المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ حوار: رأى خبير في الشؤون الدولية أن اجتماع جدة بشأن الأزمة الأوكرانية خطوة في سياق جهود الرياض لإظهار نهجها الدولي المستقل قدر الإمكان، مؤكداً: "تحاول السعودية عقد مثل هذه الاجتماعات بغض النظر عما إذا كانت المحادثات ستقود لنتيجة أم لا، لتوفير أرضيات لتفاعل الأطراف المختلفة من أجل النجاح في الحفاظ على قنوات التعامل والتواصل مع الجهات الفاعلة ذات الصلة من جهة، وتعزيز فرصها لما يسمى بالوساطة بشكل مستقل من جهة أخرى".
في حوار مع موقع المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية، اعتبر هرمز جعفري عقد اجتماع جدة بشأن السلام بين روسيا وأوكرانيا الذي حضره ممثلون عن 42 دولة نجاحاً للدبلوماسية السعودية، موضحاً: “حتى قبل عام، كان يُنظَر إلى محمد بن سلمان بصفته المسؤول عن قتل جمال خاشقجي البشع، وكان مرفوضاً في المجتمع الدولي وقلما كان يوجد أشخاص يتعاملون معه؛ لكن في الوضع الحالي، تمكن من أن يقدم نفسه كوسيط وصاحب مبادرة سلام بين روسيا كقوة محورية في الشرق وأوكرانيا التي تحظى بدعم قوي من الناتو بقيادة الولايات المتحدة ويستضيف ممثلي 42 دولة في هذا السياق”.
وقال: “هذا تطور كبير من حيث صنع مصداقية لمحمد بن سلمان باعتباره ولي العهد الذي سيصبح ملكاً للسعودية. بالإضافة إلى ذلك، فقد استطاع أن يقدم نفسه على المستويين الإقليمي والدولي كمؤيد ذي مصداقية للسلام في أزمة دولية خطيرة أي الأزمة الأوكرانية. فبعد الاتفاق مع إيران وارتياح باله من اليمن، استطاع أن يجمع ممثلي أكثر من 40 دولة ذات وجهات نظر مختلفة، مما يعتبر نجاحاً كبيراً السعودية”.
وذكر الخبير في الشؤون الدولية أنه منذ رئاسة أوباما كانت السعودية تحاول إظهار نهج أكثر استقلالية من خلال إصلاح سياسة التبعية للولايات المتحدة وكثفت هذا التوجه في السنوات الأخيرة، مضيفاً: “محمد بن سلمان، على وجه الخصوص، بذل المزيد من الجهود في هذا الاتجاه لخلق توازن في علاقاته مع الشرق والغرب. كما ظهر ذلك في عدم تراجع الرياض رغم الضغوط الأمريكية عن سياستها في التعامل مع أوبك بلس ومواكبة الرياض بشكل مباشر وغير مباشر مع السياسات الروسية بهدف الحفاظ على أسعار النفط العالمية”.
وأشار جعفري إلى أن السعودية حاولت الحفاظ على علاقاتها مع روسيا، إلى جانب المساعدات المالية التي قدمتها لأوكرانيا، مردفاً: “على الرغم من أن الروس لم يكونوا حاضرين في اجتماع جدة، إلا أن ما بدا أكثر بروزاً هو وجود دول لم تتبع في الأساس التفسير الغربي لأزمة أوكرانيا. كان حضور البرازيل وجنوب إفريقيا والهند والصين في هذا الاجتماع ذا أهمية خاصة؛ الصين رغم أنها لم تحضر اجتماع كوبنهاغن بشأن الأزمة الأوكرانية، قررت إيفاد ممثل إلى الاجتماع الذي تستضيفه السعودية”.
وبيّن الخبير في القضايا الدولية أن الإعلان عن موقف هذه الدول بشأن ضرورة الحفاظ على وحدة أراضي أوكرانيا من خلال التأكيد على ميثاق الأمم المتحدة كان إنجازاً مهماً بالنسبة لكييف وجرى تقييم الاجتماع بأنه كان في صالح أوكرانيا، مضيفاً: “عدم إصدار بيان ختامي في اجتماع جدة مؤشر على وجود مجموعة واسعة من المصالح للدول في علاقاتها مع روسيا وأوكرانيا. لدى 42 دولة وجهات نظر مختلفة ولا يمكن ببساطة وضع موقف الدول الأفريقية المعتمدة على السياسات الروسية فيما يتعلق بتصدير الحبوب بجانب النهج الأمريكي تجاه أزمة أوكرانيا. بكين أيضاً لها اعتباراتها الخاصة وهي في الأساس أحد الفاعلين الرئيسيين الذين استفادوا من الحرب في أوكرانيا. لذلك فإن وجود هذا الطيف الواسع من المواقف حال دون إمكانية إصدار بيان مشترك”.
ووصف المحلل للقضايا الدولية اجتماع جدة بأنه خطوة في سياق جهود الرياض لإظهار نهجها الدولي المستقل قدر الإمكان قائلاً: “في اجتماع جدة، حضرت دول لم تواكب الولايات المتحدة بشكل ملحوظ في إدانة ومعاقبة روسيا، مما حال دون تحقيق نتائج مهمة بالنسبة لأوكرانيا”.
وتابع: “بالتأكيد لا يمكن حل أزمة أوكرانيا بدون وجود روسيا. تحاول روسيا تغيير الحدود الدولية المعترف بها من خلال احتلال عسكري، ولذلك فإن الاجتماعات التي تُعقد تحت عنوان السلام لن تؤدي إلى نتيجة دون وجود هذا البلد، وهذه هي نقطة الضعف الأهم لهذا الاجتماع”.
وإذ أكد جعفري إلى أن السعودية تُطلع الروس على مسار الاجتماع والمحادثات التي جرت فيه، قال عن موقف روسيا الذي اعتبر محادثات جدة “محاولات محكومة عليها بالفشل من قبل الغرب”: “السعودية حليف للغرب أكثر من كونها حليفاً لروسيا، ولا تزال علاقاتها مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية أوثق، لكنها تحاول الاحتفاظ بالطرفين بجانبها والاستفادة من المنافسة بين الروس والأمريكيين”.
ولفت الخبير في القضايا الدولية إلى تصريحات المسؤولين الأوكرانيين بأن خطتهم للسلام المؤلفة من 10 نقاط تلقت دعماً أكبر في جدة مقارنة بالدعم الذي تلقته في كوبنهاغن، وكذلك تصريحات المسؤولين الروس بأن خطة السلام الأوكرانية في جدة منيت بفشل ذريع، قائلاً: “اجتماع جدة لن يؤدي إلى السلام في أوكرانيا لكن بشكل عام، تشير التحليلات إلى أن الاجتماع كان أكثر انسجاماً مع دعم مواقف أوكرانيا؛ فروسيا لم تحضر الاجتماع من الأساس لأنها لم تكن تراه في مصلحتها. مع ذلك، كان موقف السعودية موقفاً وسيطاً”.
واختتم جعفري قائلاً: “ما يبدو أكثر أهمية بشكل عام هو طريقة تصرف السعودية في هذا الصدد. إحدى سياسات السعودية هي أنه بغض النظر عما إذا كانت المحادثات ستؤدي إلى نتيجة أم لا، فإنها من خلال عقد مثل هذه الاجتماعات توفر أرضيات لتفاعل المجموعات المختلفة من أجل النجاح في الحفاظ على قنوات التعامل والتواصل مع الجهات الفاعلة ذات الصلة من جهة، وتعزيز فرصها في ما يسمى بالوساطة من جهة أخرى”.
0 تعليق