المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ حوار: قال محلل للشؤون الدولية إن دور وصورة فرنسا كدولة تزعم حرية التعبير والديمقراطية قد طغى عليهما عنف الشرطة ضد المحتجين، مضيفاً: "في الوضع الحالي، فإن تضرر صورة فرنسا لا يحظى بأهمية كبيرة بالنسبة لماكرون. المهم بالنسبة له أن ينقذ نفسه من هذا الوضع بحيث يحتفظ بالرأي العام الفرنسي كداعم لمواصلة سياساته ومساند في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة".
في حوار مع موقع المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية، أشار أبوالقاسم دلفي إلى العنف الذي مارسته الشرطة الفرنسية ضد مسيرات الاحتجاج في الأشهر الماضية في هذا البلد، موضحاً: “الوضع في فرنسا منذ الولاية الثانية لماكرون تأثر بشكل كبير بالأوضاع الداخلية للبلاد وقضية قانون التقاعد الجديد؛ لأن ماكرون يحاول تنفيذ أحد وعوده الانتخابية بشأن رفع سن التقاعد”.
وإذ أوضح معارضة الأحزاب السياسية خاصة أحزاب اليسار المتطرف والوسط وأحزاب اليمين والنقابات العمالية، لفت إلى إصرار الحكومة على ضرورة رفع سن التقاعد بسبب الظروف الاقتصادية في أوروبا وفرنسا، مضيفاً: “في الولاية الثانية، ازداد الضغط على ماكرون بسبب خسارة الأغلبية البرلمانية. في الوقت الحالي، تحاول الأحزاب التي خسرت دورتين من الانتخابات أمام ماكرون منع الحكومة من تحقيق السلطة المطلقة. كما تحاول تلك الأحزاب من ناحية أخرى جعل أداء حكومة ماكرون غير ناجح حتى لا يفوز حزبه ومرشحه للانتخابات القادمة بسهولة من خلال توظيف سجل إيجابي حققوه”.
وقال سفير إيران السابق في باريس: “خلال الولاية الأولى لماكرون، شهدنا احتجاجات أسبوعية للسترات الصفراء ضد ارتفاع أسعار المحروقات. لكن في الولاية الثانية، صوتت غالبية الفرنسيين لصالح ماكرون رغم هذه الاحتجاجات، وتحاول حكومته الآن الوفاء بوعودها باستغلال الفرصة التي توفرت لها من جراء الفوز في الانتخابات”.
وفي معرض شرحه لعملية إقرار قانون رفع سن التقاعد في البرلمان الفرنسي والوصول إلى مرحلة تنفيذه، تابع دلفي: “رغم إقرار هذا القانون فإن الضغط لمنع تطبيقه مستمر. لقد كانت الأحزاب السياسية التقليدية في فرنسا قد هُمّشت إلى حد كبير خلال فترتي رئاسة ماكرون، ودخلت تيارات التحديث إلى المشهد السياسي والتي غالباً ما ترتبط بحزب ماكرون. لذلك، تعمل الأحزاب السياسية في تحالف غير معلن ضد ماكرون. من ناحية أخرى، واجه الظرف السياسي والاقتصادي في أوروبا، خاصة فرنسا، مشاكل بعد حرب أوكرانيا”.
وفي إشارة إلى العنف غير المسبوق الذي مارسته الشرطة الفرنسية ضد المحتجين، قال: “واجب الشرطة هو توفير الأمن؛ لكن في فرنسا في السنوات الثلاث الماضية وبسبب استمرار الاحتجاجات والإضرابات ضد الحكومة وتصرفات أقلية الأحزاب الراديكالية، أصبح سلوك الشرطة ضد أعمال الاحتجاج أكثر عنفاً بشكل تدريجي وقوبل هذا العنف برفض أقوى من قبل الأحزاب والشعب والجماعات المحلية في فرنسا. كما قدمت مؤسسات حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية الدولية احتجاجات حادة ومتكررة ضد أعمال العنف هذه”.
