المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ رأي: الانتخابات المحلية التي جرت في تركيا يوم الأحد 31 مارس/آذار والتي انتهت بفوز المعارضة وهزيمة حزب أردوغان، تعتبر "نقطة حاسمة" مهمة في مستقبل تطورات سياسة تركيا الداخلية والخارجية. لأنه، بالإضافة إلى انتخاب رؤساء البلديات والمديرين المحليين للسنوات الخمس المقبلة، فإنه يحدد مصير العديد من القضايا السياسية المهمة.
حميد خوش آيند ـ خبير في القضايا الإقليمية
للانتخابات المحلية في تركيا، لعدة أسباب، أهمية كبيرة وعواقب متوازية، نتناول أهمها فيما يلي:
أولاً؛ بينما كان حزب العدالة والتنمية الحاكم يسعى إلى استكمال فوزه في الدورتين الانتخابيتين الرئاسية والبرلمانية السابقتين، كانت المعارضة والقوى المنتقدة تحاول تعويض هزيمتها في الدورتين الانتخابيتين الأخيرتين بالفوز في الانتخابات البلدية. وهذا الأمر جعل الحزبين يدخلان الانتخابات بنظرة “مصداقية” وباستخدام كل الإمكانيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها واستغلال كل فرصة للفوز فيها.
ثانياً؛ للانتخابات المحلية “تأثير خطير” على المستقبل السياسي لأردوغان وحزب العدالة والتنمية. وفي 9 مارس/آذار 2024 تحدث أردوغان، الذي كان يلقي كلمة في مؤسسة الشباب التركي، لأول مرة عن “الخروج من السلطة”، وأكد أن الانتخابات البلدية ستكون الانتخابات “الأخيرة” بالنسبة له.
وقال أردوغان في ذلك الخطاب: “سأواصل عملي دون توقف. نحن نركض بكل طاقتنا، لأن هذه هي النهاية بالنسبة لي. ومع الصلاحيات التي منحها لي القانون، فإن هذه الانتخابات هي انتخاباتي الأخيرة”.
ومن الواضح بحسب تصريحات أردوغان أن الفوز في الانتخابات، خاصة في إسطنبول التي أصبحت في أيدي المعارضة، يلعب دورا فعالاً في “بقاء” أردوغان وحزبه في السلطة.
ثالثاً؛ أنقرة، العاصمة السياسية، واسطنبول، باعتبارها المركز التجاري والاقتصادي لتركيا، هما مجالان حساسان وحيويان وحاسمان في الانتخابات. ولا سيما أن لإسطنبول دوراً أكثر بروزاً في هذه الانتخابات.
بلدية إسطنبول التي كانت خاضعة لسيطرة العدالة والتنمية منذ 25 عاماً، أصبحت في أيدي المعارضة منذ عام 2019، وهو ما وجه ضربة كبيرة لأردوغان الذي بدأ مسيرته السياسية هناك عام 1994.
ولذلك، كان تركيز أردوغان الأساسي في الانتخابات على إسطنبول. ولهذا الغرض، ورغم ظهوره كمنافس ومرشح للانتخابات، فقد اختار “مراد كوروم”، الوزير السابق للتنمية الحضرية والبيئة البالغ من العمر 47 عاما، ليتنافس مع رئيس البلدية الحالي “أكرم إمام أوغلو”، أقوى شخصية سياسية في حزب الشعب الجمهوري.
رابعاً؛ يعد الحديث عن بناء “مشروع ممر إسطنبول الجديد العملاق” الذي يربط البحر الأسود ببحر مرمرة وبحر إيجه والبحر الأبيض المتوسط عبر ممر مائي، قضية أخرى زادت من أهمية الانتخابات المحلية. وتبلغ القيمة الاقتصادية للمشروع المذكور عشرات المليارات من الدولارات.
وإذا نظرنا إلى الانتخابات من منظور قناة إسطنبول الاصطناعية، فإن فوز حزب العدالة والتنمية في إسطنبول كان من الممكن أن يترك يد أردوغان مفتوحة في قضيتين مهمتين:
الأولى، استخدام القدرات والفرص الاقتصادية والتجارية لهذه المدينة، بما في ذلك قناة اسطنبول، لتحسين الوضع الاقتصادي، وبالتالي تحسين المصداقية والمكانة الداخلية التي تضررت بسبب المشاكل الاقتصادية.
الثانية، تسهيل عملية تقديم دستور جديد يسمح لأردوغان بالبقاء في السلطة لفترة أخرى بعد انتهاء ولايته في عام 2028.
لذلك، نظراً لمكانة إسطنبول الخاصة في الاقتصاد والتجارة والسياسة الداخلية والخارجية لتركيا والنظرة الخاصة لرجال الأعمال والمستثمرين الأوروبيين تجاه هذه المدينة، حاول كل من التيارين المتنافسين الفوز في الانتخابات المحلية في هذه المدينة، حتى يتمكنوا بطريقة أو بأخرى من تشكيل مستقبلهم من خلال تعزيز واستقرار السياسة والقوة في تركيا.
الجدير بالذكر أنه في الأسابيع الماضية سافر ممثلون عن شركات الاستثمار والمؤسسات المالية الأوروبية إلى تركيا، وأثناء لقائهم بعدد من المحللين السياسيين والصحفيين والأكاديميين والناشطين الاقتصاديين، كانوا يبحثون عن إجابة واقعية للسؤال عن مدى تأثير فشل أو فوز كل جانب ـ وعلى وجه الخصوص “أكرم إمام أوغلو” وأصدقائه في إسطنبول وأنقرة ومدن أخرى ـ على مستقبل استثماراتهم في تركيا.
والنقطة الأخيرة هي أنه، على عكس الجولات السابقة، أصبحت الانتخابات المحلية محط اهتمام المحافل السياسية والإعلامية وخاصة الرأي العام منذ أشهر قليلة، حتى أصبح يشار إليها بـ”الاستفتاء” داخل تركيا. لأن الانتخابات تجاوزت إطار التنافس بين البلديات وتحولت عملياً إلى استفتاء سياسي كبير على المستوى الوطني، وهو أمر مهم حتى بالنسبة للدول الإقليمية والغربية.
لذلك، لا ينبغي النظر إلى الانتخابات البلدية في تركيا على أنها انتخابات محلية فقط. ورغم أن الانتخابات محلية، إلا أن لها عواقب استراتيجية مهمة يمكن أن تضمن بقاء حزب العدالة والتنمية في السلطة، أو على العكس من ذلك، إضعاف أردوغان وتعزيز جانب التيار المنافس.
0 تعليق