المجلس الإستراتيجي أونلاين - مذكرة: انعقد اجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء في التحالف الدولي لمحاربة داعش برئاسة مشتركة بين وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو ونظيره الأمريكي أنتوني بلينكن في روما.
محمود فاضلي - محلل الشؤون الدولية
شارك في هذا الاجتماع أكثر من 40 وزيراً للخارجية والأمين العام للناتو “ينس ستولتنبرغ” والممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية “جوزيف بوريل” والإنتربول وتجمع دول الساحل والصحراء والإتحاد الإفريقي وكذلك دول أفريقية دعيت بصفة مراقب.
يعتبر اجتماع التحالف الدولي لمحاربة داعش في روما فرصة لتجديد الدول الأعضاء التزامها الجماعي بإلحاق الهزيمة المستدامة بداعش والحيلولة دون أي محاولات لإحيائه خاصة في أفريقيا. وأكد وزراء خارجية الدول الأعضاء في التحالف الدولي لمحاربة داعش على أهمية الاهتمام المستمر بالالتزامات التي قطعها الأعضاء ومن ضمنها الالتزامات المالية لإرساء الاستقرار في المناطق المحررة في العراق وسوريا. وكانت محاربة داعش خاصة في أفريقيا وضرورة مواجهة تجذر هذا التنظيم في القارة السمراء، محور مناقشات الاجتماع؛ لأن الجماعات المتطرفة زادت من نشاطها في أفريقيا ولا سيما في ساحل العاج وموزمبيق. وكانت الدول المشاركة في إجتماع روما متفقة بشأن أن خطر “الدولة الإسلامية” لا يزال قائماً حيث تنفذ عمليات إرهابية في العراق وسوريا باستخدام أوكارها.
يزعم وزير الخارجية الإيطالي أن “داعش انهزم ميدانياً في شهر مارس 2019. لكنه ورغم إضعاف قدراته لا يزال يمثل خطراً جدياً في العراق وسوريا ومناطق أخرى. تهديدات داعش مقلقة بشكل خاص في أفريقيا و مناطقها الشرقية كشمال موزمبيق. لذلك وبدعم من أمريكا وباقي الشركاء اقترحت فكرة إنشاء فريق عمل خاص بأفريقيا يتولى مهمة رصد تهديدات داعش الميدانية ومواجهتها وكذلك اتخاذ الإجراءات اللازمة عبر التنسيق مع الشركاء المحليين”.
وذكر الجانب الإيطالي أنه تم دعوة دول أفريقية غير أعضاء في التحالف الدولي لمحاربة داعش مثل بوركينا فاسو وغانا وموزمبيق للمشاركة في الاجتماع بصفة مراقب. ومن شأن اجتماع وزراء خارجية دول التحالف الدولي لمحاربة داعش أن يوفر فرصة لبسط أدوات التحالف ضد الإرهاب نحو الجنوب وخاصة منطقة الساحل التي تثير أوضاعها قلقاً كبيراً. كما أن الاجتماع يعتبر فرصة للتأكيد على انسجام التحالف وتجديد العهد على إلحاق الهزيمة بداعش والالتزام بالتعهدات التي قطعت لخلق حالة استقرار في المناطق المحررة بالعراق وسوريا.
أما أنتوني بلينكن فقد قال في الاجتماع إن: “جهود إيطاليا المثمرة واضحة للجميع. فقد قامت هذه الدولة بدعم منا بأداء دور إستراتيجي في جمع الدول الأعضاء في التحالف الدولي لمحاربة داعش في هذا المكان. إننا ندعم بقوة مبادرة إيطاليا لنطمئن أن التحالف الدولي لمحاربة داعش يركز خبراته في أفريقيا بالتزامن مع مراقبة الأوضاع في سوريا والعراق. قررنا أن نولي اهتماماً أكبر بأفريقيا وباعتقادي شهدنا اليوم إجماعاً قوياً لدى شركاء التحالف للقيام بهذه المهمة. حقق الاجتماع الدولي لمحاربة داعش نتائج لافتة”.
ودعا بلينكن أعضاء التحالف إلى استعادة مقاتلي “الدولة الإسلامية” الأجانب السجناء في سوريا. لأنه يجب أن تتوفر قدر المستطاع فرصة إعادة الجهاديين المحبوسين للحياة العادية ودمجهم في المجتمع عبر الطرق القانونية والمحاكم. لكن معظم الدول الأوروبية تبدي مقاومة تجاه ذلك، رافضة استقبال الجهاديين الحاملين للجنسيات الأوروبية في أراضيها. تقاوم فرنسا وبريطانيا أمام استعادة رعاياهما نظراً لتجاربهما المريرة الماضية بشأن هجمات داعش والتي لم تترك لديهما دوافع قوية لاستعادة هؤلاء.
