المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ رأي: الانتخابات البرلمانية العراقية الخامسة، التي أجريت في 10 أكتوبر، وسط ظروف وتطورات دولية وإقليمية ومحلية خاصة، اعترتها هوامش باعثة على التحديات، وإن كان ذلك في دولة مثل العراق الذي يمر بـ"مرحلة انتقالية" يبدو طبيعياً إلى حدّ ما، حيث لم تتم بعد تقوية أسس الديمقراطية فيه.
حميد خوش آيند ـ محلل الشؤون الدولية
في الفترة القصيرة التي أعقبت الانتخابات، تم تقديم تحليلات مختلفة لنتائج الانتخابات العراقية في الأوساط السياسية والإعلامية الإقليمية والدولية؛ والقاسم المشترك لهذه التحليلات، والتي تكون في بعض الأحيان “ذات توجه مماثل” إلى حدّ ما مع وجهات النظر الأمريكية، تركز على محورين: 1ـ المبالغة بهوامش الانتخابات، بما في ذلك “المشاركة المنخفضة” و “التزوير”؛ 2ـ هزيمة جبهة المقاومة والتيار الشيعي في الانتخابات العراقية.
لكن إذا فحصنا الانتخابات العراقية ونتائجها في سياق التطورات والأوضاع التي جرت فيها، سوف نصل إلى نقاط هامة. وحقيقة أننا نرى البعض في مراكز التفكير الأمريكية والأوروبية، وكذلك في الأوساط العربية في المنطقة، يحاولون ـ باعتبار بعض الافتراضات الذهنية المسبقة ـ تلخيص الانتخابات العراقية على أنها تمثل “فشل تيار المقاومة” و”المشاركة الشعبية المنخفضة” و”التزوير الانتخابي”، هذه الآراء ليست سوى تشويه لنتائج هذه الانتخابات.
تتضمن الانتخابات النيابية العراقية بعض “النقاط البارزة والمهمة”، نذكر بعضها فيما يلي:
أولاً: انتصار العراق وشعبه مقابل “هزيمة أمريكا” يعتبر أبرز نقطة في الانتخابات البرلمانية العراقية. على مدى أشهر، بذلت الولايات المتحدة، إلى جانب بريطانيا والاتحاد الأوروبي ومنظمة الأمم المتحدة وبعض الأنظمة العربية المجاورة وبعض التیارات التابعة للبيت الأبيض داخل العراق، جهوداً مكثفة في شكل “مشروع” أمني ـ سياسي محدد لمنع إجراء الانتخابات النيابية؛ وأرادوا عدم مشاركة الناس في الانتخابات، حتى لو أجريت، وإذا شارك الناس فعلاً، أرادوا التأثير على عملية الانتخابات ونتائجها.
حاول هذا المشروع وضع العراق في حالة من الغموض وعدم اليقين السياسي بشتى الطرق من خلال عرقلة أو تعطيل العملية الانتخابية في موعدها؛ من أجل تسهيل تقدم مختلف السيناريوهات المصممة مسبقاً، لتمهيد الطريق لإنشاء حكومة مطلوبة من قبل الولايات المتحدة، إما من خلال الانقلابات أو بوسائل أخرى؛ إلا أنه مع دخول المرجعية الدينية وإصرار الأحزاب والتيارات السياسية وجماعات المقاومة على إجراء الانتخابات في 10 أكتوبر، فإن المشروع الأمريكي الذي كان له أبعاد معقدة وخطيرة وتمت متابعته في سياق عمليات نفسية وإعلامية واسعة النطاق، واجه فشلاً ذر يعاً.
ثانياً: “انتصار الخطاب الاسلامي وجبهة المقاومة” هو ثاني نقطة بارزة في الانتخابات العراقية. مثلت الشيعة والسُنّة والأكراد التيارات الثلاثة الرئيسية في الانتخابات العراقية.
ومن بين الشيعة كان هناك “تحالف الفتح” الذي يتزعمه هادي العامري، و”دولة القانون” بزعامة نوري المالكي، و”ائتلاف سائرون” بزعامة مقتدى الصدر، و”ائتلاف القوى الوطنية” بزعامة حيدر العبادي والسيد عمار الحكيم، وكان شعارهم “الوحدة الوطنية ومكافحة الاحتلال”؛ وقد تمكنوا من الفوز بـ 179 مقعداً في البرلمان العراقي، أي ما يعادل 52٪ من المقاعد.
