المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ رأي: مضى ما يقرب من ثماني سنوات على آخر إخفاقات الولايات المتحدة في مسار إحلال السلام بين فلسطين والكيان الصهيوني.
حسين سياحي ـ باحث في الشؤون الدولية
من الواضح أنه في هذه السنوات شهد العالم والنظام الدولي القائم فيه تغيرات كبيرة. لقد واجهت روسيا تحديات كبيرة والولايات المتحدة الأمريكية لم تعد من یضع نهاية الأزمات الإقليمية وتواجه سياساتها معارضة من قبل بعض الفاعلين الإقليميين. بالتزامن مع ذلك، بدأت الدول تعول على الصين. خاصة وأن إيمان الصين والتزامها بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى كان مطمئناً إلى حد ما للاعبين الإقليميين، خاصة في الشرق الأوسط. تمثل وساطة بكين في إعادة العلاقات بين طهران والرياض دليل على هذا الادعاء. في هذه الأثناء، مع انفتاح محمود عباس ونتنياهو على الصين، هناک قناعة في طور التشكل بأن الصين قد تكون قادرة على تسوية التحدي الأكثر حساسية وأشد أزمة مزمنة في الشرق الأوسط أو تقريبها إلى حل، كإجراء جديد یحافظ على الاستقرار في المنطقة.
لذلك، ترافقت زيارة محمود عباس للصين مع دعم الرئيس الصيني للشعب الفلسطيني. وتحدث “شي جين بينغ” عن دعم هذا البلد الدائم والثابت لتطلعات الشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه الوطنية المشروعة. وخلال هذه الزيارة التي استمرت ثلاثة أيام، أيدت الصين العضوية الكاملة للسلطة الفلسطينية في الأمم المتحدة وأعلن الجانبان عن شراكة إستراتيجية مشتركة.
يبدو أن الصين ترغب في استخدام نفوذها مرة أخرى في القضايا الإقليمية والعالمية. حتى الآن، لم يرغب التنين الأحمر في المشاركة في حل النزاعات الدولية، لكن اليوم يبدو الأمر مختلفاً بعض الشيء. إن بكين مستعدة لاتخاذ إجراءات لإظهار مكانتها ومصداقيتها في منطقة الشرق الأوسط على الأقل. خلال هذه الرحلة، طلب محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية الذي لا يشعر بالقوة التي كان عليها في الماضي، من الرئيس الصيني الضغط على تل أبيب وحكومة نتنياهو لإيجاد حل للصراع بين فلسطين والكيان الصهيوني، لكن هذا ليس سوى جانب واحد من القصة ويبقى أن نرى ما إذا كانت تل أبيب سترحب أيضاً بمبادرة الصين؟
تل أبيب ترى أن بكين مفيدة
يدرك بنيامين نتنياهو أن العلاقات بين الصين والجمهورية الإسلامية الإيرانية في وضع قوي. كما أنه على معرفة تامة بأهمية الشراكة الاقتصادية بين تل أبيب وبكين ويعي جيداً المنافسة بين التنين الأحمر والولايات المتحدة الأمريكية. يبدو أن نتنياهو سيخطط لرحلته القادمة إلى الصين لمتابعة هدفين رئيسيين. أولاً، سيحاول استخدام قناة الاتصال بين بكين والرياض لتطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية. على الرغم من أن انضمام المملكة العربية السعودية إلى اتفاقيات إبراهيم بوساطة صينية سيثير غضب الولايات المتحدة، إلا أنه من وجهة نظر رئيس الوزراء الإسرائيلي يمكن أن يكون له آثار جيدة على المدى المتوسط والطويل. من ناحية أخرى، يعتقد نتنياهو أن وجود الصين في معادلات الشرق الأوسط يمكن أن يشجع الولايات المتحدة على البقاء في هذه المنطقة؛ على الرغم من أن وجهة نظره هذه تبدو بعيدة بعض الشيء عن الواقع لأن الولايات المتحدة لن تضحي بمنافستها الاستراتيجية على الهيمنة العالمية من أجل حلفائها الإقليميين من خلال دفع عملية السلام إلى الأمام.
