المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ رأي: في ديسمبر، عُقد مؤتمر مشترك لعدة أيام في واشنطن بمشاركة 49 دولة أفريقية. كان الغرض من هذا المؤتمر مناقشة الأولويات المشتركة وكيفية تطوير العلاقات بين الولايات المتحدة والدول الأفريقية.
حسين سياحي ـ باحث في السياسة الدولية
وكانت الأهداف مثل تحقيق الحوكمة الرشيدة، وتعزيز الديمقراطية على المستوى القارّي، وكذلك تحسين مستويات الأمن وأنواعه، من بين القضايا التي ناقشها الجانبان. كما أعلنت الولايات المتحدة أنها ستخصص 55 مليار دولار لإفريقيا على مدى السنوات الثلاث المقبلة.
بغض النظر عن الأهداف المعيارية لمثل هذا المؤتمر، يبدو أن تخصيص هذا المبلغ من قبل واشنطن هو رد فعل قوة عالمية لقوة ناشئة في منطقة ثالثة. الصين، التي بدأ حضورها تدريجياً في القارة الأفريقية منذ عام 1990، ثبّتت حضورها في عام 2013 بناءً على مبادرة الحزام والطريق. ومع ذلك، يُعتقد أن الولايات المتحدة لا تنوي تسليم المجال للتنين الأحمر بسهولة.
من الواضح أن خطة وجود أقوى للولايات المتحدة في إفريقيا ستحوّل القارة إلى ميدان للمنافسة الجيوسياسية. منافسة تشمل عنصري الأمن والاقتصاد وقد تستمر لفترة طويلة.
وفقاً للإحصاءات العالمية، ستستضيف قارة إفريقيا ما يقرب من 40 ٪ من سكان العالم بحلول نهاية هذا القرن. أيضا، من المتوقع أن يكون أكبر نمو إقليمي في هذه القارة. بالإضافة إلى ذلك، فإن وجود كمية هائلة من النفط والغاز والموارد الطبيعية، وكذلك المواد مثل البلاديوم والليثيوم، يجعل معظم الصناعات المستقبلية في العالم تشعر بالحاجة إلى إفريقيا ومواردها. في مثل هذه الظروف، تعتبر الصين والولايات المتحدة وفرنسا وحتى روسيا التواجد في إفريقيا أمراً حيوياً، على الرغم من أن المنافسة الرئيسية ستظل بين بكين وواشنطن.
الصين الرائدة، إنذار لأمريكا
الوضع الحالي للمنافسة واضح في الاختلاف الإحصائي. وفقاً للإحصاءات المنشورة في عام 2021، تمتلك الصين ما يقرب من 250 مليار دولار في التجارة الثنائية مع إفريقيا. وفي الوقت نفسه، تبلغ التجارة بين الولايات المتحدة وأفريقيا 63 مليار دولار فقط. بالإضافة إلى هذا الفارق البالغ 4 أضعاف، فإن بكين هي أكبر دولة تقدم القروض لدول المنطقة. على عكس الولايات المتحدة التي عقدت قمة مشتركة مع الدول الأفريقية بعد 8 سنوات، تتخذ الصين إجراءات مماثلة كل 3 سنوات وتنشط العديد من الشركات الصينية في تطوير البنية التحتية واستخراج المواد الخام والطبيعية. من ناحية أخرى، لا تمتلك معظم الشركات الأمريكية نشاطاً اقتصادياً وتجارياً مهماً في إفريقيا بسبب عدم الرغبة أو عدم وجود دعم كافٍ من الحكومة الفيدرالية.
على الرغم من أن قضية الاقتصاد ذات أهمية فائقة، إلا أن الصين تمكنت من خلق مكانة لها في القارة الأفريقية من حيث الأمن. في عام 2017، تم إكمال أول قاعدة عسكرية لها في جيبوتي. تخطط الصين لبناء واستكمال قواعد بحرية في غينيا الاستوائية، من خلال تطوير مرافق الموانئ. ومع ذلك، يجب التأكيد مرة أخرى على أن بكين حالياً لا تنوي تحويل إفريقيا إلى مجال منافسة أمنية مع الولايات المتحدة أو حتى إشراك نفسها في العلاقات الأمنية لهذه القارة. والمثال على هذا الادعاء هو الحرب الأهلية في إثيوبيا، حيث تبنت الصين، على الرغم من إرسال مبعوثها الخاص للسلام، سياسة عدم التدخل التي تأخذها بعين الاعتبار.
في الوقت نفسه، فإن إستراتيجية الحكومة الأمريكية، التي تم نشرها في أغسطس من هذا العام، عرّفت الصين باعتبارها تستخدم إفريقيا كساحة مهمة لتحدي النظام الدولي من أجل تعزيز مصالحها التجارية والجيوسياسية، ولهذا السبب فهي تسعى إلى إضعاف وتقييد الولايات المتحدة. يعتقد الغرب أن الصين من خلال تقديم القروض للدول الأفريقية، ستضعها في فخ الديون وتجبرها على الامتثال لمطالبها. على الرغم من أن هذه الرؤية تحدد الهدف، إلا أن التنفيذ والحضور في مجال المنافسة الأفريقية يتطلب جهوداً واستراتيجيات فعالة أخرى.
استراتيجيات الولايات المتحدة وآفاق المنافسة
على الرغم من أن دخول أمريكا ينذر بمنافسة جيوسياسية أخرى، إلا أنه لن يكون من الصعب للغاية التنبؤ بمستقبل أفريقيا التي ستكون فيها الولايات المتحدة داخلة في صراع صعب وستظل الصين فيها لاعباً قوياً. تدرك كل من واشنطن وبکین أن العالم اليوم لم يعد كما كان في نهاية القرن التاسع عشر، وأن إفريقيا المهمشة اليوم، والتي تشكل 3٪ فقط من الاقتصاد العالمي، تدرك قدراتها الحالية والمستقبلية أكثر منهم وهي متعطّشة للمضي قدماً.
تعرف الولايات المتحدة جيداً – لتعزيز وجودها ومكانتها في إفريقيا – أن الضغط على الدول الأفريقية للتحرك في الاتجاه المطلوب يمكن أن يكون له نتائج سلبية وعكسية. فقد صرح مسئولون أمريكيون بقوة في القمة الأخيرة أن الحكومة الأمريكية لن تفرض على الدول الأفريقية الاختيار بينها وبين الآخرين. تبحث أمريكا عن وجود اقتصادي أقوى وخاصة زيادة حجم الاستثمار المباشر في إفريقيا. ستكون العديد من الشركات الأمريكية أكثر قدرة على المنافسة من نظيراتها الصينية في قطاعات الرعاية الصحية والتكنولوجيا المالية والطاقة المتجددة.
بالإضافة إلى ذلك، تحاول أمريكا تنويع استثماراتها في إفريقيا وعدم حصرها على استخراج الموارد الأولية والطبيعية؛ الموضوع الذي تناولته الصين بإسراف. تأمل أمريكا أيضاً أن تفهم الدول الأفريقية ميزة التعامل مع الولايات المتحدة على الصين.
الأمر الثالث هو إعادة تعريف الالتزامات، والتركيز على القيم المهمة للدول الأفريقية، والتركيز على المجتمع المدني، وتعزيز الديمقراطية، ومحاولة تحقيق مجتمعات مفتوحة ستكون جزءاً من هذه الالتزامات. أخيراً، يجب على كل من الصين والولايات المتحدة التنافس في إفريقيا بطريقة لا تعيد ذكرى العصر المرير لاستعمار هذه القارة ونهب ثرواتها.
0 تعليق