المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ حوار: يرى المدير العام السابق لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في وزارة الخارجية الإيرانية أن الصين دخلت معادلات الشرق الأوسط بجدية أكبر وتحاول تكرار تجربتها الناجحة في الوساطة بين السعودية وإيران.
في حوار مع موقع المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية، أشار محمد قاسم محبعلي إلى ترحيب الصين الحار بمحمود عباس في بكين، قائلاً: “الصين هي أكبر مستورد للنفط من الشرق الأوسط وقامت باستثمارات ضخمة في هذه المنطقة، لذلك فإن مصالحها تتطلب تعزيز الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط”.
وتابع: “قد وسعت الصين علاقاتها مع العرب، وسبق لها أن حسّنت علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي لحاجتها إلى الحصول على تقنيات عالية، لذلك فهي الآن ترغب في الوساطة بين العرب وهذا الكيان للتوصل إلى حل وسط كي تطمئن من عدم حصول حالة عدم استقرار المنطقة في المستقبل. من الطبيعي أن دعوة محمود عباس والترحيب به بحرارة هي محاولة من الصين لتحسين موقعها في هذا الإطار حتى تتمكن من التوسط بين الفلسطينيين والكيان الإسرائيلي في المستقبل باستخدام الأدوات التي تملكها”.
وفي إشارة إلى علاقات الصين الجيدة مع الكيان الإسرائيلي وبعض الأطراف الفلسطينية وإيران والسعودية وقطر ومصر، قال محلل الشؤون الدولية: “هذه العلاقات خلقت مكانة جيدة للصين. في الوقت نفسه، تدهور موقع روسيا بشدة؛ وبسبب المشاكل التي واجهتها بعد حرب أوكرانيا والتمرد الأخير لمجموعة فاغنر، لا يمكن اعتبارها لاعباً قوياً على المسرح الدولي على المستوى الذي كانت عليه في الماضي. كما أن الولايات المتحدة لا تتمتع بالميزة التي تتمتع بها الصين؛ حيث أنها على عكس الصين لا تملك علاقات مع جميع الأطراف. الأوروبيون أيضاً لديهم مثل هذا الوضع إلى حد ما. لذلك، في الوضع الحالي، حققت الصين مكانة استثنائية لتلعب دوراً مهماً فيما يسمى بالسلام في الشرق الأوسط”.
وأشار محبعلي إلى تصريحات الرئيس الصيني الذي اعتبر إقامة “علاقات وشراكة إستراتيجية” مع فلسطين منعطفاً مهماً في تاريخ العلاقات الثنائية بين الطرفين، وفيما يتعلق بتأثير التنافس الأمريكي – الصيني في الشرق الأوسط على الوساطة بين الكيان الإسرائيلي وفلسطين ولعب دور إيجابي في الشرق الأوسط، قال: “بطبيعة الحال، المنافسة بين الولايات المتحدة والصين لا تقتصر على الجانب الاقتصادي فحسب بل هي قائمة في القضايا الإقليمية والدولية كذلك. مع ذلك، لا يمكن القول إن مصالح البلدين في الشرق الأوسط متعارضة مع بعضهما البعض، بل لهما مطالب مشتركة نسبياً”.
وأوضح: “تتبنى الولايات المتحدة والصين حل الدولتين في الوقت الحالي، لكن بشكل طبيعي تختلفان مع بعضهما فيما يتعلق بخصائص هاتين الدولتين إلى حد ما. الولايات المتحدة تفكر في حكومة فلسطينية بلا قوة عسكرية. فقد شهدنا في عهد كلينتون وأوباما ومؤخراً في إدارة بايدن تأكيدات أمريكية على إقامة حكومة فلسطينية إلى جانب الكيان الإسرائيلي تعتبر مستقلة لكن بدون متطلبات وأدوات حكومة مستقلة تماماً. لكن الصين لديها سياسة أكثر اعتدالاً إلى حد ما في هذا الصدد. على الرغم من أنها تسعى كذلك إلى ضمان أمن الكيان الإسرائيلي إلى جانب أمن فلسطين، لكن يبدو أنها ترى أن تكون لدى الفلسطينيين أيضاً القدرات التي تتطلبها حكومة مستقلة تماماً”.
ولفت محبعلي إلى الحلول التي طرحتها بكين في يوليو 2021 لتطبيق حل الدولتين بين فلسطين والكيان الإسرائيلي، مردفاً: “في لقائه الأخير مع محمود عباس، صرح الرئيس الصيني أولاً وقبل كل شيء بأن الحل الأساسي للقضية الفلسطينية يجب أن يكون على أساس إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة في حدود عام 1967 وتعيين القدس الشرقية عاصمة لها”.
ورأى الخبير في القضايا الدولية أن من العقبات التي تواجهها الصين في طريق تعزيز عملية السلام في الشرق الأوسط هي الأسلحة النووية للكيان الصهيوني، والاستيطان الإسرائيلي وبعض مواقف هذا الكيان خاصة في ظل حكومة نتنياهو المتطرفة، ومطالبه المبالغ فيها، وسياسته التوسعية، بالإضافة إلى انتهاك القوانين الدولية وانتهاك حقوق الفلسطينيين، ومصالح الكيان الصهيوني في خلق حالة من عدم الاستقرار، وتعدد الجهات الفاعلة في الشرق الأوسط، فضلاً عن المنافسة الشديدة في هذه المنطقة، مؤكداً: “اتخاذ خطوات لإحلال السلام بين الكيان الإسرائيلي وفلسطين سيكون صعباً للغاية. فكما لم تنجح الولايات المتحدة والأطراف الأخرى في هذا المجال خلال الستين عاماً الماضية، من الصعب جداً على الصين كذلك تحقيق هذا الهدف”.
وأضاف: “رغم ذلك، الظروف تغيرت كثيراً مقارنة بالماضي، وقد تغيرت المطالب في الشرق الأوسط، لدى الحكومات والشعوب على حد سواء. تجلب هذه التغييرات المزيد من الفرص لأولئك الذين يريدون إرساء الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط ويسعون لتحقيق مصالحهم في الشرق الأوسط النامي، لكن الشرق الأوسط سيظل يمر بتغيرات واضطرابات ولا يمكن التنبؤ بمستقبله”.
وإذ أشار محبعلي إلى العلاقات الإستراتيجية بين الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي، قال عن تأثير هذه العلاقات على جهود الصين لتعزيز عملية السلام في الشرق الأوسط: “على الرغم من أن الصين والولايات المتحدة تتنافسان مع بعضهما البعض لكسب المزيد من الفوائد وتحسين موقعهما، لا توجد اصطفافات حقبة الحرب الباردة بينهما. في الوقت الحالي تتمتع السعودية ومصر والكيان الإسرائيلي ودول الخليج الفارسي بعلاقات واسعة ومصالح مشتركة مع الصين والولايات المتحدة وقد شكلت سياسة شاملة ومتوازنة. لذلك، لا يبدو أن سياسات الصين والولايات المتحدة في الشرق الأوسط تتعارض تماماً مع بعضها البعض”.
0 تعليق