وفاز السُنّة، الذين ترشحوا بشكل أساسي في “ائتلاف التقدم” الموالي لمحمد الحلبوسي و”ائتلاف العزم” المحسوب على خميس خنجر، بـ 73 مقعداً، أو 22 في المائة من المقاعد البرلمانية.
وإن الأكراد الذين شاركوا في الانتخابات على شكل ثلاثة ائتلافات “الاتحاد الوطني الكردستاني مع غوران (التغيير)” و “ائتلاف الحزب الديمقراطي الكردستاني” (البارتي) و “ائتلاف الجيل الجديد”، حصلوا على 72 مقعداً، أي ما يعادل 21٪ من مقاعد مجلس النواب العراقي.
هذا بينما فازت القائمة الخاصة المدعومة من قبل الولايات المتحدة بـ 9 مقاعد فقط في البرلمان! في غضون ذلك، فإن العديد من الشخصيات البارزة التي كان ارتباطها بالولايات المتحدة واضحاً لم يصلوا إلى البرلمان، بما في ذلك عدنان الزرفي، وسالم الجبوري، وأسامة النجفي، وغيرهم من المرشحين.
ثالثاً: الانتصار الكبير الذي حققه مقتدى الصدر في الانتخابات النيابية لا يعني أبداً انتصار خطاب أو توجه معادٍ للائتلافات وجماعات المقاومة الشيعية الأخرى. على الرغم من كل الخلافات بين مقتدى الصدر وشخصيات وتيارات شيعية ومناضلة أخرى في العراق، لا ينبغي أن ننسى أن التيار الذي يتزعمه مقتدى الصدر يتم تعريفه دائماً في ظل الخطاب الإسلامي المعادي لأمريكا والمعادي للصهيونية في العراق.
بالإضافة إلى ذلك، فإن عائلة الصدر هي من العوائل المتجذرة والنبيلة والمناضلة في العراق، والتي قدمت العديد من الشهداء إلى العراق في الحرب ضد نظام صدام الديكتاتوري والإرهاب. كان مقتدى الصدر أحد القادة العراقيين البارزين القلائل الذين اتخذوا موقفاً متشدداً خلال اجتماع أربيل الأخير بهدف دراسة ما يسمى بآليات التطبيع لعلاقة الكيان الصهيوني بالعراق، وأعلن أن العراق لن يقوم بتطبيع علاقاته مع الكيان الصهيوني بأي طريقة.
لا يمكن إنكار أن مقتدى الصدر يختلف أحياناً مع بعض الأحزاب الشيعية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، لكن هذه الخلافات “تكتيكية” وقائمة على أساليب وليس استراتيجية على مضمون وطبيعة القضايا المطروحة. وهكذا، خلافاً للتوقعات الأمريكية، فإن مقتدى الصدر، الذي حصل على 70 مقعداً في البرلمان، سوف لن ينتهج مساراً عدائياً متوتراً في عملية تشكيل الحكومة الجديدة مع جبهة المقاومة والفصائل الشيعية الأخرى في البرلمان التي تمتلك كتلة كبيرة من النواب.
وتجدر الإشارة إلى أن مؤشر “التوافق” أكثر فاعلية من “الأغلبية” في عملية تشكيل الحكومة في العراق.
انتهاء يوم الاقتراع وانتهاء نتائج عدد المقاعد النيابية لا يعني انتهاء الانتخابات. في الوقت الحالي، لم يتم حسم جزء مهم من العملية الانتخابية، بما في ذلك انتخاب رئيس الوزراء. منذ صباح اليوم التالي لانتهاء الاقتراع، بدأت القوى الأجنبية، بما في ذلك أمريكا وأوروبا وبعض الدول العربية في المنطقة، بمحاولات جديدة للتأثير على العملية الانتخابية لرئیس الوزراء.
إن إثارة الخلافات و”الصراعات الشيعية ـ الشيعية” هو التكتيك الأمريكي الأهم للتأثير في عملية انتخاب رئيس للوزراء، ولا شيء يمكن أن يحبط هذا المشروع الأمريكي مثل “التحالف الاستراتيجي للتيارات الشيعية” في البرلمان.
0 تعليق