المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ رأي: عُقد الاجتماع الأخير لوزيري الخارجية التركي واليوناني في أنقرة في أجواء ودية متأثرة بالمساعدات اليونانية لتركيا في أعقاب الزلزالين القاتلين في تركيا، أعقبه تعازي تركيا لليونان في حادث قطار مميت في وقت سابق من هذا العام. وجاء هذا الإجتماع بعد لقاء الرئيس التركي أردوغان ورئيس الوزراء اليوناني المحافظ ميتسوتاكيس على هامش اجتماع الناتو في "فيلنيوس" عاصمة ليتوانيا في يوليو/ تموز الماضي. في المفاوضات الأخيرة، ناقش وزيرا خارجية البلدين النزاعات القديمة مثل قضية قبرص، والعملية المتوقفة لعضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، والهجرة غير الشرعية، وإطار تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري، وتطوير التعاون في مجالات مثل النقل والتعاون البحري والتجارة والتكنولوجيا، وتحدثا عن حماية البيئة ومكافحة الكوارث الطبيعية.
محمود فاضلي ـ محلل شؤون دولية
يقال إن البلدين اتفقا على إطلاق مبادرات جديدة لحل الخلافات بينهما، وأكدا على مواصلة الحوار دون أي شروط مسبقة وتعزيز العلاقات الثنائية على أساس المصالح المشتركة في كافة المجالات.
وقد صرح وزير الخارجية التركي “فيدان”: “يمكن للبلدين حل مشاكلهما على أساس القوانين الدولية واحترام الحقوق والمصالح المتبادلة. دخلت أنقرة حقبة “جديدة وإيجابية لحل المشاكل” في العلاقات مع أثينا. في المفاوضات مع نظيري اليوناني، ناقشنا الخلافات الثنائية في بحر إيجه وشرق البحر الأبيض المتوسط. لدينا خلافات مع بعضنا البعض بشأن بحر إيجه، لكننا اتفقنا على الخروج بمبادرات عملية جديدة لحل الخلافات. وكنا نطرح هذه القضايا في اجتماعات التشاور. ركزنا على استئناف هذه العملية في المستقبل القريب. إن استعادة قنوات الاتصال بين تركيا واليونان يعد تطوراً إيجابياً، وأنا أقدر الأمة والحكومة اليونانيتين لإرسال المساعدات الإنسانية إلى ضحايا الزلزال الذي ضرب تركيا في فبراير/ شباط الماضي”.
وتابع وزير الخارجية التركي: “قضية طالبي اللجوء ليست قضية نتنافس عليها، بل علينا أن نتعاون في هذا الصدد. لا نريد أن نرى المزيد من الضحايا في بحر إيجه.” وأعرب وزير الخارجية التركي عن تقديره للمساعدات التي أرسلتها اليونان بعد زلزال 6 فبراير/ شباط. ورفض الجانب التركي استخدام مصطلح “الأقلية التركية” الذي تستخدمه عادة السلطات التركية لوصف الأقلية المسلمة من أصل تركي في منطقة “تراقيا”، وطالب بحماية حقوقهم.
وأعلن وزير الخارجية اليوناني “جيرابيتريتيس”، الذي وصف مسؤوليته ومسؤولية نظيره بـ”الفرصة التاريخية”، أنه “في مفاوضاتي مع نظيري التركي، استعرضنا خارطة طريق على 3 مراحل، بينها المفاوضات السياسية وبناء الثقة. ومن المقرر أن تعقد تركيا واليونان اجتماعاً رفيع المستوى للجنة التعاون بينهما قبل نهاية عام 2023، وهو أول اجتماع لهذه اللجنة خلال السنوات السبع الماضية. نحن لسنا متوهمين. ونحن نعلم أن الفجوات التي نشأت مع مرور الوقت والمعاناة الموروثة من الماضي لا يمكن محوها دفعة واحدة. ولكن هناك رغبة وإرادة للاستثمار في الصدق والتفاهم المتبادل لإيجاد أرضية مشتركة وكسر معتقدات الماضي الثابتة. إذا كان هناك اختلاف في الرأي حول قضية ما، على الأقل دعونا لا نسمح لها بالتسبب في أزمة”. وأعلن وزير الخارجية اليوناني دعم أثينا لعملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي بشرط تطبيق المعايير المحددة، وذكر أن التنفيذ الصارم والكامل للقانون الدولي شرط أساسي لتحقيق تقدم في المحادثات.
