المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ حوار: ذكر خبير في القضايا الأمريكية، أن أولوية الولايات المتحدة هي احتواء روسيا وإن كان ثمنها دمار الشعب الأوكراني أو إضعاف أوروبا من أجل إجبار موسكو في النهاية على تقديم تنازلات لكييف على طاولة المفاوضات، وأكد أن الحرب الرئيسية هي من أجل البقاء وأمريكا مستعدة لدفع تكاليف باهظة مقابل ذلك، ولكن في الواقع فإن التكلفة الرئيسية تدفعها أوروبا، والشعوب الأوروبية، الأوكرانية وغير الأوكرانية.
أشار أميرعلي أبوالفتح، في حديث مع موقع المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية، إلى موافقة بايدن على إرسال صواريخ بعيدة المدى إلى أوكرانيا، مصرحاً: تحاول أمريكا بالدرجة الأولى منع أوكرانيا من خسارة هذه الحرب. ولا تستطيع أوكرانيا وحدها أن تقاوم روسيا وتصمد أمامها، كما صرح زيلينسكي بوضوح أنه إذا لم تكن هناك مساعدة أمريكية، فسوف نفشل.
واعتبر استمرار الحرب لإضعاف قدرات روسيا الوطنية بحيث تجنب خطر نشوب حرب اخرى ضد جيرانها؛ أيضاً من أهداف واشنطن الأخرى وتابع قائلاً: تدير الولايات المتحدة حرب مسيطر عليها إزاء روسيا، بشكل لا تؤدي إلى حرب نووية دولية شاملة. تزود واشنطن بصورة تدريجية ومتقنة أوكرانيا بالمزيد من الأسلحة لتمنع هزيمة أوكرانيا وخلق التوازن من جهة وعدم تورطها في الحرب بصورة مباشرة من جهة أخرى.
أشار هذا المحلل للقضايا الأمريكة إلى أن الأسلحة التي تقدمها أمريكا لأوكرانيا اكثر تأثيراً من السابق لكنها ليست بالمستوى التي تصيب عمق الأراضي الروسية بضربات قاتلة، وقال: تستطيع هذه المنظومة الصاروخية للجيش الأمريكي المسماة ATACMS التي يبلغ مداها بين 70 إلى أكثر من 300 كيلومتراً، أن تصل الأراضي الروسية وأن تشن غارات من منطلق المناطق الواقعة تحت سيطرة الجيش الأوكراني ومن خلف الجبهة الشرقية والجنوبية، ضد روسيا، لكن يبدو أن أمريكا أخذت من الأوكرانيين وعداً كي لا يهاجموا بهذه الأسلحة أهدافاً داخل الأراضي الروسية.
وأضاف ابوالفتح: ليس من الواضح فيما إذا يتم استخدام هذه الصواريخ في المستقبل لمهاجمة روسيا أم لا. حالياً يتم استخدام المسيّرات الأمريكية لكن على نحو لا ينتهي إلى هجوم واسع وشامل نحو الأراضي الروسية، هذه المنظومات بسبب مداها البالغ 300 كيلومتراً لا تتمتع بإمكانية التأثير الحاسم في الحرب.
وفي معرض كلامه عن أمل الولايات المتحدة باستمرار هذا المسار أن تفرض على روسيا تقديم بعض التنازلات لأوكرانيا، أضاف: تسلّمت أوكرانيا القنابل العنقودية والأسلحة المزودة باليورانيوم المنضب من واشنطن وتتوقع أن تستلم المزيد من الصواريخ والدبابات وطائرات اف 16. نحن نشهد بعد مرور أي مرحلة، تقديم اسحلة أكثر حسماً وعدداً لكن الغرب يسعى أن يدير الظروف بحيث لا يدخل حرباً نوويةً.
وأشار هذا الخبير في القضايا الأمريكية إلى الإنذارات التي أطلقها بعض المسؤولين الأوروبيين فيما يخص تداعيات هزيمة روسيا وإذلالها وقال: مارك ميلي، رئيس الأركان المشتركة الأميركية وهو الجنرال الأمريكي الأعلى رتبةً: ذكر أن هدف الولايات المتحدة حماية أوكرانيا ليتم إضعاف روسيا بحيث لا نشهد بعدها هجوماً آخر من قبل هذه الدولة. تريد الولايات المتحدة وضع روسيا في مرحلة العزلة السياسية والضعف الاقتصادي والعسكري.
