المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ حوار: اعتبرت الباحثة في القضايا الجيوسياسية أن التعاون في مجال الطاقة هو الأولوية الرئيسية للعلاقات بين بكين وباكو قائلة: "الاتفاق الأخير بين جمهورية أذربيجان والصين، إلى جانب تغطية القضايا المتعلقة باستيراد وتصدير النفط والغاز وتطوير الطاقات الجديدة، سيعزز التوجه الصيني إزاء حل أو تخفيف التوترات في القوقاز."
في حوار مع موقع المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية، أشارت الدكتورة مريم وريج كاظمي إلى إبرام جمهورية أذربيجان والصين مذكرة تفاهم للتعاون في مجال الطاقة، موضحة: “تم إبرام مذكرة التفاهم هذه لغرض التعاون في مشاريع مثل اكتشاف وتطوير مصادر الطاقة المتجددة بسعة 2 جيجاوات وكذلك تبادل الخبرات في مجال نقل الطاقة الكهربائية لمسافات طويلة من خلال كابلات التيار المباشر ذات الجهد العالي. بالإضافة إلى ذلك، سيدعم هذا التفاهم الاستقرار المالي وكفاءة قطاع الطاقة وسيساعد في توسيع استخدام مصادر الطاقة المتجددة في جمهورية أذربيجان.”
وذكرت أن التعاون في تقييم فرص الاستثمار في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح البرية والبحرية وتخزين الطاقة وأنظمة الطاقة الذكية المتكاملة والهيدروجين الأخضر وغيرها هو من بنود الاتفاقية، قائلة: “هذه الوثيقة توفر كذلك إمكانية إجراء دراسات لربط هذه المشاريع بالشبكة، وتقييم آثارها البيئية، والمسوحات الجيولوجية والطبوغرافية للمناطق التي تشملها الدراسة.”
ورأت الباحثة في القضايا الجيوسياسية أن قطاع الطاقة هو الأولوية الرئيسية للعلاقات بين بكين وباكو، مضيفة: “بالنظر إلى أن الصين حققت تقدماً كبيراً في مجال الطاقات البديلة، بإمكانها أن تساعد جمهورية أذربيجان بشكل كبير في تنويع اقتصادها وتقليل الاعتماد على موارد النفط والغاز، خاصة في مجال إدخال التقنيات الجديدة وتجديد البنية التحتية وزيادة الاستثمار المتبادل وتبادل المعلومات والمعارف المتعلقة به.”
وأفادت وريج كاظمي أنه يجب على باكو التأكد من أن مواردها من الطاقة تلبي احتياجاتها المباشرة وغير المباشرة ليس فقط للحفاظ على النمو الاقتصادي، بل أيضاً لدعم المبادرات الاقتصادية الإقليمية والعالمية، مردفة: “بالنظر إلى توجه العالم نحو الحد من استهلاك الطاقة الأحفورية والتوسيع التدريجي للبنية التحتية المتعلقة باستخدام الطاقة المتجددة في البلدان التي تستهلك الطاقة الهيدروكربونية، فإن جمهورية أذربيجان تميل إلى إقامة شراكات وتعاون تجاري في قطاع الطاقة الخضراء من أجل تجنب الاعتماد الاقتصادي على النفط والغاز وحماية البيئة. في هذا الصدد، تنوي الصين القيام باستثمارات واسعة في جمهورية أذربيجان بهدف تسهيل وترويج وتشجيع تطوير الطاقة المتجددة في هذا البلد، مع السعي لتحقيق أهداف رئيسية أخرى.”
وأضافت: “نظراً لموقع جمهورية أذربيجان الاستراتيجي، باعتبارها لاعباً رئيسياً في مجال النقل بين أوروبا وآسيا من خلال طريق النقل الدولي عبر بحر قزوين، والذي يعرف باسم “الممر الأوسط”، تنوي الصين خلق توازن استراتيجي في مواجهة خصومها في المنطقة من خلال جمهورية أذربيجان.”
