأوروبي والصين إلى إنشاء آلية تجارية مماثلة لاتفاقية الشراكة التجارية والاستثمارية العابرة للأطلسي بينهما تحت عنوان اتفاقية الاستثمار الشامل. تظهر هذه القضايا أن الاتحاد الأوروبي لا يمكنه تجاهل الصين ويحاول في نفس الوقت ألا يعتمد كلياً عليها”.
وفقاً لمحلل القضايا الأوروبية، فقد أثرت الحرب في أوكرانيا على جميع إنجازات ماكرون في مجالات البيئة والسياسات الضريبية وفرض الضرائب على شركات التكنولوجيا الكبرى والحد الأدنى للأجور، وهو الآن يحاول تحقيق انفراجات تجارية لتوظيفها من أجل تحقيق بعض الانفراج في سياساته المحلية.
وأكد الخبير: رغم كل الانتقادات الموجهة لبكين، فإن أوروبا بحاجة إليها كثقل إستراتيجي عالمي، وقال فيما يتعلق بعدم تغيير موقف الصين تجاه الحرب الأوكرانية بعد زيارة ماكرون لبكين: “رغم العلاقات الجيدة التي تربطها بروسيا، لا يمكن للصين أبدا إقناع بوتين بالتخلي عن موافقه؛ لأن ما يجري هو قضية وجودية لروسيا وأن المناطق التي يسكنها الروس مهمة جداً لروسيا كمناطق عازلة بين أوكرانيا وروسيا”.
وبيّن أن إستراتيجية بوتين هي أنه إذا أصبحت أوكرانيا عضواً في الناتو، فإن هذه المناطق ستكون بمثابة منطقة عازلة، موضحاً: “بوتين يعتبر التخلي عن المناطق التي تم الاستيلاء عليها أحد الأمور غير القابلة للتفاوض؛ في هذه الحالة، لا يمكن للصين أن تلعب دوراً فعالاً في وساطة بين روسيا وأوكرانيا”.
وفي إشارة إلى متابعة فرنسا استقلال أوروبا الإستراتيجي عن الولايات المتحدة، خاصة بعد انسحابها من أفغانستان، تابع سروستاني: “بالنظر إلى التطورات الأخيرة، يبدو أن خطة الاستقلال الإستراتيجي بشكل عام قد فشلت وأوروبا غير قادرة على حل أزماتها الأمنية دون الاعتماد على قوة عالمية عظمى. لهذا السبب، يتواصلون مع الصين. يبدو أن زيارة ماكرون لبكين هي مقدمة لبدء مفاوضات قد تكون في هذه الحالة استنزافية وقد تنتهي في العام المقبل، وتلعب عدة مقومات دوراً فيها”.
وأضاف الخبير في الشؤون الأوروبية أنه لا يمكن الجزم بأن فرنسا والصين تستطيعان حل الأزمة الأوكرانية، مردفاً: “يبدو أن هذه المفاوضات ستكون بداية عهد جديد من الحوار. بما أن فرنسا تحاول إظهار أهمية نفسها للحفاظ على السلام الدولي، فهي تسعى لإقامة علاقات ثنائية مع الدول الكبرى. على عكس أولاف شولتز، الذي لم يصطحب معه ممثلاً عن الاتحاد الأوروبي في رحلته إلى الصين العام الماضي وواجه الكثير من الانتقادات، اصطحب ماكرون السيدة “فون دير لاين” معه لتعزيز العلاقات الثنائية بين فرنسا والصين، بالتزامن مع ترسيخ قيادته في أوروبا”.
واختتم سروستاني مؤكداً: “إننا نشهد عهداً جديداً في العلاقات بين باريس وبكين، تحاول الصين فيها جعل فرنسا بوابة نفوذ في الاتحاد الأوروبي؛ الأمر الذي يعتبر عاملاً رئيسياً لقيادة العالم مستقبلاً”.
0 تعليق