النموذج الصيني للسلام في الشرق الأوسط: جذب الفاعلين اليائسين والمتعبين إلى طاولة المفاوضات
تراجع دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط جعل حلفائها الإقليميين عرضة للخطر. لم تستطع اتفاقيات إبراهيم أن تضمن السلام لحقبة ما بعد انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة. ورغم أنه لم يكن من المفترض أن يحدث ذلك، إلا أن النموذج الصيني والثنائي لتحقيق السلام في الشرق الأوسط يبدو أكثر إثماراً واستقراراً من النموذج الأمريكي القائم على الاصطفافات الإقليمية التي نتجت عنها أفكار مزعزعة للاستقرار ومثيرة للتوتر مثل ناتو الشرق الأوسط والتحالف العبري – العربي. أظهرت الصين أنها تقدم نموذجاً أكثر فاعلية تدعمه قدرة هذا البلد الذي استطاع تحسين موقعه العالمي بشكل كبير مع زيادة قدرته.
في النموذج الصيني، فإن إرساء السلام يبرر الوسائل وعلى أساسه، يجلس الطرفان على طاولة المفاوضات بناءً على لغتهما وتصورهما. يجب أن يؤخذ في الاعتبار أن السعودية قبلت دعوة الصين للتفاوض مع إيران بسبب ما لقيته من تجاهل وإهانة من قبل الولايات المتحدة؛ كما تحركت إيران نحو عودة العلاقات للمضي قدماً على مسار تهدئة التوترات مع السعودية والاعتماد على العلاقات الوثيقة مع الصين وبناء على ضرورة التحرك في اتجاه الاستقرار الإقليمي وكذلك عدم الثقة بالولايات المتحدة.
قد يتم تطبيق هذه الحالة على رام الله وتل أبيب أيضاً. لقد مر ما يقرب من ستة أشهر على انتخاب نتنياهو ولم تتم دعوته بعد إلى الولايات المتحدة من قبل الإدارة الديمقراطية. إضافة إلى ذلك، فإن حكومة بايدن لا تدعم تصرفات الكيان الصهيوني في اتجاه البناء الاستيطاني حتى لو لم تبد ردة فعل ضدها. مثل هذه الحالات دفعت نتنياهو إلى الاهتمام بتطبيق النموذج السعودي. تعرف تل أبيب جيداً أن الحقبة الحالية ليست مثل حقبة الحرب الباردة عندما كان يتعين على الدول القريبة من قوة عظمى في عالم ثنائي القطب اختيار قطب واحد وقطع العلاقات مع الآخر. على الرغم من إعلان الكيان الصهيوني أن الولايات المتحدة الأمريكية تظل حليفاً رئيسياً لا بديل له لهذا الكيان لكنه من ناحية أخرى، يدرك هذا الكيان مدى غضب واشنطن وإحباطها إن حدث إسناد مبادرة السلام في الشرق الأوسط إلى بكين.
من ناحية أخرى، تشعر السلطة الفلسطينية بخيبة أمل شديدة من الولايات المتحدة. على الرغم من عدم دعم بايدن لإجراءات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب فيما يتعلق بنقل العاصمة والدعم الشامل لتل أبيب، إلا أن الإدارة الحالية في هذا البلد لم تتخذ بعد أي إجراءات إيجابية في هذا الشأن. كما يعلم محمود عباس أن تركيز إدارة بايدن سيكون على إجراءات صغيرة، وليس سلاماً شاملاً محفوفاً بالمخاطر يمكن أن يكون هشاً ويعرض مصداقية الإدارة الفيدرالية للخطر. كل هذه الأشياء تجعل الحزمة التي اقترحتها بكين أكثر جاذبية، وقد تمكن الصين من أن تتحول إلى منفذة المستحيل على الساحة الدولية.
0 تعليق