ومما لا شك فيه أن الانطلاق الرسمي للمحادثات السياسية في 17 أكتوبر/ تشرين الأول، كإطار لمناقشة الخلافات الصعبة بين اليونان وتركيا، هو إحدى النتائج المهمة لاجتماع وزيري خارجية البلدين. وفي هذا الاجتماع، ستكون قضايا مثل الاستثمار والتجارة والسياحة والزراعة والملاحة على جدول أعمال البلدين.
ويعتبر حل الخلافات الجوهرية بين البلدين، بما في ذلك اتفاق الطرفين على إحالة قضية ترسيم حدود الجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة أمراً صعباً، ومن الضروري اتخاذ خطوات موازية للحفاظ على الأجواء الإيجابية في العلاقات بين البلدين وبناء الثقة. في المفاوضات الأخيرة، تم وضع خارطة طريق للأشهر المتبقية حتى نهاية هذا العام. وقد شدد الطرفان خلال هذا اللقاء على تعليق الأنشطة العسكرية للبلدين وإجراء مناورات كبيرة في بحر إيجه وشرق المتوسط، والتواصل الفوري بين وزيري خارجية البلدين في حالة حدوث أزمة في العلاقات مع مراقبة مباشرة للاتصالات السياسية الثنائية، وعقد اجتماع لجنة التعاون العليا بين اليونان وتركيا نهاية العام الحالي في مدينة سالونيك اليونانية بعد سبع سنوات، ولقاء قادة البلدين على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وبدء الحوارات السياسية على مستوى نائبي وزيري الخارجية، وإجراء وتعزيز الحوار على المستوى العسكري في أقرب وقت ممكن بشأن تدابير بناء الثقة.
تظهر كلمات الوزيرين أن الطرفين قررا عدم إدراج قضية قبرص في المفاوضات الثنائية في الوقت الحالي. إن قرار الجانبين بشطب قضية قبرص من جدول الأعمال الأساسي، يوضح من ناحية المشاكل الفعلية المتعلقة بهذه القضية ويكشف من ناحية أخرى أن أثينا وأنقرة لا تريدان إثقال جدول الأعمال بمشكلة كبيرة لا يمكن حلها في الوضع الحالي على الأقل. تأتي الإزاحة المؤقتة لقضية قبرص من جدول أعمال مفاوضات الجانبين، في حين أن التصريحات الأخيرة لجاك سترو، وزير الخارجية البريطاني السابق، الذي قال إنه كان على الاتحاد الأوروبي أن يؤجل عضوية القسم اليوناني من قبرص في الاتحاد بسبب معارضة جنوب قبرص لخطة كوفي عنان لحل القضية القبرصية في عام 2004، تدل على أن خلافات الأطراف المعنية أظهرت آثارها حتى بين الأوروبيين أنفسهم. من وجهة نظر جاك سترو، إذا فشلت مرة أخرى المفاوضات الخاصة بالتوصل إلى دستور جديد ووحدة قبرص، فيتعين على المجتمع الدولي أن يركز على محاولة حل المشكلة القبرصية على أساس خطة الدولتين.
وعقب اجتماع وزيري خارجية تركيا واليونان، رحبت ألمانيا بالخطوات الأخيرة للتقارب بين تركيا واليونان، وأعلنت استعدادها للتوسط بهدف تحسين العلاقات بين البلدين. في عهد کل من أنجيلا ميركل، المستشارة السابقة، وأولاف شولتز، المستشار الحالي، توسطت ألمانيا عدة مرات لتخفيف التوتر بين أثينا وأنقرة.
كل من تركيا واليونان عضو في حلف الناتو، وهما في نزاع منذ سنوات حول الحدود البحرية وحقوق التنقيب عن الطاقة في بحر إيجه وشرق البحر الأبيض المتوسط؛ لكن بعد الزلزال الكارثي الذي ضرب تركيا، تغير الوضع الميداني إلى حد ما وتراجعت حدة التوترات بين الجانبين بشكل ملحوظ. لكن لا شك في أنه بغض النظر عن توجهاته السياسية، لن يدعم أي طرف في اليونان منطق “تقاسم موارد بحر إيجه”.
0 تعليق