المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ رأي: في خضم تبادل نيران المدفعية من قبل طرفي الحرب في أوكرانيا، تستمر المعركة التي سببها هو التنافس الجيوسياسي، والجروح التاريخية القديمة، فضلاً عن جهود القوى العظمى لتوسيع نفوذها الإقليمي. مهما كان سبب الحرب، فإن ما يهم في الحرب هو ثبات الجبهات.
حسين سياحي ـ باحث في السياسة الدولية
من المعروف أنه عندما يتقدم الشرق نحو الغرب تدق أجراس الإنذار. لا يهم ما إذا كان الاسم الرسمي للمهاجم هو الإمبراطورية القيصرية أو الاتحاد السوفيتي أو الاتحاد الروسي فمواجهة تقدم الشرق نحو الغرب يتطلب جبهة موحدة. حروب ليفونيا والقرم وبولندا وفنلندا كلها مظاهر تاريخية للاصطفاف بين الشرق والغرب.
خلال كل هذه السنوات، أصبح اعتماد أوروبا على دعم الولايات المتحدة، خاصة في إطار حلف شمال الأطلسي، واضحاً أكثر فأكثر. معاهدة الأمن المشترك، والمنظمات الأمنية المشتركة، وفكرة الجيش الأوروبي، لم تستطع أي منها أن تقدم قيمة أعلى من حلف شمال الأطلسي.
في كل أزمات العقود الأخيرة، حاول المحللون السياسيون والأمنيون التحقق من مدى اعتماد أوروبا على دعم واشنطن. كشفت حرب كوسوفو عام 1998 عن الإجابة. مفتاح حل المشاكل كان بيد الناتو وعلى رأسه الولايات المتحدة. أما بعد ما يقرب من 20 عاماً وفي الحرب الحالية في أوكرانيا، فما مدى اعتماد أوروبا على الولايات المتحدة؟ هو السؤال الذي نسعى للإجابة عنه في هذه المقالة.
حاجة أوروبا إلى قيادة الولايات المتحدة
في حرب أوكرانيا، تعتمد أوروبا على الولايات المتحدة في الأمور الأمنية والاقتصادية والدبلوماسية والسياسية. في مجال الأمن، فإن إضعاف روسيا بالنسبة لأوروبا أمر لا يمكن تحقيقه إلا بدعم واشنطن. تحاول الولايات المتحدة تعزيز قوة ردع فعالة ضد روسيا ويمكن أن تكون أوكرانيا فرصة جيدة لكل من الولايات المتحدة وأوروبا.
في المجال الاقتصادي، على الرغم من قدرات الاتحاد الأوروبي، فإن البيت الأبيض هو الذي لديه القدرة على إنشاء نظام عقوبات واحد وقوي. فيما يتعلق بالمناقشات السياسية والدبلوماسية، إذا كان وقف إطلاق النار والعودة إلى طاولة المفاوضات واستعادة السلام والاستقرار في المنطقة في نهاية المطاف أحد أهم أهداف الغرب، فإن دعم الولايات المتحدة لهذه العملية ضروري. نتيجة لذلك، من الواضح أن أوروبا لا تزال تعتمد على الولايات المتحدة فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا؛ لكن مع الأخذ في الاعتبار أن الحكومات تسعى وراء مصالحها الخاصة في العلاقات الدولية، ينبغي للمرء أن يسأل ما هي إستراتيجية الولايات المتحدة تجاه روسيا والحرب؟
إستراتيجيات الولايات المتحدة في مواجهة الحرب الأوكرانية
دراسة أسباب المعارك والمنافسات بين القوى العظمى في السياسة الدولية لها سجل حافل وقديم ومن أهم عناوينها هو مسعى القوى العظمى لتوسيع نفوذها خارج حدودها وتقييم قوتها نسبياً مقارنة بالمنافسين الآخرين.
فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا والمنافسة بين الولايات المتحدة وروسيا، تتبع واشنطن أهدافاً وإستراتيجيات محددة تستند إلى مصالحها الخاصة. بادئ ذي بدء، إنها تعلم بوضوح أن هزيمة روسيا ستسبب عدم استقرار في أوروبا بقدر ما تبدو جذابة. ونتيجة لذلك، سيتحول خيار إلحاق الهزيمة إلى سياسة إفقاد المصداقية والتراجع التدريجي. سيطلق هذا الأمر يد واشنطن للتنافس مع خصوم آخرين، خاصة الصين. بالإضافة إلى ذلك، تسعى روسيا إلى توسيع نفوذها في المنطقة. في المقابل، نظراً للأهمية الجيوسياسية العالية لأوكرانيا كجسر بين آسيا وأوروبا، فإن الولايات المتحدة ليست على استعداد لتسليمها إلى قوى عظمى أخرى. إلى جانب ذلك، إذا ضاعت أوكرانيا، فإن نفوذ الولايات المتحدة في أوروبا سيتقلص بشكل كبير؛ لأن مؤيدي العلاقة عبر الأطلسي مع الولايات المتحدة في أوروبا، مثل بولندا ورومانيا ودول البلطيق، سيصابون بخيبة أمل من قدرة الولايات المتحدة على دعم أوروبا ضد روسيا.
القضية الأخرى هي أمن الطاقة، حيث تحاول الولايات المتحدة تقليص اعتماد أوروبا على الغاز الروسي. إن تاريخ ضغوط موسكو السياسية على أوروبا من خلال التهديد بقطع نقل الغاز إلى الغرب، وهو أمر متكرر، جعل تدابير مثل تطوير البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا مهمة وتشكل أساس إستراتيجية الولايات المتحدة في موضوع الطاقة وأمنها في القارة الخضراء، إلى جانب برنامج تصدير الغاز الأمريكي إلى أوروبا وتعزيز خطوط أنابيب نقل الغاز من أذربيجان إلى تركيا ثم الغرب.
أوروبا؛ بين الحاجة والمثالية
بدوره، يتبع الاتحاد الأوروبي إستراتيجيات محددة فيما يتعلق بمسألة أوكرانيا. تشترك أوروبا مع الولايات المتحدة في إستراتيجيات واقعية، على الرغم من أن الحلم الأوروبي مرتبط في النهاية بالمثالية والرغبة في سلام جميل. ستضغط بروكسل في نهاية المطاف على كييف للتفاوض مع موسكو لأن دعم المفاوضات وإقامة الحوار من أجل استعادة السلام والاستقرار في المنطقة، كما ذكرنا، يشكل مبدأ سياستها الخارجية. في الأولويات الدنيا، توجد سياسات مثل دعم وحدة أراضي أوكرانيا، ودعم الاستقلال، والإصلاحات السياسية، والتأكيد على الأهداف الإنسانية. أخيراً، يجب التأكيد على أن الأمن واستعادة الاستقرار مسألة لن تتمكن أوروبا من تحقيقها دون تعاون وثيق مع الولايات المتحدة، وأي حل سوى ذلك ليس إلا مثالية أوروبية.
إيجابيات وسلبيات التعاون العابر للأطلسي في أوكرانيا
لا يخفى على أحد أن الحرب في أوكرانيا تسببت في إحياء حلف الناتو، خاصة فيما يتعلق بوظيفته الأمنية. أيضاً، عززت المعركة في أوروبا بشكل كبير العلاقات التقليدية عبر الأطلسي بين جانبي المحيط الأطلسي. بالإضافة إلى ذلك، تم اختبار تأثير القوة الناعمة للغرب على الرأي العام العالمي وعلى الحكومات مرة أخرى، كما ترددت في العالم مرة أخرى صدى القيم الغربية، مثل ترسيخ الديمقراطية والارتقاء بها، وحقوق الإنسان، والحق في الاختيار، والإصلاحات والتنمية، مع أوكرانيا كمثال.
بالإضافة إلى هذه النقاط، فإن الجبهة عبر الأطلسي معرضة أيضاً للضعف. خطر الممارسات القاسية والمكلفة من قبل روسيا، واتساع رقعة الحرب تجاه الغرب، واحتمال فوز الجمهوريين في الانتخابات الأمريكية وتقليل الدعم لأوكرانيا، وأخيراً وجود خلافات في قرارات القادة الأوروبيين بشأن استمرار الحرب ضد روسيا ودعم أوكرانيا من القضايا التي يجب على الجبهة الغربية التفكير فيها.
0 تعليق