المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ حوار: قال خبير في الحوكمة الدولية للفضاء السيبراني إنه في ذروة حاجة بريطانيا لإعادة تعريف قوتها ومكانتها في النظام الدولي، يحاول ريشي سوناك خلق إنجاز لنفسه بانتهاز الفرصة المتمثلة في الذكاء الاصطناعي كتكنولوجيا تحويلية، موضحاً: "تسعى بريطانيا إلى لعب دور رائد في تنظيم الذكاء الاصطناعي قبل رغبتها في القيام بدور رائد في هذه التقنية نفسها".
في حوار مع موقع المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية، أشار الدكتور بهزاد أحمدي لفوركي إلى تصريحات رئيس الوزراء البريطاني بشأن خطة بلاده لتصبح المقر العالمي للذكاء الاصطناعي، موضحاً: “لقد حاولت بريطانيا تقليدياً تحديد دور لها في الأحداث التاريخية. في الثمانينيات، استفادت هذه الدولة من التحول الذي حدث في التبادلات المالية، بحيث أصبحت مدينة لندن في النهاية مركز التأمين والبنوك في العالم. اليوم كذلك، يبحث سوناك عن استغلال الفرصة بشكل مماثل بالنظر إلى ظهور الذكاء الاصطناعي بمثابة تكنولوجيا تحويلية”.
وإذ صرح أنه في ذروة حاجة بريطانيا إلى إعادة تعريف نفسها وقوتها ومكانتها في النظام الدولي، يحاول ريشي سوناك انتهاز الفرصة لتحقيق إنجاز لنفسه وقد ينجح في استقطاب انتباه الشعب البريطاني، قال فيما يتعلق بالقدرات الفنية لبريطانيا في مجال الذكاء الاصطناعي: “تدعي بريطانيا أنها الدولة الثالثة من ناحية حجم الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي بعد الولايات المتحدة والصين وبحسب الحكومة البريطانية، فإن الشركات التكنولوجية التي استخدمت الذكاء الاصطناعي أضافت قيمة مضافة للاقتصاد البريطاني بلغت 3.7 مليار جنيه واستقطب القطاع الخاص 22 مليار جنيه في هذا المجال”.
واعتبر محلل الحوكمة الدولية للفضاء السيبراني أن ادعاء بريطانيا صحيح لكنه غير دقيق مضيفاً: “يحتل الاتحاد الأوروبي المكون من 27 دولة مكانة أعلى من بريطانيا في هذا المجال. بعد الاتحاد الأوروبي، تأتي بريطانيا وألمانيا والكيان الإسرائيلي وكندا والهند وفرنسا في المراكز التالية. غير أن هناك فارق كبير جداً بين استثمارات الولايات المتحدة والصين واستثمارات تلك البلدان. في حين يوجد هذا الفارق الكبير في الإحصائيات، تحاول هذه البلدان تحديد الأدوار لأنفسهم في هذا المجال، بما في ذلك دور المنظم وواضع المعايير والمقاييس”.
وصرح أحمدي أنه يبدو أن بريطانيا تنوي منافسة الاتحاد الأوروبي من خلال السعي إلى تحديد دور جديد لنفسها، مردفاً: “وافق البرلمان الأوروبي مؤخراً على مسودة قانونه الأول في مجال الذكاء الاصطناعي. حيث تتضمن هذه المسودة قوانين محددة ومستقلة للذكاء الاصطناعي، ومن المحتمل أنها ستنشئ هيئة تنظيمية خاصة بها. بالطبع لم تتم الموافقة على هذا القانون بعد، لكن الأوروبيين يتطلعون إلى تقديم قانون ذكاء اصطناعي أكثر شمولاً، ويبدو أن هذا الإجراء سيستغرق عدة أشهر”.
وبحسب الخبير، كان الاتحاد الأوروبي أيضاً رائداً في مجال التنظيم، وقد اجتذب الذكاء الاصطناعي انتباه الدول الأعضاء فيه. وحدد الاتحاد الأوروبي التزامات مختلفة وفقاً لمستوى المخاطر التي يمكن أن يخلقها الذكاء الاصطناعي، ويجب على الشركات الوفاء بتلك الالتزامات التي تستند إلى نظام تصنيف يحدد أربعة مستويات من المخاطر للذكاء الاصطناعي هي مستويات “غير مقبول” و “مرتفع” و “محدود” و “حد أدنى”.
وذكر أحمدي: “بالتوازي مع سعي الاتحاد الأوروبي لتعريف نفسه كقوة تنظيمية وتشريعية في هذا المجال، أصبح نشاط بريطانيا كذلك جدياً. ومن خلال عقد مؤتمر عالمي بشأن تنظيم الذكاء الاصطناعي في الأشهر المقبلة، فإنها تحاول وضع نفسها كمركز لتنظيم الذكاء الاصطناعي. بغض النظر عن تضخيم بريطانيا قدراتها في مجال الذكاء الاصطناعي، فإن فرص نجاحها في الظهور كقوة تنظيمية عالية”.
وذكر الخبير في الحوكمة الدولية للفضاء السيبراني أنه في سبتمبر/أيلول 2021 زعمت بريطانيا، أثناء نشر إستراتيجيتها الوطنية للذكاء الاصطناعي، أنها ستصبح القوة العظمى في العالم في مجال الذكاء الاصطناعي من خلال خطة مدتها 10 سنوات، مضيفاً: “بعد توقف، نشرت بريطانيا في وثيقة أخرى نهجها الخاص بدعم الابتكار والاختراع لتنظيم الذكاء الاصطناعي، لكنها لم تشرّع في تلك الوثيقة على عكس الاتحاد الأوروبي، قوانين مستقلة للذكاء الاصطناعي، بل تحدثت عن تكييف القوانين الحالية للذكاء الاصطناعي لتنظيم هذه التكنولوجيا الجديدة”.
وقال إن الأمن والمرونة، والشفافية وقابلية التفسير، والإنصاف، والمساءلة وإقامة الحوكمة، وإمكانية الاحتجاج وإعلان الأضرار من المعايير الخمسة لبريطانيا، قائلاً: “تسعى بريطانيا إلى لعب دور رائد في تنظيم الذكاء الاصطناعي قبل رغبتها في القيام بدور رائد في هذه التقنية نفسها. وفي هذا الصدد، فهي لا تبحث عن قوانين ومؤسسات مستقلة، بل تريد وضع قوانين مرنة تسمح لهذا البلد بلعب دور جاد”.
واعتبر حجم الاستثمار البريطاني المزعوم فرصة مناسبة لهذا البلد للعب دوره في مجال الذكاء الاصطناعي وأضاف: “تمتلك بريطانيا قواعد بيانات قيّمة في مختلف المجالات حيث يُقال إن السجلات التي تم جمعها فيها ذات قيمة. مع ذلك، فإن حجم الاستثمار المنخفض في البلاد في مجال الذكاء الاصطناعي مقارنة بالصين والولايات المتحدة، فضلاً عن قلة عدد السكان في البلاد مما يؤدي إلى تقليل انتاج البيانات، وكذلك مركزية العديد من البيانات التي يجب إنشاؤها لمراكز البيانات، من بين نقاط الضعف الأخرى لدى بريطانيا. بالإضافة إلى ذلك، فإن موضوع رقائق الرسومات المتقدمة وتدريب الأشخاص الذين يجب أن يعملوا في هذا المجال ومهندسيها هي أيضاً قضايا مهمة ويجب تشكيل منافسة جادة في هذا المجال، حتى تتمكن لندن من تحديد دور مهم لنفسها في التنافس مع الولايات المتحدة والصين”.
0 تعليق