المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ حوار: صرح عضو هيئة التدريس في جامعة طهران بأن الانقسام الاجتماعي في فرنسا آخذ في التفاقم قائلاً: "إن العنف العنصري وقمع الاحتجاجات سيضر بالتأكيد بالصورة الدولية لفرنسا وبالنظر إلى أن هذا البلد يرى نفسه البلد الرائد في مجال حقوق الإنسان، فهو يمر بظروف صعبة".
في حوار مع موقع المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية، أشار الدكتور هادي دولت آبادي إلى شدة الاضطرابات والاحتجاجات الواسعة في فرنسا على خلفية مقتل مراهق يبلغ من العمر 17 عاماً من أصل جزائري على يد الشرطة الفرنسية مما أدى إلى تشديد الإجراءات الأمنية في المدن، قائلاً: “بعد الحرب العالمية الثانية، واجهت فرنسا مشاكل مع مستعمراتها، بما في ذلك الجزائر التي خسرتها بمرارة، ويمكن القول إن ظهور الجمهورية الفرنسية الخامسة كان مصحوباً باستقلال الجزائر. بعد هذه التطورات، جاء العديد من المهاجرين إلى هذا البلد وتم إعادة إعمار فرنسا بعد الحرب عن طريق المهاجرين والعمال الأجانب؛ مهاجرون هم في الغالب من المستعمرات السابقة لفرنسا، وخاصة من دول شمال إفريقيا، وكانوا من الطبقات الاجتماعية الدنيا والعاملة”.
وذكر أنه بمرور الوقت جلب هؤلاء العمال عائلاتهم إلى فرنسا، وفضلاً عن وجود الطبقة العاملة في مناطق المهاجرين دخل مهاجرون غير شرعيين إلى البلاد، مضيفاً: “يوجد في فرنسا خمسة ملايين مسلم غالبيتهم العظمى ينتمون إلى هذه الشريحة. إحدى مشاكل فرنسا مع هذه الشريحة هي أنها لم تكن قادرة على تحقيق الاندماج الاجتماعي لهؤلاء. في عام 2005، خلال أحداث مماثلة، شهدت فرنسا ظروفاً مضطربة للغاية وتم التعامل مع هذه الظروف بعنف شديد”.
وأردف محلل الشؤون الفرنسية قائلاً: “في الحقيقة، الرصاصة التي أُطلقت على ذلك الفتى البالغ من العمر 17 عاماً لم تستهدفه هو فقط، بل استهدفت جميع أولئك الذين يعيشون في ضواحي المدن الفرنسية الكبرى منذ عقود في ظل الظلم الاجتماعي والتمييز الكامن. معظم الناس الذين يعيشون في ضواحي باريس والمدن الكبرى في فرنسا هم من المهاجرين الذين لم يتمكنوا من التكيف مع المجتمع بسبب الطبقة الاجتماعية التي يعيش فيها آباؤهم، وقد حصل هذا الرفض بشكل متبادل من قبل المجتمع كذلك. يشهد المراهقون في هذه العائلات أنه على الرغم من أن أفراد عائلاتهم على درجة عالية من التعليم، إلا أنهم لا يستطيعون الحصول على وظائف مناسبة بسبب وضعهم كمهاجرين”.
وقال دولت أبادي إن هؤلاء الأشخاص قد أصيبوا تدريجياً بالإحباط من التعليم وأنشأوا طبقة اجتماعية ضعيفة، موضحاً: “على الرغم من وجود أشخاص من هؤلاء المهاجرين من شمال إفريقيا في الحكومات الفرنسية في بعض الفترات لكن فرنسا تستخدمهم كواجهة لحكومتها، وبالمناسبة فرض هؤلاء الأشخاص في بعض الأحيان قيوداً أكبر على المهاجرين”.
