المجلس الإستراتيجي أونلاين – حوار: أكدت خبيرة في الشؤون الروسية: "بناء على العقيدة الجديدة لسياسة روسيا الخارجية، ستتجه التوجهات الإستراتيجية للبلاد، بالتزامن مع السعي إلى الارتقاء بمكانتها، نحو توسيع العلاقات مع الشرق. يبدو أن روسيا ليس لديها خطة لتغيير مستوى علاقاتها مع أوروبا والولايات المتحدة، وتسعى إلى تقليل الاعتماد على الدول الغربية، وخاصة أوروبا".
في حوار مع موقع المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية، أشارت عفيفة عابدي إلى أهم النقاط في العقيدة الجديدة للسياسة الخارجية الروسية (العالم الروسي) والتي نُشرت مؤخراً، قائلة: “من ناحية، تُظهر هذه العقيدة فهم الروس للتهديدات القائمة ضد بلادهم؛ ومن ناحية أخرى، تساعد على توضيح المقاربات الإستراتيجية المستقبلية لروسيا. في الحقيقة، هذه العقيدة التي يشار إليها باسم العقيدة الإنسانية تقوم على النظرة الروسية للعالم وتمثل خارطة الطريق لمقارباتها الإستراتيجية المستقبلية”.
وتابعت: “يجب مناقشة هذه العقيدة من منظور وثيقة الأمن القومي الروسي التي تم نشرها في عام 2021 ، والتي اعتبر فيها الغزو الثقافي الغربي والتغريب أحد التهديدات ضد روسيا وثقافتها. كما تم التطرق في الإستراتيجيات الأمنية إلى نشر الثقافة الروسية وحماية حقوق الروس”.
واعتبرت خبيرة القضايا الروسية حماية حقوق الروس قضية تم التأكيد عليها دائماً في جميع وثائق الأمن والسياسة الخارجية لروسيا في العقدين الماضيين موضحة: “أحد أهم دعائم نهج روسيا الهجومي تجاه أوكرانيا هو الثقافة الإستراتيجية لهذا البلد ودعم غالبية الروس الذين يعيشون في شرق أوكرانيا. في السابق كذلك، كان لهذا المكون دور حاسم في السياسة الروسية في ضم شبه جزيرة القرم”.
الأيديولوجية العرقية؛ أداة روسية قوية ضد الغرب
وبحسب عابدي، يبدو أن الروس قد توصلوا إلى استنتاج مفاده أن الأيديولوجية العرقية هي إحدى أدوات روسيا القوية ضد الغرب، خاصة في جغرافيا الاتحاد السوفيتي السابق، وهي تساعد على كبح سياسات الغرب المناهضة لموسكو في هذه المنطقة.
وأكدت الباحثة في مركز الأبحاث التابع لمجمع تشخيص مصلحة النظام: “الهوية كانت دائماً أحد المقومات الأكثر تأثيراً في السياسة الخارجية لروسيا، ويبدو أن الأخيرة توصلت إلى استنتاج مفاده أنه من أجل تحسين الأمن وتوفير مزيد من الدعم للتوجهات الإستراتيجية المستقبلية، عليها تبني سياسة ثقافية مستدامة في جغرافيا الاتحاد السوفيتي السابق تحت ذريعة حماية الروس”.
وإذ شددت على أن جزءاً من دواعي صياغة روسيا سياساتها السياسية والثقافية والاجتماعية في جغرافيا الاتحاد السوفيتي السابق يرجع إلى الإستراتيجيات المختلفة التي لجأ الغرب إليها لعزل روسيا، أضافت: “بعد حرب أوكرانيا، جرت جهود كبيرة لتشويه صورة روسيا وسياساتها الهجومية أمام العالم، لكن في ظل الثقافة الإستراتيجية الروسية، حظيت سياسات موسكو بدعم داخل روسيا وشرق أوكرانيا، وأظهرت هذه القضية مرة أخرى للروس أنه لا يزال بإمكانهم التعويل على الثقافة الإستراتيجية الروسية في توجهاتها الإستراتيجية المستقبلية”.
