المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ رأي: رغم إعلان الكيان الصهيوني رفح منطقة آمنة للمدنيين، فقد اشتدت في الأسابيع القليلة الماضية الهجمات الجوية على هذه المنطقة، التي تسمى "بوابة غزة إلى العالم الخارجي" ويتواجد فيها حوالي 1.3 مليون نازح.
حميد خوش آيند ـ خبير في الشؤون الإقليمية
يعتبر اجتياح رفح خطة عسكرية مهمة لتل أبيب تم وضعها مؤخراً على جدول أعمال حكومة نتنياهو. وشدد نتنياهو في تصريحات جديدة: “سنقاتل حتى النصر الكامل، وهذا يشمل عملاً قوياً في رفح. لذلك نعطي المدنيين الفلسطينيين فرصة لمغادرة رفح”.
وكان نتنياهو قد أكد في وقت سابق، خلال حديث مع وزير الخارجية الأمريكي، على مساعيه لتدمير الكتائب التابعة لحماس في رفح قبل حلول شهر رمضان، معلناً أن العملية البرية في رفح ستبدأ في الأيام المقبلة.
قد أدان العديد من الجهات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان ودول المنطقة والاتحاد الأوروبي الهجوم الوشيك على رفح. وقد أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، ومسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي ومسؤولو فرنسا وبريطانيا وألمانيا ودول أوروبية أخرى، كل على طريقته، عن معارضتهم وقلقهم بشأن خطة الكيان الصهيوني لاجتياح رفح، وطالبوا بوقف فوري للحرب وإرساء وقف كامل لإطلاق النار.
كما حذرت الجامعة العربية والسعودية ومصر وقطر والأردن والعراق وسوريا والعديد من الدول العربية من اجتياح رفح. بالتزامن مع ذلك، تزايدت الخلافات بين قادة الكيان الإسرائيلي بشأن هذه العملية، خاصة بين نتنياهو ورئيس الأركان العامة للجيش هرتسي هاليفي.
في هذا الخضم، تبنت الولايات المتحدة مقاربة متناقضة للتعامل مع اجتياح الكيان الصهيوني رفح. ورغم أن إدارة بايدن انضمت على ما يبدو إلى صفوف المعارضين للهجوم على رفح، قال جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، رداً على ما إذا كانت واشنطن هددت حليفتها تل أبيب بقطع المساعدات العسكرية عنها: “دعمنا لإسرائيل سيستمر وسنضمن أن لديهم الأدوات والقدرات اللازمة للقيام بما يلزم”. يمكن تفسير هذه التصريحات على أنها ضوء أخضر أمريكي لاجتياح رفح.
يسعى الكيان الصهيوني من خلال اجتياح رفح، إلى تحقيق أهداف مهمة “معلنة” وأخرى “فعلية”.
إن القضاء على حماس وتحرير الأسرى هما من بين العبارات الأكثر تكراراً في تصريحات نتنياهو في الأيام الأخيرة فيما يتعلق بالهجوم على رفح؛ حيث زعم في هذا الصدد: “إن تدمير حماس هو هدفنا الرئيسي. تتمركز معظم كتائب حماس المتبقية في غرب غزة ومدينة رفح، والهدف التالي هو القتال ضدها.”
في الخطوة الأولى، يسعى نتنياهو إلى “التعويض عن الإخفاق في تحقيق أهدافه المعلنة” في غزة، بما في ذلك تدمير حماس وتحرير الأسرى، والضغط على المقاومة الفلسطينية للانسحاب من مواقعها، من خلال هجوم بري على رفح. ويعتبر نتنياهو الهجوم على رفح آخر جزء من عملية “اصطناع الإنجازات” السياسية والعسكرية والأمنية في حرب غزة لتخفيف ضغوط الرأي العام الداخلي، وخاصة عائلات الأسرى الصهاينة.
تعتقد الحكومة الصهيونية المتشددة، التي تتعرض لضغوط شديدة من عائلات الأسرى، أن الأسرى محتجزون في رفح ولذلك من خلال اجتياح رفح يمكن تحريرهم والخروج من الضغوط وخلق متنفس لنفسها.
ويسعى نتنياهو، تحت غطاء نواياه المعلنة، إلى تحقيق أهداف أخرى:
1- إثارة الرعب بين سكان غزة ورفح من أجل تهجيرهم إلى الضفة الغربية والدول المجاورة وصحراء سيناء،
2- ضمان أمن المستوطنين الصهاينة،
3- تسهيل سياسة التوسع في الأراضي المحتلة من خلال السيطرة على قطاع غزة ورفح،
4- إيجاد ترتيبات أمنية وسياسية جديدة في غزة على غرار ما هو موجود في الضفة الغربية،
5- زيادة القدرة التفاوضية في المفاوضات مع حماس،
6- نقل معبر رفح إلى منطقة كرم أبو سالم، مما يزيد من سيطرة وإشراف الكيان الصهيوني في مجال التفتيش الأمني و… على المداخل،
7- تحويل الحرب في غزة إلى حرب استنزاف بهدف مساعدة ترامب على الفوز في الانتخابات المقبلة،
8- وأخيراً، منع القاهرة من التدخل في إدارة معبر رفح.
تعتبر هذه الأهدف من الأهداف “الحقيقية” و”الاستراتيجية” للكيان الصهيوني في الهجوم البري على رفح.
فيما يتعلق بـ “أفق” اجتياح رفح، لا بد من القول إن الكيان الصهيوني الذي اعترف وبالنظر إلى الواقع الميداني والعسكري بفشل هجومه على غزة بـ 300 ألف جندي وباستخدام معدات ثقيلة ومتطورة، سيفشل بالتأكيد في اجتياح رفح أيضاً.
إن تحقيق الأهداف الفعلية من خلال اجتياح رفح يتطلب تحقيق النصر في الأهداف المعلنة. لذلك فمن الطبيعي أن يؤدي فشل الأهداف المعلنة لاجتياح رفح، وهو واضح بالفعل، إلى فشل الأهداف الاستراتيجية أيضاً. إضافة إلى ذلك، فإن الهجوم على رفح، في ضوء رد فعل حماس التي أعلنت أن الكيان الصهيوني سيواجه رداً أقوى من عملية طوفان الأقصى، سيؤدي إلى زيادة تسارع أحداث الحرب وتعقيدها، بل سيضع الكيان الصهيوني في موقف أكثر صعوبة.
في الوقت نفسه، ستكون لاجتياح رفح تداعيات مهمة على تل أبيب، يمكن الإشارة من بينها إلى اشتداد ردود الفعل والمعارضة القائمة اليوم على مستوى الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي وكذلك الحكومي. كما أن تكثيف الضغوط الدولية على الكيان الصهيوني، وتعقيد ملف إطلاق سراح الأسرى الصهاينة، وتهديد معاهدة كامب ديفيد في ظل تحذير مصر من تعليقها، وزيادة صعوبة عملية الدعم الأمريكي لتل أبيب ومزيد من التعثر في مساعي الكيان الصهيوني لتطبيع العلاقات مع الدول العربية وغيرها، هي من التداعيات المهمة الأخرى في هذا المجال.
0 تعليق