وأكد الأستاذ في جامعة طهران على أن فرنسا تشهد انقساماً اجتماعياً عميقاً للغاية، قائلاً: “حالياً نرى في أن المتظاهرين ضد عنف الشرطة وسلوكها العنصري في قتل مراهق يستغلون الاحتجاجات للإضرار بالممتلكات الخاصة. وتسبب هذا الوضع في استياء شريحة كبيرة من المجتمع الفرنسي وأثار غضب الفرنسيين. الانقسام الاجتماعي في فرنسا آخذ في التزايد. كما أبدت الأحزاب اليمينية واليسارية في هذا البلد مواقف مختلفة تماماً تجاه هذه الأحداث”.
ولفت إلى احتجاج أحزاب اليسار الفرنسي على استخدام الشرطة للعنف المفرط، موضحاً: “بالنظر إلى أن فرنسا تعتبر نفسها الدولة الرائدة في حقوق الإنسان، فإنها تمر بحالة صعبة. تحاول الحكومة الحفاظ على النظام العام والأمن. من الناحية السياسية كذلك، يساعد انعدام الأمن اليمين المتطرف على الوصول إلى السلطة في هذا البلد؛ لأن اليمين المتطرف لديه مواقف قاسية جداً ضد الهجرة والمسلمين وحتى المساعدات المالية لبعض المهاجرين”.
وبيّن الخبير في الشؤون الفرنسية أن متوسط عمر المشاركين في الاحتجاجات يقدر بـ 17 عاماً وهو دون السن القانوني، مردفاً: “العنف العنصري وقمع الاحتجاجات على نطاق واسع سيضر بالتأكيد بصورة فرنسا الدولية. نوع إدارة هذه الأزمة واستطالة أمدها والأضرار التي لحقت بالممتلكات العامة تؤثر على صورة هذا البلد. وبينما أعربت الأمم المتحدة بدورها عن قلقها إزاء هذه الاضطرابات، فقد طلبت من باريس أن تتصدى بجدية لمشكلة التمييز العنصري والعنصرية في الشرطة الفرنسية”.
وأوضح دولت آبادي أن هذه القضايا سيكون لها تأثير على صورة فرنسا على الساحة الدولية مضيفاً: “إن مدة إدارة هذه الأزمة لها تأثير كبير على صورة فرنسا. فبعد يوم من هذه الحادثة، حاول ماكرون تخفيف حدة الاحتجاجات من خلال اتخاذ موقف سريع واعتبر قتل هذا الشخص القاصر عملاً غير مبرر، لكن هذا الإجراء لم يكن فعالاً بما فيه الكفاية ولم يحد من الكراهية المكبوتة لدى هذه الشرائح وكذلك الإثارة التي يبحث بعض المراهقين عن تجربتها في هذا الفضاء”.
وإذ أشار إلى مواقف بعض الدول الأوروبية بشأن الاضطرابات في فرنسا وعنف الشرطة ضدها، قال: “لم يتضح بعد إلى متى ستستمر هذه الاحتجاجات. مع ذلك، أصبح الانقسام في المجتمع الفرنسي أكثر وضوحاً، كما أن جزءاً كبيراً من المجتمع الفرنسي ضد هؤلاء المتظاهرين. وجناح اليمين المتطرف، الذي شهد إقبالاً بكسب أكثر من 40٪ من الأصوات في الانتخابات الأخيرة، استقطب أصوات الذين قد يكونون ضد المهاجرين ويعارضون الأشخاص الذين يقودون الاحتجاجات حالياً”.
واختتم الأستاذ الجامعي قائلاً: “لا يمكن للحكومة والمجتمع منح هؤلاء المتظاهرين التنازلات التي قدموها للسترات الصفراء، وهي مضطرة لإنهاء هذه الاحتجاجات بالقوة وعنف الشرطة فقط. تقود هذه الازدواجية المجتمع الفرنسي في اتجاه ستستمر فيه الانقسامات في التزايد. ويبقى أن نرى إلى أين ستصل المواجهة بين القوة والاحتجاجات في الأيام المقبلة”.
0 تعليق