المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ رأي: شهد قطاع غزة خلال الأيام الماضية هدنة مؤقتة كان الهدف منها تبادل الأسرى الصهاينة والفلسطينيين وإيصال مساعدات محدودة لغزة؛ هدنة أقِرّت ليس احتراماً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة أو قرار مجلس الأمن، بل نتيجة مفاوضات سياسية ووساطة قطرية وضوء أخضر أمريكي.
الدكتور محمد مهدي مظاهري ـ أستاذ جامعي
إن أسباب إخفاق الأمم المتحدة ومنظماتها المختلفة، وكذلك العالمين العربي والإسلامي، رغم ما عقدها من اجتماعات مختلفة، في القيام بأي تحرك لإنهاء الكارثة الإنسانية التي سببها الكيان الصهيوني في غزة، موضوع مهم جرت مناقشته إلى حد ما في المقال السابق؛ مع ذلك هناك مجال للحقوقيين والمحللين السياسيين لتناول الأمر بشكل أكبر؛ إلا أن هناك قضية مهمة أخرى يمكن القول إنه قلما نوقشت بشكل مباشر وهي دور الولايات المتحدة في استمرار أو وقف الحرب في غزة؛ حيث أن الولايات المتحدة، التي تُعتبر الحليف والداعم الأهم للكيان الصهيوني، تملك – على عكس القوى الأخرى – أدوات مختلفة لإجبار الكيان الصهيوني على إنهاء الحرب.
بإمكان الولايات المتحدة أن تهدد الكيان الصهيوني بقطع المساعدات العسكرية، أو التوقف عن دعمه والدفاع عنه في الأمم المتحدة، أو وقف جهودها طويلة الأمد لتطبيع العلاقات بين هذا الكيان والدول العربية؛ غير أن إدارة جو بايدن لا تنتهج مثل هذه السياسة تجاه الكيان الصهيوني. في الحقيقة، لم يقتصر الأمر على امتناع الولايات المتحدة عن توظيف الأدوات المتاحة لديها، بل هي تستخدم منذ أكثر من شهر حق النقض (الفيتو) ضد أي قرار في مجلس الأمن يدعو لوقف الحرب وإرساء وقف لإطلاق النار. أما في مواجهة الاحتجاجات الداخلية والدولية ضد المجازر الوحشية بحق شعب غزة، فتلتزم الصمت تارة، وترفع شعارات فارغة حول ضرورة حماية حياة المدنيين تارة أخرى.
لكن السؤال الذي يبرز هو: ما سبب تبني الولايات المتحدة هذا التوجه وما هي أهداف الإدارة الديمقراطية الحالية في غزة ومنطقة غرب آسيا؟ يبدو أن إدارة بايدن تضع في اعتبارها أربعة أهداف تشكل مواقفها من الحرب بين حماس والكيان الصهيوني:
– دعم صريح ومطلق للكيان الصهيوني من أجل كسب رضا اليهود ذوي النفوذ واللوبي الصهيوني.
– منع امتداد حرب غزة إلى دول أخرى في المنطقة.
– إطلاق سراح الأسرى الموجودين بيد حماس.
– المساعدة في تقليل الخسائر في صفوف المدنيين من أجل الحفاظ على مصداقية وسمعة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني.
لذا، من الواضح أن وقف الحرب بين حماس والكيان الصهيوني ليس من أهداف الولايات المتحدة؛ والسبب الرئيسي هو أن الولايات المتحدة تتفق مع الكيان الصهيوني في هدفه المعلن وهو تدمير حماس، حتى في ظل عدم اليقين بشأن مستقبل العلاقات بين فلسطين والكيان الصهيوني. قد صنفت الولايات المتحدة حماس منظمة إرهابية وهي، بحسب رأيها، إحدى القوى التي تعمل على زعزعة الاستقرار الإقليمي وتهدد المصالح الاقتصادية والأمنية للولايات المتحدة. كما أن عدم اعتراف الجماعة المسلحة بالكيان الصهيوني يجعلها العقبة الرئيسية أمام حل الدولتين. من ناحية أخرى، تتمتع حماس بدعم إيران ولذلك، فإن القضاء على هذه الحركة لا يساعد فقط في إزالة تهديد ضد مصالح الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، بل يؤدي كذلك إلى إضعاف موقع إيران في المنطقة.