أوضح ابوالفتح أن أمريكا لم تكن ناجحة في تحقيق هذا الهدف؛ لأن روسيا قوة عسكرية كبيرة وقوة عظمى في الموارد الطبيعية والزراعية وتابع قائلاً: تتمتع روسية بمكانة جيدة في الاقتصاد العالمي وهي الدولة الأولى في انتاج الغاز والحبوب والثانية في استخراج النفط وتمتلك الأسمدة الكيماوية والمصادر المعدنية والطبيعة وهذا ما لم يسمح بإمكان تأثير العقوبات عليها. في هذا الخضم تتضرر أوروبا بسبب بدء الحرب واطالة مداها. بالرغم من أن الولايات المتحدة لا ترغب بإضعاف حلفائها، لكن في هذا الملف، وفي الظروف الحالية، هذا المبدأ ليس من أولوياتها.
في إشارته إلى تصريحات ومخاوف المسؤولين الأوروبيين بأنه يجب أن تحصل أوكرانيا في النهاية من الغرب على ضمانات أمنية لكن عليها أن تبقى محايدة وجسراً بين عالمي روسيا وأوروبا، وتحصد الولايات المتحدة من الحرب الأرباح من مبيعات السلاح وعرض الغاز الطبيعي بأسعار أعلى إلى جانب إضعاف أوروبا وأكد قائلاً: تعتقد واشنطن أنه إذا فازت روسيا في هذه الحرب، سوف يشهد النظام الديموقراطي الليبرالي باعتباره نظم الغرب بعد الحرب العالمية الثانية، تغييراً جذرياً ويصبح هذا التهديد أكثر جديةً باتحاد روسيا والصين.
وتابع أبوالفتح قائلاً: أولوية الولايات المتحدة هي احتواء روسيا وخلع أنياب هذا الدب، حتى لو كان ذلك على حساب تدمير الشعب الأوكراني أو إضعاف أوروبا. في الواقع، الحرب الرئيسية هي من أجل البقاء والأمريكيون على استعداد لدفع تكاليف باهظة مقابل ذلك، صحيح أنهم أنفقوا عليها مائة مليار دولار، لكن في الحقيقة التكلفة الرئيسية هي من أوروبا، وشعوب أوروبا، الأوكرانيين وغير الأوكرانيين الذين يُقتلون.
وأشار هذا المحلل للقضايا الأمريكية، الى أن الولايات المتحدة أقل تضرراً بسبب بعدها عن ساحة المعركة واكتفاءها الذاتي النسبي في العديد من المجالات المهمة، وأضاف أن استمرار هذه الحرب يعتمد على قوة الجانبين. لن تتضرر الولايات المتحدة من استمرارها، كما أظهرت روسيا أنها لم تتضرر من العقوبات بالقدر الذي توقعه الغرب. الهجمات المضادة التي قام بها الأوكرانيون لم تسفر عن النتيجة المرجوة، والأسلحة التي قدموها لأوكرانيا، رغم أنهم تمكنوا من الحفاظ على مواقع الأوكرانيين ومنع تقدم كبير للروس، إلا أنها لن تدحر الجيش الروسي. في هذه الحالة، هناك شكوك حول استعادة الأراضي من روسيا.
وقال في الختام: هجمات أوكرانيا المضادة بدأت في الربيع، وبينما نحن ندخل الخريف، لم تكن لها نتيجة جيدة. ربما في ربيع عام 2024، سيكون هناك هجوم مضاد وسيكون الجيش الأوكراني مجهزاً بما يكفي ليتمكن من التقدم بحلول ذلك الوقت، لكن الروس بالتأكيد سيعززون مواقعهم في الموقع الدفاعي. ولهذا السبب، لا يوجد حالياً أي رؤية لانتهاء الحرب. وقال أحد مستشاري زيلينسكي السابقين إن هذه الحرب ستستمر لنحو 10 سنوات حتى نهاية عام 2034. لكن على أية حال، هذه ليست الحرب التي ستنتهي في وقت قريب.
0 تعليق