المجلس الإستراتيجي أونلاين: أكد باحث في مجال التكنولوجيا والحوكمة: "في حين أن انفجار التعددية بسبب غلبة الذكاء الاصطناعي لا يسمح بخلق أي سردية أحادية، فإن موضوع العدالة والتخلي عن الخطاب الواحد في العالم تسببا في التشكيك في نظرية فرانسيس فوكوياما عن نهاية التاريخ وأظهرا أن تعميمها على العالم باطل من الأساس. في هذه الحالة، لن يكون بمقدورنا تحليل الاقتصاد السياسي الدولي كما كان سابقاً".
قال سعيد تشهرآزاد، باحث ما بعد الدكتوراه في العلاقات الدولية بجامعة العلامة الطباطبائي، في معرض تحليله لتحول الدبلوماسية في عصر الذكاء الاصطناعي خلال الندوة التخصصية حول “العلاقات الخارجية في عصر الذكاء الاصطناعي” التي استضافها المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية: “في هذا التحليل، سنتناول موضوع الذكاء الاصطناعي من منظور العلوم الإنسانية، خاصة العلوم الاجتماعية والسياسية. جرى استخدام الذكاء الاصطناعي في مجالات واسعة في العقدين الماضيين. ولم تستثن العلوم الاجتماعية والسياسية بشكل عام والعلاقات الدولية بشكل خاص من هذه القاعدة”.
وذكر أن الذكاء الاصطناعي أحدث ثورة علمية في الدراسات الدبلوماسية وإذا أردنا استخدام أدبيات كوهين في فلسفة العلوم فلا بد من القول إننا أمام نموذج فكري أو بارادايم جديد في مجال الدبلوماسية وهذا الباراديم الجديد يمثل تحولاً في الباراديم الذي نجده في فلسفة العلوم الدبلوماسية. بادئ ذي بدء، يبدو من الصعب بعض الشيء إدخال الذكاء الاصطناعي إلى مجال الدبلوماسية؛ حيث أن إدخال مفاهيم مثل البيانات، والغيغ والآلة والذكاء غير البشري إلى مجال الدبلوماسية أمر مختلف”.
ذكر الباحث أن الحديث عن الذكاء الاصطناعي كان موجوداً منذ زمن آلان تورينغ وهو موضوع قديم، مضيفاً: “لكن طرح أفكار جديدة عن الذكاء الاصطناعي في مجال العلوم الإنسانية، خاصة في الدبلوماسية، فقد يكون بديعاً ومبتكراً؛ لأنها قضايا أثيرت مؤخراً”.
وأكد عضو هيئة التدريس بجامعة العلامة الطباطبائي على ضرورة الاهتمام بالبنية النظرية لهذه القضية، مردفاً: “كان اللقاء قبل ثلاث سنوات مع الدكتور خرازي بداية لاختياري موضوع الذكاء الاصطناعي والعلاقات الدولية والدبلوماسية كمجال بحث متعدد الإختصاصات وقمت بفحص أكثر من ثلاثة آلاف مصدر في هذا السياق. الأسئلة التي طرحناها مع الدكتور خرازي في البداية والأسئلة التي طرحها الدكتور ستاري هي أسئلة مهمة وأساسية”.
وإذ تساءل عن ماذا سيكون مستقبل قضية الديمقراطية في العلوم الإنسانية في عصر الذكاء الاصطناعي؟ وإلى أي اتجاه ستتحول السياسة الخارجية ؟ وهل سيصبح النظام العالمي أكثر فوضوية أم سيصل إلى نظام آلي؟ وهل ستحتفظ المؤسسات والأنظمة والمعاهدات الدولية بفعاليتها أم لا؟ أضاف: “نقطة أخرى هي التشكيك في نظريات الدبلوماسية. في حين أن انفجار التعددية بسبب غلبة الذكاء الاصطناعي لا يسمح بخلق أي سردية أحادية، فإن موضوع العدالة والتخلي عن الخطاب الواحد في العالم تسببا في التشكيك في نظرية فرانسيس فوكوياما عن نهاية التاريخ وأظهرا أن تعميمها على العالم باطل من الأساس. في هذه الحالة، لن يكون بمقدورنا تحليل الاقتصاد السياسي الدولي كما كان سابقاً”.
وأكد الباحث: “بشكل أساسي، دخل لاعبون إلى ساحة النظام الدولي وضعوا تقاليد اللعبة العالمية جانباً، وقد تسبب هذا في دخول الاقتصاد العالمي إلى حقبة جديدة”.
وذكر تشهرآزاد أن الأمن الدولي والجغرافيا السياسية في ظل هيمنة الذكاء الاصطناعي، ليسا كما كانا في الماضي، موضحاً: “للثقافة والمقومات والمعايير السياسية والاجتماعية والدبلوماسية ظروف مختلفة في جميع البلدان، وأن الدولة – الأمة التي كانت الجغرافيا ركيزتها المحورية لم تعد موجودة. التغييرات العميقة التي تدخل على نظام العقوبات الدولي من خلال الذكاء الاصطناعي هي أيضاً موضوع آخر جدير بالنقاش”.