وأشار الخبير في الشؤون الدولية إلى لجوء فرنسا إلى تغيير قادة الشرطة في المناطق المختلفة بهدف تخفيف حدة الاحتجاجات ضد عنف الشرطة، مردفاً: “رغم ذلك، استمرت ممارسة العنف؛ لدرجة أن مجلس أوروبا أعرب عن قلقه بشأن تصرفات الشرطة الفرنسية وحذر من أن هذه التصرفات يجب أن تتم في إطار القانون ووفق واجبات الشرطة، وأن على الشرطة السيطرة على العنف للحيلولة دون إلحاق الضرر بالمواطنين. كما طالب السلطات الفرنسية باحترام حق الاحتجاج وحماية المحتجين، وكذلك الصحفيين الذين يغطون الاحتجاجات”.
اعتبر دلفي أن استطالة الإضرابات والاحتجاجات لها أثر في حدوث أعمال عنف غير معقولة من قبل الشرطة الفرنسية قائلاً: “هذه القضية تسببت في أضرار اجتماعية واقتصادية للمجتمع الفرنسي؛ أدى استمرار التظاهرات والإضرابات الأسبوعية وأعمال الشغب خلالها إلى لجوء الشرطة إلى العنف لضمان الأمن، لكن عنف الشرطة بالتأكيد غير مقبول من منظور أي طرف محلي أو دولي”.
وشدد: “إن تنامي عنف الشرطة يتسبب في ضغوط إضافية على وزير الداخلية ورئيس الوزراء وأخيراً الحكومة الفرنسية وتؤدي إلى عواقب سياسية أخرى. كما رأينا مؤخراً، طالبت الأحزاب السياسية في مجلس النواب باستقالة رئيس الوزراء على خلفية تصرفات الشرطة وعنفها وتؤكد أن هذه الحكومة تفتقر لأهلية إدارة البلاد ولا يمكنها التعامل مع المشاكل؛ لذلك يجب أن يستقيل رئيس الوزراء. وإذا حصل ذلك فستتغير الحكومة أيضاً”.
وذكر سفير إيران السابق في فرنسا: “ممارسة العنف من قبل الشرطة الفرنسية ضد المحتجين ليست غير مسبوقة، وقد شهدنا أعمال عنف ومواجهات عنيفة بين الشرطة وقوات الأمن الفرنسية ضد المحتجين في السنوات الماضية، خاصة منذ عام 1960 عندما اندلعت اضطرابات خلال رئاسة الجنرال ديغول، وصولاً إلى اليوم”.
وأردف دلفي قائلاً: “إن دور فرنسا وصورتها كدولة تزعم حقوق الإنسان وحرية التعبير والديمقراطية سيتأثران بهذا العنف، لكن لن يحدث شيء يُذكر في فرنسا فيما يتعلق بالوضع الداخلي. على الرغم من أن مجلس حقوق الإنسان الأوروبي قد أدان أعمال العنف هذه و أن فرنسا وافقت على تشكيل لجنة تحقيق، إلا أنهم في الواقع يحاولون إضفاء مصداقية على أنفسهم بهذه الطريقة. أما الضغوط التي نراها ضد الحكومة فهي سياسية حيث أن الأحزاب السياسية التي فشلت في منع إقرار هذا القانون تنوي من خلال الضغط على الحكومة إحداث مشاكل لها ولماكرون وحزبه للقضاء على حظوظ مرشحهم المحتمل للنجاح في الانتخابات المقبلة”.
وقال: “في هذه الحالة، فإن تضرر صورة فرنسا أو حتى إصدار قرار في أوروبا ضدها وإدانتها لا يحظى بأهمية كبيرة بالنسبة لماكرون. المهم بالنسبة له أن ينقذ نفسه من هذا الوضع بحيث يحتفظ بالرأي العام الفرنسي كداعم لمواصلة سياساته ومساند في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة”.
0 تعليق