المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ رأي الضيف: كانت اتفاقية إعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، بوساطة الصين في مارس 2023، من أهم الأحداث في منطقة غرب آسيا في السنوات الأخيرة. ويبدو أن هذا الاتفاق والمصالحة السياسية سيكون مصدر التأثير ليس فقط على المستوى الإقليمي، بل وأيضاً على المستوى العالمي.
الدكتور محمد مهدي مظاهري ـ أستاذ جامعي
على الرغم من أن تحركات إيران والسعودية في الأشهر الأخيرة لإعادة فتح سفارتيهما والتعاون في قضية الحج وتحسين العلاقات مع دول أخرى في المنطقة (السعودية مع سوريا، وإيران مع مصر ودول الخليج الفارسي) قد أوضحت إلى حد ما النتائج المبكرة لهذه المصالحة، لكن السؤال الرئيسي هو مدى استقرار هذه المصالحة السياسية وهل تنطوي على آثار وتداعيات إستراتيجية أيضاً؟
من أجل فهم وتحليل هذه القضية، يجب أولاً فهم نوايا وأهداف كلا الجانبين لتنحية الخلافات جانباً وتحسين العلاقات وتطويرها. من جانب إيران، ينبغي القول إن المصالحة وتطوير العلاقات مع السعودية قد أنجزت من أجل تحقيق الأهداف والمصالح التالية:
– الحد من التوترات الإقليمية وتحسين العلاقات مع دول الجوار، خاصة الدول العربية في منطقة الخليج الفارسي؛
– الحيلولة دون تشكيل جبهة عربية – غربية – عبرية جديدة ضد إيران؛
– إحداث تحول جوهري في السياسة الخارجية للحد من بعض المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المحلية؛
– السعي إلى الحد من تأثير العقوبات من خلال الوصول إلى الموارد المالية لدول الخليج الفارسي؛
– منع اشتداد رهاب إيران وبالتالي تحسين الأجواء الإعلامية؛
– منع المزيد من التقارب بين الدول العربية في منطقة الخليج الفارسي والكيان الإسرائيلي وتوسيع اتفاقيات إبراهيم؛
– إعادة القضية الفلسطينية إلى بؤرة اهتمام العالم الإسلامي؛
– ردع السعودية من دعم الجماعات الانفصالية وغيرها من المعارضين لإيران؛
في المقابل، نظرت السعودية بدورها في عدة أهداف ومصالح من جراء إنهاء العداء مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية والحروب بالوكالة، على النحو التالي:
– إنهاء التحديات والتنافسات المكلفة مع إيران من أجل التركيز على استراتيجية تحويل السعودية إلى مركز اقتصادي – سياحي في المنطقة؛
– استباق التطورات والاستعداد لظروف ما بعد الاتفاق المحتمل بين إدارة بايدن وإيران وعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي؛
– إظهار قوة واستقلال السعودية في مجال السياسة الخارجية وحث إدارة الولايات المتحدة على بذل المزيد من الجهود لاسترضاء المملكة؛
– إقناع الإدارة الأمريكية بالحفاظ على وجود نسبي في الخليج الفارسي من خلال إثارة المخاوف بشأن الاستبدال المحتمل للولايات المتحدة بالصين؛
– زيادة الوجود والنفوذ في سوريا وإذا أمكن منع هذا البلد العربي من الوقوع بشكل كامل في حضن إيران وجبهة المقاومة؛
– احتواء الإجراءات المحتملة للجماعات الشيعية الموالية لإيران ضد مصالح السعودية في مختلف دول المنطقة؛
– توفير الأرضية لاتفاق مع الحوثيين المدعومين من إيران من أجل إنهاء الحرب بالوكالة المدمرة والمكلفة في اليمن والتي أثرت على ميزانية السعودية وسمعتها الدولية؛
– منع تكرار أحداث مثل الهجمات الصاروخية الحوثية على منشآت النفط السعودية (أرامكو)، مما أدى إلى توقف نصف إنتاج البلاد من النفط الخام.
بناءً على ذلك، وبالنظر إلى الموقع الرئيسي للسعودية وإيران في منطقة غرب آسيا والمصالح المشتركة للطرفين في تحسين وتطوير العلاقات، فمن المتوقع أنه إذا نجح الجانبان في إدارة ودفع عملية التطبيع وتحسين العلاقات، أن نشهد قريباً تسوية المشاكل المزمنة في المنطقة، بما في ذلك الأزمة السياسية والاقتصادية في لبنان، والحرب في اليمن، ومشاكل سوريا.
