المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ حوار: أشار عضو في هيئة التدريس في جامعة طهران إلى اتهام الغربيين للصين بأن طريقة الاستنتاج وعملية الاستدلال لأنظمتهم القائمة على الذكاء الاصطناعي متحيزة وغير قابلة للتفسير، موضحاً مساعي تلك الدول لسن تشريعات في هذا الصدد.
في حوار مع موقع المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية، تطرق الدكتور بابك أعرابي إلى المخاوف التي أعربت عنها الولايات المتحدة وأوروبا بشأن إستراتيجية تطوير الذكاء الاصطناعي في الصين وادعاء التوجه الأيديولوجي لأنظمة الذكاء الاصطناعي الصينية، وأوضح: “لقد تم تطوير الذكاء الاصطناعي بطريقة تمكنت من تغيير وجه العالم من خلال خلق أدوات فعالة. يجب البحث عن جذور هذا التطور في علوم الكمبيوتر والهندسة الكهربائية وعلوم المعلومات والعلوم المعرفية”.
وتابع: “أصبح التحول الرقمي ممكناً من خلال تطوير المعالجات وأجهزة الاستشعار والذاكرة المتصلة في الشبكات اللاسلكية. يتمتع الذكاء الاصطناعي في ظل هذه الأرضية بإمكانية النمو السريع. شبكة ضخمة من الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر والكاميرات والسيارات وأجهزة الألعاب وأجهزة التلفاز والأجهزة المنزلية وأنواع التطبيقات هي شبكة واسعة جداً من مختلف الأجهزة والبرامج التي تتيح فهم الظروف المحيطة عبر الإنترنت صنع القرار عبر الإنترنت. هذا الهيكل الناشئ يخلق قدرات جديدة للحوكمة وفي نفس الوقت يخلق فرصاً للخروج عن سيطرة الحكام المهيمنين”.
ولفت أستاذ علوم الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي إلى التحديات الناجمة عن انتشار استخدام العملات المشفّرة وتكنولوجيا “بلوك تشين” للتحكم فيها ومراقبتها وإدارتها من قبل البنوك المركزية، وكذلك تزايد استخدام شبكات التواصل الاجتماعي والفضاء الافتراضي عن طريق إنتاج المحتوى ونشر الأخبار للرأي العام والحكومات قائلاً: “في الوضع الحالي يتخلف عمالقة الإعلام عن المواطن الصحفي دائماً وفي بعض الحالات يعتمدون عليهم. وهذا الواقع غالباً ما لا يأخذ في الاعتبار توجهات وآراء نظام الحكم”.
وفي معرض شرح أداء وتداعيات استخدام ChatGPT كأحد أحدث الأدوات وأكثرها تقدماً لإنتاج المحتوى في مجال الذكاء الاصطناعي، أوضح أعرابي: “لقد جلبت هذه الأداة الفعالة العديد من التحديات أيضاً. إن تطوير هذه التكنولوجيا والاعتماد المتوقع للأشخاص العاديين في اتخاذ القرارات عليها، جنباً إلى جنب مع توجهات مطوري الأداة، هو مصدر تطورات ومخاوف. في مناقشات التعلم الآلي في الذكاء الاصطناعي، تعتبر مسألة “التحيز” قضية قديمة ومهمة. جزء كبير من التحيزات غير المقصودة لا مفر من وقوعها بسبب محدودية البيانات. مع ذلك، يمكن أن يحدث التحيز بشكل متعمد أيضاً”.
وتابع: “يمكن أن يتسبب تجاهل التحيز في أنظمة الذكاء الاصطناعي والقبول الأعمى لمخرجاتها في حدوث مشكلات. يمكن للحكام استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لتحقيق أهدافهم من خلال فرض وجهات نظرهم وتفكيرهم وإطارهم الأيديولوجي. في هذا السياق، يمكن لمصممي ومحللي النظام التعامل مع التحيزات أثناء التصميم أو كشف وجودها من خلال طرق التحليل الإحصائي”.
وأوضح الخبير في علوم الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي أن أنظمة الذكاء الاصطناعي تعتمد على التعلم، وبالتالي فهي مبنية على البيانات، مضيفاً: “يجب أن يسير الذكاء الاصطناعي في اتجاه أن يجعله قابلاً للتفسير وأن تكون عملية التفكير فيه واضحة وقابلة للتفسير وأن يوضح للمستخدمين الطريق إلى النتيجة. التحدي الجاد في الأنظمة القائمة على التعلم الآلي هو قضية التفسير. ربما يكون جزء من أسباب عدم قابلية التفسير مقصوداً، لكن بالتأكيد الجزء الأكبر مرتبط بصعوبة جعل تلك الأدوات المعقدة قابلة للتفسير”.