وبحسب المحللة للقضايا الجيوسياسية، بالنظر إلى أن باكو منافس شرس لموسكو في صادرات الغاز واستفادت من سياسة احتواء روسيا في ظل الوضع الصعب الذي تعيشه الأخيرة، فإن دخول الصين إلى سوق الطاقة الأذربيجانية يمكن أن يقيد بشكل كبير نفوذ القوى الإقليمية والعالمية التي تسعى إلى التنافس والصراع مع روسيا، باعتبارها الحليف الاستراتيجي للصين. إن الفرص الاقتصادية تشكل السلوك الإقليمي، وتحاول الصين أيضاً أن يكون لها حضور جاد في منطقة القوقاز وأوروبا الشرقية من خلال التبادلات الاقتصادية والتجارية والطاقية.”
وصرحت وريج كاظمي أن اهتمام جمهورية أذربيجان باستثمارات الصين الواسعة النطاق له تأثير كبير على إعادة بناء العلاقات مع الدول المجاورة وزيادة التقارب معها في اتجاه استخدام أكثر فعالية لممرات نقل الطاقة، قائلة: “من منطلق سعيها إلى تطوير وتنويع أسواق الاستهلاك وخفض التكاليف، تهتم الصين بالدول التي تملك موارد طاقة وتقع في ممرات العبور. ورغم أن الزيادة في إنتاج الطاقة في أذربيجان لن تقلل من العجز في توفير الوقود لدى الصين، إلا أنها ستساعدها إلى حد ما في سوق الطاقة المتقلبة والمكلفة.”
وبيّنت الخبيرة: “الاتفاق الأخير بين جمهورية أذربيجان والصين، إلى جانب تغطية القضايا المتعلقة باستيراد وتصدير النفط والغاز وتطوير الطاقات الجديدة، سيساعد في تعزيز توجه الصين تجاه حل أو خفض التوتر في القوقاز. إن المزيد من تآكل الاستقرار والأمن في هذه المنطقة، إذ قد يغير خريطة الصراع، يمكن أن يؤثر سلبياً كذلك على الدول المحيطة الحليفة للصين. من وجهة نظر بكين، فإن التفاعل مع دول المنطقة سيزيد من مرونتها وسيساعد في الحفاظ على السلام والاستقرار.”
وإذ أكدت الباحث في القضايا الجيوسياسية على أن الاستقرار الإقليمي ضروري للجهات الفاعلة المحلية والدول المجاورة مثل روسيا وتركيا وإيران، وكتلة سياسية اقتصادية مثل الاتحاد الأوروبي، أضافت: “تطور علاقات الصين مع جمهورية أذربيجان من خلال التأثير على التعريفات الجمركية على الواردات و فرض حظر أو قيود على التصدير، سيؤدي إلى وقف المساعدات المالية الأجنبية. في الحقيقة، الاتفاق مع الصين يخلق فرصة ذهبية لجمهورية أذربيجان للاستفادة من النظام الإقليمي الجديد الذي تأسس بعد حرب قره باغ.”
وفي معرض شرحها لموقع جمهورية أذربيجان في منطقة يمر فيها العديد من خطوط الأنابيب ومشاريع الطاقة الكبيرة، تابعت وريج كاظمي: “تخطط باكو لإعادة بناء جميع الروابط الاقتصادية وممرات النقل والمواصلات في المنطقة، عبر إعطاء الأولوية لخط أنابيب الغاز عبر الأناضول، والممر الأوسط، وممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب، ومبادرة الحزام والطريق، وتهدف إلى لعب الدور كمركز لوجستي وحلقة وصل لأوراسيا. هذه الفرص، إلى جانب أداة الطاقة التي تتمتع بها جمهورية أذربيجان، تخلق فرصة للصين أيضاً ليكون لها حضور نشط في المنطقة.”
واختتمت قائلة: “رغم أن الولايات المتحدة والهند ستضعان عقبات أمام الصين في هذه المنطقة، لكن الصين ستعتمد تكتيكات مختلفة لتعزيز وجودها من خلال إبرام اتفاقيات، منها الاتفاق الأخير في مجال الطاقة؛ تكتيكات قد تغير المعادلة الأمنية في المنطقة بشكل جذري.”
0 تعليق