المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ رأي الضيف: في منطقة غرب آسيا، قد لا يصل عدد الدول التي لديها أنظمة ديمقراطية وانتخابات حقيقية وحرة إلى عدد أصابع اليد الواحدة، وعندما تكون هذه الانتخابات مرتبطة بدولة مؤثرة وفاعلة في الساحة الإقليمية مثل تركيا، تتضاعف أهميتها وقيمتها التحليلية.
الدكتور محمد مهدي مظاهري ـ أستاذ جامعي
في 28 مايو 2023 ، فاز الزعيم التركي رجب طيب أردوغان في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التركية ضد خصمه كمال كليجدار أوغلو. ظل أردوغان في السلطة منذ عام 2003 ، في البداية رئيساً للوزراء ثم رئيساً لتركيا منذ عام 2014.
كما أن فوزه في الانتخابات الأخيرة يمنحه إمكانية فترة رئاسية أخرى مدتها خمس سنوات. هذا الفوز، إلى جانب نتائج الانتخابات البرلمانية في 14 مايو ، والتي نتج عنها حصول الأحزاب الموالية لأردوغان على أغلبية مقبولة في البرلمان التركي، أعطت أردوغان موقعاً خاصاً لن تقتصر تداعياته على داخل حدود تركيا فقط.
نظراً إلى أن الانتخابات الرئاسية التركية لم تؤد إلى انتقال عوامل القوة بين النخب السياسية في البلاد وانتهت بإعادة انتخاب أردوغان، يمكن القول إنه في السنوات الخمس المقبلة سنشهد استمراراً لسياسة تركيا الخارجية في منطقة غرب آسيا.
إلا أن هذا الأمر قد يتأثر بـ “شخصية أردوغان السياسية البراغماتية والمرنة” والتي من شأنها أن تتسبب في تطورات مهمة وجدية في السياسة الخارجية لتركيا تحت قيادته في بعض الحالات. في الحقيقة، عندما يدرك أردوغان أن سياساته خاطئة أو مكلفة أو لها تأثير ضئيل على المصالح الوطنية لتركيا، لا يمتنع عن إجراء تغييرات في السياسة الخارجية لحكومته بـ 180 درجة، دون التحفظات والعناد الذي يوجد لدى العديد من السياسيين في المنطقة السياسة؛ فمن خلال انعطافات مفاجئة يغير ويصحح اتجاه بلاده نحو الأهداف المنشودة. مع ذلك، مثل العديد من السياسيين في غرب آسيا، لا يؤمن كثيراً بإيضاح أسباب هذه التحولات أو الاعتذار عن أخطاء الماضي.
لكن بشكل عام، يمكن القول إنه من المتوقع أن يواصل أردوغان سياساته السابقة في منطقة غرب آسيا خلال السنوات الخمس المقبلة وبالتالي، فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ستواجه نفس السياسات والمقاربات السابقة لتركيا.
وتشمل هذه السياسات محاولة تعزيز النفوذ التركي في المنطقة، ودعم الجماعات المرتبطة بتركيا في سوريا وليبيا والقوقاز، والاستمرار في لعب دور في أزمة قره باغ والعلاقات بين جمهورية أذربيجان وأرمينيا، واستغلال أزمة أوكرانيا لتنظيم علاقة تركيا بروسيا والاتحاد الأوروبي وكذلك تحسين العلاقات مع الكيان الإسرائيلي.
بالإضافة إلى السياسات المذكورة أعلاه، فإن الحفاظ على العلاقات مع إيران أيضاً مهم جداً للحكومة التركية، ويمكن أن تفتح هذه القضية الباب لحل الكثير من العقد والمشاكل.
في مجال العلاقات الدولية والإقليمية، على الرغم من أن التشاور والحوار هو سبيل الحل للعديد من المنافسات والصراعات والأزمات، لكن طالما أن هذه الحوارات لا تؤدي إلى فوائد ومنافع ملموسة للأطراف، فإنها عادة ما لا تنتهي إلى نتائج ملحوظة وفعالة.
لذلك، يبدو أن طريقة التعامل الناجح بين إيران وتركيا تحت قيادة أردوغان في العهد الجديد هي خلق مزايا ومنافع متبادلة لا يمكن تجاهلها في العلاقات الثنائية وإظهار قوة إيران وقدرتها على الحد من مشاكل تركيا على الساحتين الإقليمية والدولية.
تواجه تركيا حالياً العديد من التحديات في مجال سياستها الخارجية، وفيما يلي بعض منها:
1- العلاقات مع الغرب؛ على الرغم من أن تركيا عضو في الناتو، إلا أن علاقاتها مع الغرب كانت متوترة بسبب قضايا مثل حقوق الإنسان والديمقراطية، وكذلك نهجها تجاه اليونان وقبرص، وقد يستمر هذا الوضع في المستقبل.
2- تركيا قلقة على موقعها في سوريا؛ فبعد أن سحبت روسيا عدداً كبيراً من قواتها من سوريا بسبب الحرب في أوكرانيا، فسّرت تركيا هذه المسألة على أنها فرصة لزيادة نفوذ إيران ووجودها في سوريا. لذا وللحفاظ على موقعها في هذا البلد وربما – من وجهة نظرها – منع إيران من توسيع نفوذها في سوريا حاولت التقارب مع الكيان الإسرائيلي.
3- قضية كردستان؛ تركيا تعارض تحركات الأكراد واستهدفت هذه التحركات في السنوات الأخيرة بهجمات عسكرية على مناطق كردية في سوريا والعراق.
4- مشاكل اقتصادية؛ واجهت تركيا في السنوات الأخيرة العديد من التحديات الاقتصادية، بما في ذلك التضخم الحاد وانخفاض قيمة عملتها الوطنية، وهي بحاجة إلى التعاون مع الدول الأخرى لحل هذه التحديات.
5- أصبحت علاقات تركيا مع الدول المؤثرة في العالم العربي، مثل السعودية ومصر، باردة ومتوترة بسبب السياسات الإقليمية لتركيا ودعمها للإخوان المسلمين. واستمراراً لسياساته الأخيرة يسعى أردوغان إلى استعادة وإصلاح هذه العلاقات.
6- قضية الهجرة؛ بسبب الأزمات التي حدثت في دول المنطقة، بما فيها سوريا وأفغانستان، تواجه تركيا تدفق مهاجرين غير شرعيين إلى بلادها، ولإدارة هذا الموضوع تحتاج إلى التعاون مع الدول الأخرى.
هذه بعض مشاكل ومخاوف السياسة الخارجية لتركيا في المرحلة الحالية وفي السنوات القادمة، ويمكن للجمهورية الإسلامية الإيرانية إزالة مخاوف تركيا في العديد من المجالات من خلال تخطيط فعال وسياسات مبتكرة، ودفع هذه الدولة المؤثرة في المنطقة إلى التعاون والمصالح المشتركة. التعاون والتآزر في سوريا، والجهود المتبادلة للالتفاف على العقوبات والضغوط الغربية ضد البلدين، والتعاون لتعامل عقلاني وفعال مع الأكراد في المنطقة، والتخطيط المشترك للتعامل مع أزمة المهاجرين غير الشرعيين، هي بعض المجالات التي توجد فيها مصالح مشتركة لإيران وتركيا ويمكن أن يساهم التركيز عليها في تقريب توجهات البلدين من بعضهما البعض وإدارة هواجسهما المتبادلة.
0 تعليق