وأكدت الدول الأعضاء في التحالف الدولي لمحاربة داعش في البيان الختامي على التزامها بمواصلة الحرب على داعش، مضيفة أنه بعد مضي سبع سنوات على تشكيل التحالف وبعد سنتين من إلحاق الهزيمة بداعش في سوريا و العراق، ستستمر هذه الدول في جهودها لاستئصال الإرهاب وإلحاق الهزيمة الكاملة بداعش. كما رحب التحالف بانضمام جمهورية كونغو وجمهورية أفريقيا الوسطى والحكومة اليمنية وموريتانيا للتحالف الدولي لمحاربة “الدولة الإسلامية”، مؤكداً على تعزيز التعاون بين أعضاء التحالف للقضاء على خلايا داعش في العراق وسوريا.
رغم ذلك لا يُرى في الوثيقة الختامية لاجتماع روما مقترح محدد يوضح كيفية دعم التحالف للدول الأفريقية أمام الجهاديين. فعلاً شهدت روما اجتماع مجموعة من رعاة داعش وداعميه الماليين والتي لا ترغب على الإطلاق في دعم الديمقراطية الحقيقية ولا تسعى سوى الاستمرار في الحروب وإراقة الدماء. خصص التحالف 507 مليون دولار لمحاربة داعش في العام الحالي وسيسعى إلى زيادة المبلغ لـ 670 مليون دولار. يزعم التحالف أنه سيواصل جهوده لاستئصال الإرهاب وإلحاق الهزيمة الكاملة بداعش. كما رحب بانضمام جمهورية كونغو وجمهورية أفريقيا الوسطى والحكومة اليمنية وموريتانيا للتحالف الدولي لمحاربة داعش.
من جانبها انتقدت سوريا هذا الاجتماع لأن دمشق تعتقد أن مزاعم التحالف هذه لا تتطابق مع الحقيقة وليست سوى أكاذيب. وإذ عبرت عن أسفها لمشاركة وزراء خارجية بعض الدول التي أجبرت على الحضور في الاجتماع، أكدت أن البيان الختامي للتحالف الذي يتحدث عن انتصارات وخطط وهمية لإلحاق الهزيمة بالتنظيم لا أساس لها من الوجود بل ويتم إرسال المساعدات المزعومة إلى الجماعات الإرهابية عبر الحدود لتمكينها من الاحتفاظ بالسيطرة على هذه المناطق، فضلاً عن منح تلك الجماعات فرصة لبيع المساعدات في السوق السوداء بأسعار باهظة.
وأستناداً لتصريح وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق هيلاري كلينتون فأن أمريكا وحلفائها هم من أنشأوا تنظيم داعش الإرهابي بدعم مالي وإعلامي وتسليح. كما قال ترامب في سباقه الرئاسي عام 2016 أن الرئيس السابق أوباما ووزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون هما من أسسا داعش.
ان سيطرة هذا التنظيم الإرهابي على مصادر المعلومات وكذلك تبنيه أساليب قتالية حديثة شكل قناعة بأن التنظيم هو ربيب أمريكا بشكل ما. ومع رفض المسؤولين الأمريكيين والغربيين هذا الأمر ظاهرياً معتبرين أنفسهم ممن وقف في جبهة محاربة هذا التنظيم إلا أنه وخلال السنوات الأخيرة اعترفت شخصيات أمريكية مختلفة بالدور الأمريكي المباشر في تأسيس ودعم داعش. وترى هؤلاء الشخصيات أن أحد أسباب تعزيز قدرات داعش كان إرسال أسلحة أمريكية لحلفاء التنظيم في سوريا. وقد ورد في تسريبات إدوارد سنودن المتعاقد السابق لدى وكالة الأمن القومي الأمريكي أن “أجهزة الاستخبارات الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية ساهمت في تأسيس داعش في عملية كانت تسمى عش الدبابير تهدف إلى تأسيس تنظيم بشعارات إسلامية تستقطب المتطرفين من أنحاء العالم”.
وتسعى أمريكا إلى ركوب أمواج محاربة الإرهاب وإخفاء دورها في دعم الإرهابيين عبر تأسيس تحالف دولي لمحاربة داعش. لكن أداء هذا التحالف يكشف بوضوح أن أمريكا تريد الإبقاء على الجماعات الإرهابية في العراق وسوريا لتبرير تواجدها في البلدين على المدى البعيد. وهناك شكوك جدية حول محاربة داعش من قبل أمريكا وحلفائها في المنطقة مثل السعودية والإمارات. تهدف أمريكا وحلفائها وتحت عنوان محاربة داعش، إلى تحقيق أهدافها في الشرق الأوسط وتقسيم دولها وضرب محور المقاومة واستخدام داعش كأداة لذلك. وبالنظر إلى وقوع العديد من الهجمات الإرهابية في أرجاء أوروبا لا يجد هذا التحالف بدّاً من إدعاء محاربة الإرهاب في خطابه الرسمي والإعلامي.
0 تعليق