المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ رأي: بعد الانفتاح الدبلوماسي في العلاقات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية، لا تزال منطقة غرب آسيا والخليج الفارسي تشهد "تحركات إيجابية"؛ إن الدول التي كانت على الجبهة المعاكسة نأت بنفسها عن السياسات السابقة وتتجه نحو التفاعل واستئناف العلاقات الثنائية.
برسام محمدي ـ خبير في القضايا الإقليمية
للمرة الأولى منذ عام 2011، زار وزير الخارجية السعودي “فيصل بن فرحان” سوريا وتحدث مع كبار المسؤولين في البلاد، بمن فيهم بشار الأسد. تمت هذه الزيارة بعد أن ذهب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى الرياض قبل أسبوع واجتمع مع كبار المسؤولين السعوديين.
وبحسب بيان الخارجية السعودية، فإن زيارة بن فرحان إلى سوريا جاءت بهدف “دراسة هواجس المملكة العربية السعودية للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، وكذلك لإفساح المجال لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية”.
والحقيقة أن جهود السعودية لتطبيع العلاقات الثنائية مع سوريا لم تكن بمعزل عن التطورات الدبلوماسية الأخيرة في المنطقة، بما في ذلك تحسين العلاقات بين طهران والرياض، وكذلك “نجاح” دمشق في كبح الأزمة الأمنية.
زيارة رئيس السلك الدبلوماسي السعودي لسوريا وقبل ذلك زيارة فيصل المقداد إلى الرياض كانتا مهمتين.
إن وجود بعض المتغيرات البنيوية والعوامل الإقليمية والدولية، فضلاً عن “الضرورات الاستراتيجية والجيوسياسية” في السياسة الخارجية للبلدين، وخاصة السعودية، لها دور فاعل في تحسين علاقات هذا البلد مع سوريا، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى “نتائج استراتيجية” هامة وفيما يلي يمكن التطرق الى أهمها:
أولاً؛ كانت النتيجة الأكثر استراتيجية لمحادثات السلام بين السعودية وسوريا وبالتالي استعادة العلاقات الثنائية بعد 12 عاماً، أن جميع “مشاريع الغرب” ومئات مليارات الدولارات من التكاليف المادية للإطاحة بالنظام السياسي وإجراء تغييرات هيكلية وتشغيلية في سوريا وعزل هذا البلد باءت بالفشل.
يشير التحسن في العلاقات السعودية السورية إلى عدم جدوى جهود البيت الأبيض لإقناع حلفاء وشركاء واشنطن العرب بالابتعاد عن سوريا وإعادة العلاقات مع هذا البلد. هذه فرصة فريدة للحكومة السورية للتغلب على التداعيات المادية وغير المادية للحرب الأهلية في هذا البلد.
كما يعتبر هذا الأمر إنجازاً هاماً لجبهة المقاومة الإسلامية التي تشكل سوريا أحد أركانها الأساسية.
ثانياً؛ في لقائه مع بشار الأسد، أكد وزير الخارجية السعودي بوضوح على “دعم السعودية الشامل لسوريا”؛ إن الإعلان عن مثل هذه السياسة، حتى في ظل الوضع الذي كانت فيه الرياض إحدى الدول الرائدة في تصعيد الأزمة الأمنية السورية عام 2011 وما بعدها، وحتى وقت قريب كانت ضد الاقتراب من دمشق، يشكل منصة مهمة لـ “تحسين موقف سوريا السياسي “بين الدول العربية وتسريع وتسهيل عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية وتحقيق مكانة بارزة في العالم العربي أكثر مما كانت عليه في السنوات التي سبقت الأزمة.
ثالثاً؛ النتيجة المهمة التالية هي “إضعاف” الدور الإقليمي لأمريكا وأوروبا. إن بداية عملية استئناف العلاقات بين سوريا والسعودية، والتي تأثر جزء منها باتفاق طهران – الرياض، تطور مهم تم تنفيذه دون تدخل الولايات المتحدة ومعاكساً تماماً لما هو معلن ومنفَّذ من مواقف هذه الدولة. أعرب وليام بيرنز، رئيس وكالة المخابرات المركزية، في رحلة غير معلنة إلى المملكة العربية السعودية، عن استيائه من نهج اقتراب الرياض من دمشق في اجتماعه مع المسؤولين السعوديين.
تم التحضير للمحادثات الأخيرة بين سوريا والسعودية في روسيا، وفي الواقع تلعب موسكو دوراً في دفع محادثات السلام بين البلدين. إن استئناف العلاقات مع سوريا عبر قنوات غير أمريكية وغير أوروبية يظهر أن ولي العهد محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية، لا يرغب في إخفاء نواياه من أجل استقلال أكبر عن الولايات المتحدة، ولو كان غير ذلك، لم يضع استراتيجية تعزيز العلاقات مع أعداء واشنطن لاسيما وضع إيران وسوريا وروسيا والصين على جدول الأعمال؛ مثل هذا النهج ليس له رسالة ايجابية وعواقب جيدة لأمريكا في المنطقة.
إبرام السلام بين السعودية وسوريا بوساطة روسيا بعد اتفاق هذا البلد مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية بوساطة الصين يظهر إلى أي مدى وضعت موسكو وبكين نفسيهما بين واشنطن والرياض!
رابعاً؛ إن التطورات والتحركات التي تشهدها المنطقة على المستوى الدبلوماسي وبين دول مختلفة، منها السعودية وإيران، وسوريا والسعودية، ومصر وسوريا، والإمارات وتركيا، وقطر ومصر، ليست أحداثاً يمكن التقليل من شأنها.
ما نشهده في العلاقات بين دمشق والرياض وقبلها السعودية وإيران، ومصر وسوريا، والإمارات وتركيا وغيرها، هي من نوع “التطورات الاستراتيجية” التي تكون سوريا كانونها الرئيسي وتظهر عودة عملية “السياسة والقدرة” و “الاستقرار والأمن” في أبعادها الإقليمية إلى السنوات التي سبقت اندلاع الحرب السورية (2011).
إن تطبيع علاقات الرياض مع دمشق هو انعكاس لمراجعة السياسات الإقليمية واعتماد نهج “البراغماتية أو العَمَلانِيَّة” في سياسة الرياض الخارجية، وهو ما يمكن أن يلعب دوراً هاماً في الحفاظ على الاستقرار الإقليمي، لأن المملكة العربية السعودية هي إحدى القوى الإقليمية المهمة التي تستطيع أن تلعب دائماً دوراً مؤثراً في إنشاء آليات إقليمية خالقة للأمن.
0 تعليق