وأردف أعرابي قائلاً: “يتهم الغربيون الصين بأن طريقة الاستنتاج وعملية الاستدلال لأنظمتهم القائمة على الذكاء الاصطناعي متحيزة وتفتقر للحياد وقابلية التفسير. ومع أن الأنظمة الغربية أيضاً تعاني من مثل هذا الضعف ولا يمكن القول إنها حيادية وقابلة للتفسير. هذا تحدي عالمي أساسي. إذا تقرر أن يتم تطوير الأنظمة القائمة على الذكاء الاصطناعي، وأن تلعب دوراً أكبر في حياتنا، وأن نكون أكثر اعتماداً عليها في اتخاذ قراراتنا، فمن الضروري أن يكون لدينا مجموعات ومنظمات ذات توجه أخلاقي وغير حكومية تهتم بهذه القضايا بشكل مستقل عن الحكومات وتسعى إلى مراقبة الأدوات التي ستدخل حياتنا على نطاق واسع في العشرين إلى الثلاثين عاماً القادمة من وجهة النظر هذه”.
وأكد أستاذ جامعة طهران على أهمية سن تشريعات من قبل الحكومات لإدارة هذه التحديات قائلاً: “على سبيل المثال، يمكن للحكومات إلزام الشركات التي تنتج أدوات قائمة على الذكاء الاصطناعي بضمان عدم وجود التحيز وحيادية القرارات بشكل تدريجي، من خلال تقديم استدلالات شفافة وقابلة للفهم والتفسير”.
وذكر أن الحكم على مستوى تقدم الغرب والصين في مجال الذكاء الاصطناعي وتفوقهما على الآخر ليس بالأمر السهل على الإطلاق، موضحاً: “في الوضع الذي نشهد فيه نوعاً من أجواء الحرب الباردة في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، يبدو أن الترويج الإعلامي بشأن توفق الصين في مجال الذكاء الاصطناعي، هو أقرب إلى الدعايات لإثارة الخوف والرعب لدى الخصم. مع ذلك، بالنظر إلى النمو الشامل للصين وخاصة نموها الاقتصادي خلال الثلاثين عاماً الماضية، يمكن القول إننا لا نرى فرقاً كبيراً بين الجانبين من حيث الثقل العلمي والتكنولوجي؛ على الرغم من أن الجانب الغربي قد يكون متقدماً بعض الشيء بفضل تاريخه الأطول في هذا المجال”.
وإذ أكد أعرابي على أن الأدوات ليست أخلاقية أو لا أخلاقية بحد ذاتها، ولكن يمكن استخدامها بشكل مناسب أو غير مناسب، أشار إلى جهود بعض الحكومات الأوروبية لتطبيق إطار قانوني واضح وشامل لحماية البيانات والتحرك نحو الذكاء الاصطناعي الموثوق به، من خلال تطبيق بعض المعايير لخلق القدرة على شرح النتائج وتتبعها وقال: “بالنظر إلى أننا في المراحل الأولى من سن التشريعات بشان ما يرتبط بحياة الناس في هذا المجال، لا تزال أمامنا العديد من التحديات والفرص”.
واختتم أعرابي قائلاً: “في الوقت الحالي، تم تطوير الأدوات لكن لم يتم وضع القوانين. يجب أن يؤخذ في الاعتبار أن وجود علماء تكنولوجيا عالمين بالقانون أمر ضروري في ما يتعلق بالمسائل القانونية للتكنولوجيا. وهذا ينطبق أيضاً على الذكاء الاصطناعي. من أجل سن التشريعات وتقديم الآراء الصحيحة، يجب علينا تدريب أشخاص مختصين في القانون إلى جانب اختصاصهم في مجال الذكاء الاصطناعي. قد تنشأ قريباً معاهدات دولية تشجع على مناقشة هذا الأمر. في هذا السياق، بالتزامن مع توجه بلادنا نحو الانضمام إلى هذه المعاهدات، يجب أن تكتسب جهوزية تمكنها من التعبير عن آرائها في هذا الصدد”.
0 تعليق