وذكرت عابدي أن الروس يقيّمون التطورات من الناحية الهوياتية ويتبنون دائماً مقاربات خاصة بهم، موضحة: “يمكن للسياسات الثقافية الروسية في هذه المنطقة أن تكون أحد مؤشرات قوتها المستقبلية وتساعد موسكو على تحقيق أهدافها الجيوسياسية الإقليمية وبالتالي الدولية. في الحقيقة، فإن عقيدة العالم الروسي هي سياسة روسية واضحة تسعى إلى تحقيق أهداف اجتماعية في أراضي الاتحاد السوفيتي السابق. إن تميز العرقية الروسية وتوفير ضمان حول الحماية الدائمة لهذه العرقية من قبل الحكومة الروسية وخلق رابطة وتماسك داخلي للروس ضد العدو الغربي هي أهداف هذه الوثيقة”.
وقالت محللة القضايا الروسية عن تقييم عقيدة “العالم الروسي” من منظور خارجي يقوم على أساس الطبيعة “البانسلافية” وخدمة الأهداف الدولية الكبرى لروسيا: “البيئة الثقافية للدول تشكل بيئتها الأمنية وروسيا تسعى إلى ضمان أمنها في الوهلة الأولى وتنفيذ إستراتيجيتها الكبرى المتمثلة في كونها لاعباً دولياً في الوهلة الثانية، من خلال تبني نهج أكثر تماسكاً في مجالها الثقافي”.
وأشارت إلى أجزاء من العقيدة الجديدة للسياسة الخارجية الروسية، والتي تم التأكيد فيها على ضرورة زيادة تعاون هذا البلد مع الدول السلافية والصين والهند وتعزيز علاقاته مع الشرق الأوسط وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، مضيفة: “تؤكد روسيا في هذه الأجزاء من هذه الوثيقة على أن السياسات المعلنة لهذا البلد ليست ضد الثقافات والحضارات الأخرى، كما أنها تبعث رسالة مفادها أنه على الرغم من أن نهج روسيا الجديد يُفسَّر من منظور عرقي، إلا أنه ليس عرقياً بل يبحث عن التعاون مع الثقافات والحضارات الأخرى”.
وأكدت عابدي: “طالما تم تصوير الثقافة الروسية على أنها ثقافة آسيوية – أوروبية، ولكن في مسار التطورات التاريخية، تعزّز الجزء الآسيوي من هذه الثقافة وضعُف الجزء الغربي والأوروبي منها. يبدو أنه في ظل الأزمات الأخيرة بين روسيا والغرب، هناك محاولة لتقليل الاهتمام بالثقافة الغربية من خلال إبراز الثقافة والهوية الروسية الفريدة”.
عقيدة “العالم الروسي” معادية للغرب
ذكرت الخبيرة في الشؤون الروسية أن عقيدة “العالم الروسي” تعتبر عقيدة معادية للغرب، قائلة: “لهذا السبب، تم التأكيد في هذه الوثيقة على التعاون مع أجزاء أخرى من العالم، والترحيب بالتعاون مع المناطق الأخرى. يمكن تحليل هذه السياسة، مثل الوثائق الروسية الأخرى في العقدين الماضيين، بما يتماشى مع الهدف المتمثل في إنشاء نظام متعدد الأقطاب، وهو ما طالما أكدت عليه روسيا”.
وأضافت: “في العقد الماضي توصل الروس إلى نتيجة مفادها أن السياسات الاقتصادية والثقافية والأمنية للغرب تهدف إلى توسيع نطاق الثقافة الغربية وتدمير الثقافات الأخرى، ولهذا السبب يعتبرونها تهديداً ضدهم. وإذ يحاولون الحفاظ على هويتهم، يظهرون أنهم يحترمون الهويات الأخرى وليس لديهم نظرة استبدادية تجاه أجزاء أخرى من العالم”.
وذكرت عابدي أن الجغرافيا السياسية للشرق أصبحت أكثر أهمية بالنسبة لروسيا، ويرى الروس المزيد من الفرص السياسية والاقتصادية والأمنية في الشرق، مردفة: “في سياق توجهاتها الإستراتيجية، وبالتزامن مع السعي إلى الارتقاء بمكانتها، سنشهد جنوحاً روسياً إلى توسيع العلاقات مع الشرق. يبدو أن روسيا ليس لديها خطة لتغيير مستوى علاقاتها مع أوروبا والولايات المتحدة، بل وتسعى إلى تقليل الاعتماد على الدول الغربية، وخاصة أوروبا”.
0 تعليق