المجلس الإستراتیجي أونلاین ـ رأي: خلال الزیارة الأخیرة التي قام بها الرئیس الترکي إلی المملكة العربية السعودیة، وقطر، والإمارات العربية المتحدة، تم توقیع عدة إتفاقیات بین الدول الثلاث في الخلیج الفارسي وترکیا. وقد حظي الجانب الإقتصادي لهذه الزیارة باهتمام أكبر في وسائل الإعلام، والهدف الرئیسي لهذه الزيارة من وجهة نظر أنقرة هو استقطاب استثمار الدول العربية المطلة على الخلیج الفارسي.
محمود فاضلي ـ محلل في القضایا الدولیة
تعتزم ترکیا توسیع علاقاتها مع الدول الغنیة في جنوب الخلیج الفارسي وذلك من أجل تقلیل المشاكل المالية الناجمة عن زيادة الديون الخارجية والتي تسببت في انخفاض قیمة اللیرة وتراجع مکانة هذا البلد في التصنيف العالمي لمخاطر الاستثمار. الاهتمام المتزاید لدول الخلیج الفارسي بالإستثمار في مختلف القطاعات، مهم جداً لترکیا التي تسعی لزیادة صادراتها للحد من مشاکلها الإقتصادیة.
وترکیا مهتمة جداً بجذب الودائع المالیة من دول الخلیج الفارسي إلی البنوک الترکية وذلك للتغلب علی الوضع الحالي والانخفاض المتواصل للیرة في الأشهر الأخيرة. كما تحاول الحصول علی حصة أکبر من أسواق دول المنطقة، لعلمها بزیادة العائدات النفطية لدول الخلیج الفارسي بسبب قفزة اسعار النفط وزیادة أصول الصنادیق الوطنیة.
وتعتبر ترکیا الخلیج الفارسي احد مراکز تنافس القوی العالمیة، لذلک تحاول توسیع مدی حضورها الإقتصادي والسیاسي في هذه المنطقة. وزیارة “أردوغان” لدول الخلیج الفارسي بعد الإنتخابات التركية تظهر أن زیادة التعاون السیاسي والإقتصادي لترکیا مع دول الخلیج الفارسي هي على جدول أعمال السیاسة الخارجیة لهذا البلد بشکل جاد.
مع زیارة أردوغان للسعودية، دخلت العلاقات بين أنقرة والرياض مرحلة جديدة بعد مرور فترة متوترة، حيث توترت العلاقات بينهما بشدة بعد مقتل الصحفي السعودي “جمال خاشقجي” عام 2018 داخل مبنى القنصلية السعودية في إسطنبول. أثارت ترکیا بمتابعتها الجادة للقضية في ذلک الوقت، وبدء التحقيقات وإبلاغ وسائل الأعلام الدولية بشأن تفاصيل عملية القتل، غضب حكام السعودیة. لكن، مع تعديل وتناوب مواقف أردوغان تجاه ولي العهد السعودي، سافر أردوغان إلی السعودية في أبريل 2022 في إطار سياساته الإقليمية. كما قام “بن سلمان” بزيارة رسمية إلى تركيا في یونیو الماضي و في شهر مارس، أودعت السعودية مبلغ 5 مليارات دولار لدی البنک المركزي في تركيا.
تركيا والسعودية اللتان تعتبران من أعضاء مجموعة العشرين، تحاولان لعب “دور متوازن ومؤثر في الحفاظ علی السلام والأمن الدوليين”. يعتبر هذا البلدان تحسین العلاقات الثنائية والتفاهم المشترك للقضايا ذات الصلة بما يتماشى مع مصالح الدول الإسلامية، و يعتبران الحوار بین قادة البلدین علامة واضحة لتعزيز العلاقات بین البلدین. تدعي كل من الرياض وأنقرة أنهما ركائز الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط كقوى إقليمية وفاعلين دولیين.