وقال: “أدخلت رأسمالية المنصات لاعبين جدد في النظام الدولي، بالاعتماد على البيانات الضخمة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي. لقد غيرت أمازون، ومايكروسوفت، غوغل، وأبل، وغيرها اللعبة والمنافسة الدولية بشكل عميق، وحتى رؤوس أموالها أكثر من العديد من البلدان الأخرى. لذلك يمكن اقتراح مفاهيم جديدة مثل الجغرافيا السياسية لوادي السيليكون، مما يعرض نظرية هارتلاند للانتقاد بطريقة ما”.
وشرح الباحث نموذجاً ثلاثياً يتماشى مع ومن أجل مناقشة العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والدبلوماسية، والذي يحتوي على مواضيع بسيطة للغاية، موضحاً: “هذا النموذج الثلاثي يعتمد على AI للذكاء الاصطناعي والذكاء الاصطناعي لـ AI، والدبلوماسية للذكاء الاصطناعي والذكاء الاصطناعي في الدبلوماسية. الذكاء الاصطناعي للدبلوماسية هو أنه في الوضع الذي تكون فيه العلاقات الدولية والنظام العالمي في حالة توتر وحرب، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد على تجاوز تلك الحالة من خلال إنشاء خوارزميات لوضع السياسة الصحيحة في تلك الفترة”.
وشدد تشهرآزاد: “حینها، ستكون الأخطاء البشرية في صنع السياسة أقل بكثير وستعمل العلاقات الدولية الحسابية وما يسمى بالدبلوماسية الآلية – باستخدام الآلة – على خلق مواقف مناسبة وتقديم حلول منطقية لتحقيق ذلك. المحور الثاني، وهو الدبلوماسية للذكاء الاصطناعي، هو أن الدبلوماسية تعتبر منصة يمكنها تعزيز جميع التقنيات الناشئة بما في ذلك الذكاء الاصطناعي. ولكن لكي تتمكن أي دولة من توسيع هذه التكنولوجيا بما فيها الذكاء الاصطناعي على المستوى الدولي، یجب علیها استخدام علاقاتها الدبلوماسية لتقويتها”.
وتابع: “توفر الشبكات القنصلية والدبلوماسية ظروف مشاركة الباحثين في برامج الذكاء الاصطناعي متعددة الجنسيات”.
وفي معرض شرح الدور التحليلي للذكاء الاصطناعي، أضاف تشهرآزاد: “يجب أيضاً أخذ الدور التنبؤي للذكاء الاصطناعي في الاعتبار. الاستشراف والدراسات المستقبلية هو مجال جديد تقريباً تعتمد عليه جميع العلوم، بما فيها الدبلوماسية والعلاقات الدولية. هنا، فإن الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الناشئة فعالان للغاية في رسم المستقبل من خلال دور تنبؤي”.
واعتبر الباحث أن المحور الثالث هو الدور العملي مشيراً الى دور الاستفادة من المسيّرات في الدبلوماسية، قائلاً: “دخول AI إلى الدبلوماسية قد أحدث تحولاً فيها ونحن مضطرون إلى الرجوع إلى الدراسات الأخرى، وخاصة الدراسات متعددة الإختصاصات، لوضع منهجية ونظرية معرفة أنطولوجيا وأنثروبولوجيا جديدة في الدبلوماسية”.
وأكد: “لا يمكن أبداً تطوير أي بيئية تكنولوجية دون معالجة هذه المشكلات. تكمن أهمية هذا الموضوع في لعب الذكاء الاصطناعي دوراً عميقاً في الإدارة المستقبلية للنظام الدولي، كما صرّح قائد الثورة الإسلامية المعظم. بصفتنا أحد اللاعبين في النظام العالمي، يجب علينا أن ننتبه بجدية وإصرار إلى هذا التوجيه المهم من قائد الثورة الإسلامية حتى لا نتخلف عن الآخرين في الشبكة العالمية للقوة والنظام الدولي ما بعد الولايات المتحدة”.
وأردف تشهرآزاد قائلاً: “أحدث الذكاء الاصطناعي تغييرات عميقة في مختلف المجالات النظرية والعملية للعلاقات الدولية والدبلوماسية. إذا درسنا العلاقات الدولية والدبلوماسية من أي منظور دون أن نأخذ في الاعتبار عنصر الذكاء الاصطناعي، فستكون الدراسات بالتأكيد غير مكتملة. هذه التطورات، خاصة دور رأسمالية المنصات في الاقتصاد السياسي الدولي وطريقة تدخل الذكاء الاصطناعي في تحول النظريات الدولية مهمة. ينبغي النظر بعناية في التطورات النظرية والعملية للنظام الدولي”.
وأكد: “يمكن أن يتأثر نظام العقوبات بالذكاء الاصطناعي وهو موضوع جدير بالبحث. وأخيراً، هناك متطلبات لتطوير ما أسميته دبلوماسية الخوارزميات سواء في مجال دراستها أو تطبيقها بشكل جدي ودقيق، وآمل أن يدرس الأمر من الناحية النظرية وأن يُطبَّق في العمل الدبلوماسي”.
0 تعليق