المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ رأي: تشكيل حكومتين أو دولتين واحدة فلسطينية وأخرى إسرائيلية في الأراضي المحتلة فكرة قديمة اقترحتها الأمم المتحدة لأول مرة وذلك في 29 نوفمبر (تشرين الثاني) 1957، بموجب القرار 181. كما كان إقامة دولتين فلسطين وإسرائيل أساس اتفاق أوسلو في عام 1993، والذي كان لا بد من تنفيذه في مدة زمنية لا تتعدى 5 سنوات.
حميد خوش آيند ـ خبير في الشؤون الإقليمية
وفقاً لمشروع حل الدولتين، يتم إنشاء دولة فلسطين على 18٪ من أرض فلسطين التاريخية وفي حدود عام 1967، وتضم قطاع غزة والضفة الغربية والقدس المحتلة وتكون متصلة ببعضها عبر ممر عن طريق الكيان الصهيوني.
هذه الفكرة، التي لم تطبق على أرض الواقع، تم طرحها هذه الأيام في بعض الاوساط السياسية الإقليمية، والولايات المتحدة وأوروبا، على أنها “حل” لإنهاء حرب غزة. كما أكدت الحكومة البريطانية، في الآونة الأخيرة، على تشكيل دولة فلسطينية لإدارة قطاع غزة والضفة الغربية في مشروعها المكون من خمس نقاط لإنهاء حرب غزة.
لم يكن تشكيل الدولتين على مستوى التنفيذ واقعياً وقد ثبت أنه من غير الممكن تحقيقه عملياً. يواجه هذا المشروع “عقبات وتحديات” جادة، حيث يمكن التطرق هنا الى أهمها:
أولاً: وجود المقاومة والنضال ضد الصهيونية في فلسطين المحتلة يعني “رفض” لأي مشروع حل دولتين في الأراضي المحتلة. لأن تحرير الأراضي المحتلة وتدمير الكيان الصهيوني يشكلان الفلسفة الوجودية للمقاومة الإسلامية في فلسطين المحتلة.
إذا كان المقرر هو قبول مشروع الدولتين وأضفاء الطابع الرسمي على الدولة الصهيونية في فلسطين المحتلة، لما كانت المقاومة، بالصورة التي نشهدها في فلسطين منذ عقود، قد تشكلت. لذا فإن الرضوخ لمشروع حل الدولتين يقع في “النقطة المعاكسة” لخطاب المقاومة الفلسطينية، الذي استشهد من أجله أكثر من 100 ألف شخص حتى الآن.
ثانياً: إذا تم النظر إلى القضية من منظور الاتفاقيات والوثائق المتوفرة، فإن مشروع حل الدولتين موجود اليوم من الناحية النظرية فقط، بينما من الناحية العملية فهو “مقبور” منذ سنوات عديدة. إن الظروف التي تحكم الأراضي المحتلة اليوم مختلفة تماماً عن تلك التي تم تحديدها لتشكيل الدولتين.
ويكفي أن نشير إلى أن التراجع على طول حدود عام 1967، وبناء المستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية، واستيطان حوالي 750 ألف صهيونياً في المناطق المذكورة و في وسط 3 ملايين فلسطيني، قد فند بوضوح الشروط الأساسية لتشكيل دولتين مستقلتين.
ثالثاً: من وجهة قواعد واتفاقيات القانون الدولي أيضاً، فإن حل الدولتين غير قابل للتنفيذ، حيث وفقاً لمجموع المؤشرات المحددة في القانون الدولي، فإن فلسطين منطقة محتلة و يعتبر الكيان الصهيوني أيضاً “قوة احتلال”.
بعبارة أخرى، من حيث القانون الدولي، فإسرائيل ليس لها أي وجود خارجي. في هذا الإطار، فإن تشكيل حكومة ودولة من قبل قوة احتلال في الأرض التي تعتبر محتلة وتنتمي أساساً إلى آخرين، يتعارض مع مبادئ ولوائح القانون الدولي.
رابعاً: الرأي العام في فلسطين والكيان الصهيوني يعارضان أيضاً مشروع الدولتين. على سبيل المثال، وفقاً لاستطلاع رأي أجرته مؤسسة “غالوب” في سبتمبر (ايلول) 2023، فإن 24٪ فقط من الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية يؤيدون حل الدولتين، حيث تشير الى انخفاض بنسبة أكثر من 60 ٪ مقارنة في العام 2012.
كما أظهر آخر استطلاع رأي لـ “مركز بيو للأبحاث” أن 35٪ فقط من الصهاينة يعتقدون بـ “إمكانية العثور على طريقة للتعايش السلمي بين إسرائيل ودولة فلسطينية مستقلة”، وهذه النسبة تشير الى انخفاض حوالي 15٪ مقارنة في العام 2013.
خامساً: إذا اعتبرنا “ميزان القوى” هو أحد شروط تنفيذ مشروع حل الدولتين في الأراضي المحتلة، فقد أصبحت المقاومة الفلسطينية اليوم قوية جداً من حيث الكمية والنوعية بحيث جعلت احتمال تنفيذ مشروع حل الدولتين يتدنى الى الصفر. بعبارة أخرى، من منظور نهج القوة والواقعية، وكذلك منطق “الربح والتكلفة”، فإن تكلفة الرضوخ وقبول مشروع حل الدولتين للفلسطينيين أكبر بكثير من تكلفة المقاومة والسعي لتحرير الأراضي المحتلة.
سادساً: كما يواجه مشروع حل الدولتين من ناحية السيادة في الكيان الصهيوني، معارضة قوية. فحكومة الكيان الصهيوني اليمينية المتطرفة، وخاصة نتنياهو والعناصر المتحالفة معه، تعارض بشدة إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وقد عبّر نتنياهو مراراً عن معارضته للسيادة الفلسطينية، قائلاً إنه لن يتنازل عن السيطرة الأمنية الكاملة للكيان في غرب الأردن ولن يرضخ أمام تشكيل دولة فلسطينية. ومع ذلك، لا أحد في الولايات المتحدة، باستثناء بايدن والديمقراطيين، يوافق على تشكيل دولتين. والجالب في الأمر أنه إذا خسر بايدن الانتخابات المقبلة وتولت شخصية مثل ترامب دفة الحكم، فسيتم “نسيان”حل الدولتين في الولايات المتحدة.
وفي الختام، ينبغي التأكيد على أن”عملية طوفان الأقصى” والتطورات التي تبعتها قد فندت إلى حد كبير مشروع حل الدولتين. فلو كان مشروع حل الدولتين في فلسطين المحتلة قابلاً للتنفيذ، لما حدثت عملية طوفان الأقصى على الإطلاق.
لذا، فإن الطرح المكرر لهذه القضية من قبل الولايات المتحدة، وفي ظروف يعاني فيها الكيان الصهيوني من اوضاع متوترة للغاية ويواجه وجوده تهديدات استراتيجية غير مسبوقة، ليس سوى “خداع” الرأي العام ومحاولة لإنقاذ الكيان الصهيوني من الأزمات الخطيرة الحالية.
0 تعليق