من ناحية أخرى، فإن المصالحة السياسية بين إيران والسعودية لها تداعيات دولية. في قضية عودة العلاقات بين إيران والسعودية، كانت الصين الرابح الأكبر من خلال صنع السلام في الشرق الأوسط واكتسبت مصداقية عالمية. ونتيجة لذلك، لم يتم فقط تعزيز القوة الناعمة الصينية، بل عززت بكين كذلك قدراتها لتعزيز أمن إمدادات الطاقة شكل مستمر لصناعاتها الرائدة والقوية.
من جهة أخرى، وتماشياً مع الموقف الأمريكي الإيجابي تجاه تحسين علاقات إيران والسعودية، فإن التركيز الأمريكي والأوروبي انتقل من مشاكل إيران الداخلية ومسايرة الجماعات والتيارات المعارضة ودفع مشروع إضعاف نظام الحكم في إيران أو الإطاحة به إلى الأمام، انتقل إلى القضايا الإقليمية. إن التصدي لزمرة المنافقين الإرهابية في ألبانيا والتعامل معها بعِلم ودعم من الولايات المتحدة ودول أوروبية مهمة هي مظاهر واضحة لذلك.
كذلك، في أعقاب المصالحة السياسية بين إيران والسعودية، انخفضت حدة الأجواء الإعلامية السلبية ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى حد ما، ومن خلال التراجع فيما يسمى بسياسة عزل إيران، انكسر تابو تطوير العلاقات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية. في هذا الصدد، كان موقع السعودية الرئيسي في العالم العربي وبين الدول الإسلامية وقبولها لتحسين العلاقات مع إيران بمثابة ضوء أخضر للدول العربية الأخرى، بما فيها مصر، لتحسين علاقاتها مع إيران؛ عملية يمكن أن تساعد في تطوير علاقات إيران مع الدول الأفريقية المؤثرة كذلك.
مع ذلك، لا تزال بعض التحديات والخلافات الرئيسية بين إيران والسعودية قائمة، وإذا لم يتم اتخاذ تدابير للتعامل معها، فإنها يمكن أن تلحق الضرر بالعلاقات بين الجانبين على المدى الطويل.
وأهمها “تطبيع علاقات الدول العربية مع الكيان الإسرائيلي”. على الرغم من أن السعودية تجنبت حتى الآن الانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم وتطبيع العلاقات رسمياً مع إسرائيل، إلا أنها حاولت في الوقت نفسه إبقاء احتمال التطبيع مع هذا الكيان مفتوحاً.
كان أحد شروط الرياض المسبقة لتطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي هو الحصول على تكنولوجيا الوقود النووي من الإدارة الأمريكية. كما يسعى السعوديون للحصول على صناعة الصواريخ والمسيّرات للتنافس مع إيران وقدرات تخصيب اليورانيوم لتحقيق التوازن أمام إيران والكيان الإسرائيلي.
بناءً على ذلك، يجب أن يؤخذ في الاعتبار الوجه الآخر لتحسن علاقات السعودية مع إيران. فقد حاولت الرياض الاقتراب من عدو الولايات المتحدة في المنطقة (إيران) للمطالبة بثمن أعلى من واشنطن للقيام بالتطبيع المحتمل للعلاقات مع الكيان الإسرائيلي وفي نفس الوقت، الحصول على المزيد من الامتيازات من الكيان الإسرائيلي.
كما أنه بالموافقة على وساطة الصين، حاولت القيادة السعودية استخدام علاقات الصين الإيجابية مع إيران لصالحها وإرسال رسالة إلى البيت الأبيض. بناءً على ذلك، فإن أحد المخاوف الجدية في المستقبل القريب سيكون احتمال موافقة الكيان الإسرائيلي مع التأكيدات المحتملة وغير المقبولة للسعودية وتطوير تكامل أمني واستخباراتي وعسكري بين السعودية والولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي. كما تشكل مطالب السعودية من إيران لكبح جبهة المقاومة تحدياً خطيراً آخر في العلاقات بين الطرفين.
في مثل هذه الظروف، يبدو أن الحلول الأكثر فاعلية التي يمكن أن تحول العلاقات الرسمية والسياسية بين إيران والسعودية إلى علاقة إستراتيجية ذات تأثيرات مستقرة وطويلة الأمد هي التركيز على النقاط المشتركة وتجنب الجانبين إبراز خلافاتهما. توسيع هذه العلاقات لتشمل المستويات النخبوية والاجتماعية والشعبية بهدف خلق خطاب مشترك وأعراف مشتركة، بالإضافة إلى تطوير التعاون الاقتصادي والاستثمارات المشتركة بطريقة تضمن مصالح الطرفين وتعزز العلاقة.
0 تعليق