حالیاً تنشط 1140 شرکة سعودیة في ترکیا، و 390 شركة تركية موجودة في السعودیة، تنشط بشکل كبير في مجال المواد الغذائیة، ومستحضرات التجميل والمقاولات، وبلغ حجم صادرات ترکیا إلی السعودية خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي 781 ملیون دولار. و زاد حجم التبادل بین البلدین من 4.5 ملیار في عام 2017 إلی 6.1 ملیار دولار في عام 2022. و في العام الماضي تم تصدیر سلع بقيمة 1.05 ملیار دولار من ترکیا إلی السعودیة ، والتي بلغت 250 مليون دولار في عام 2021 . مما یدل علی القفزة في العلاقات الإقتصادیة خلال العامین الماضیین. وتخطط ترکیا لزیادة حجم التبادل التجاري مع السعودیة إلی 10 ملیارات دولار خلال السنوات المقبلة.
خلال هذه الزیارة التي تمت بمرافقة 200 من رجال الأعمال والمسؤولين في الحكومة الترکیة الجديدة، وقع وفدا ترکیا والسعودية علی مذكرة تفاهم للتعاون في مجال تعزیز الإستثمار المباشر بین الجانبین. کما تم التوقیع علی إتفاقیات في مجال الطاقة، والدفاع، والبحوث، وتنمیة القطاعات الإقتصادیة. کما تم توقیع مذكرات تفاهم أیضاً في مجال الإستثمارات المباشرة. و کان توقیع مذكرة تفاهم للتعاون في مجال الاتصال والإعلام، كذلك مذکرة التفاهم في مجال الطاقة، من بین الإنجازات الأخری التي حققتها زیارة أردوغان للسعودیة.
وأعلن أردوغان قبل سفره إلی دول الخلیج الفارسي الثلاث، عن تعزیز التبادل التجاري مع هذه الدول من 1.6 ملیار دولار إلی 22 ملیار دولار علی مدی السنوات العشرين الماضیة. كما تؤکد ترکیا أیضاً علی أن استقطاب ما لا یقل عن 25 ملیار دولار من رؤوس الأموال من السعودیة وقطر والإمارات للحد من الأزمة الإقتصادیة المحلیة، من بین الأهداف الرئیسیة لزیارة أردوغان إلی هذه الدول. ومن المحتمل أن تؤدي الزیارات المنتظمة لأردوغان إلی الدول العربیة المطلة علی الخلیج الفارسي إلی إستثمارات تزيد قیمتها على 50 ملیار دولار لترکیا.
وفي إطار الأهداف السیاسیة أیضاً، إتخذت ترکیا إجراءات من منظور التعاون العسکري مع دول جنوب الخلیج الفارسي، وإتفاقیة بیع مسیّرات آکینجي من شرکة “بایکار” وهي الشرکة المصنعة لمسیّرات بیرقدار، هي دلالة علی هذا التعاون. بالطبع بدأت ترکیا وجودها العسكري في الخليج الفارسي منذ مبادرة اسطنبول في عام 2004 في إطار تعاون الناتو مع مجلس التعاون، ويتم تقیيم القاعدة العسکریة في قطر والتعاون العسکري الموسع مع الکویت في هذا الإطار.
وفي الإجتماع الذي عقده رئیس دولة الإمارات محمد بن زاید آل نهیان للمرة الخامسة خلال العامین الماضیین مع نظیره الترکي، أکد الجانبان عزمهما علی توسیع أبعاد الشراکة الإقتصادیة الشاملة. ومن المرجح أن تؤدي المفاوضات بین الإمارات وترکیا إلی تسریع فرص الإستثمار والأنشطة التجاریة الکبری بین البلدین، وسوف تُنعش القطاع الخاص وتُشجع رواد الأعمال. وتقیم الإمارات زیارة أردوغان بهدف تحقیق قدر أکبر من المشارکة ودبلوماسیة الثقة. وتهدف المفاوضات بین آل نهیان وأردوغان إلی توسیع العلاقات والتعاون الثنائي ومواصلة تطویرها في المجالات المختلفة لصالح البلدین
وتطورت العلاقات الترکیة القطریة خلال السنوات الأخیرة في القضایا السیاسیة والعسکریة والإقتصادیة وتتمتع الدوحة وأنقرة بعلاقات قویة وشراکة إستراتیجیة. وتدعي قطر أن شراکة قطر وترکیا حالیاً تعتبر “واحدة من أنجح الشراکات في العالم، ووصلت إلی مستوی الشراکة الإستراتیجیة بفضل الإرادة السیاسیة القویة للجانبین”.
0 تعليق