نتيجة لهذا النهج، فإن إدارة بايدن، ولأهداف إنسانية على ما يبدو، تضغط على الكيان الصهيوني لقبول وقف مؤقت للهجمات على غزة وتوخي قدر أكبر من الحذر في السعي إلى تحقيق أهدافه، لكنها لا تدعم وقف إطلاق نار طويل الأمد. من وجهة نظر السلطات الأمريكية، فإن وقف إطلاق النار الشامل والوقف الكامل للمواجهات في جميع أنحاء غزة هو في صالح حماس، في حين أن تدمير حماس أو على الأقل إضعافها وإذلالها على مختلف المستويات يمكن أن يضمن مصالح الولايات المتحدة والكيان الصهيوني.
رغم ذلك، تواجه إدارة بايدن ضغوطاً من أعضاء حزبها، الديمقراطيين، والمسؤولين العرب وحتى بعض الدبلوماسيين الأميركيين للعمل على إنهاء هجمات الكيان الصهيوني ووضع حد لقتل النساء والأطفال العزل عشوائياً والهجمات على المناطق المأهولة بالسكان. كما أنها ومن أجل نجاح الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية عام 2024، تحتاج إلى استقطاب الرأي العام المحلي الأمريكي وإظهار ايماءات بطولية على الساحة الدولية؛ إذن، ما هي الأسباب التي تجعل الولايات المتحدة تمتنع عن ممارسة الضغط على الكيان الصهيوني للقبول بوقف دائم لإطلاق النار في الحرب مع حماس؟ الجواب واضح إلى حد بعيد؛ عصيان حكومة نتنياهو اليمينية ورفضه لمطالب العالم وحتى حلفائه بوقف الحرب!
بناء على ما ورد، فالحقيقة هي أن سنوات من إعطاء شيكات على البياض للكيان الصهيوني والسكوت عن السياسات العنصرية واللاإنسانية التي ينتهجها تجاه الشعب الفلسطيني، خاصة في عهد حكومة نتنياهو، جعلته لا يستجيب على الأرجح لمطالب البيت الأبيض حتى لو طالب الأخير بوقف الحرب لأسباب سياسية داخلية؛ فضلاً عن ذلك، رفضت حكومة الكيان الصهيوني الحالية الانصياع للمطالب الأمريكية، بما في ذلك وقف بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، حتى في ظل ظروف أكثر طبيعية.
وعليه، فإن مجموعة هذه الظروف، أي المصالح المشتركة للولايات المتحدة والكيان الصهيوني في تدمير حماس أو إضعافها بشكل كامل وكذلك عصيان حكومة نتنياهو عن القبول بوقف الحرب قبل تحقيق أهدافها، كانت تؤشر إلى أن الهدنة الأخيرة في غزة لن تستمر طويلاً.
رغم ذلك، من شأن حدوث بعض التطورات أن يغير مسار الحرب؛ على سبيل المثال:
– استمرار الهجمات المتفرقة من قبل فصائل المقاومة بحيث تهدد بشكل جدي ومستمر أمن واستقرار الكيان الصهيوني وتتسبب في استياء اجتماعي بين سكان الأراضي المحتلة وتفاقم تكاليف الكيان الإسرائيلي، بالتزامن مع تجنب وقوع حرب إقليمية شاملة.
– تحول سياسي في الولايات المتحدة نتيجة تبني توجهات انتخابية واستخدام واشنطن أدواتها للضغط على الكيان الصهيوني لإنهاء الحرب.
– تغيير الدول العربية والإسلامية نهجها، ووضع حد لتشرذمها وتقاعسها، وتبنيها خطوات مشتركة لمعاقبة وعزل الكيان الصهيوني في المنطقة في حال اصراره على مواصلة الحرب.
0 تعليق