المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ رأي: إن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي خاطب فنلندا والسويد بقوله "لا تكلفوا أنفسكم عناء القدوم لأنقرة" لإقناع تركيا، أعلن رفضه الصريح لعضوية الدولتين الإسكندنافيتين في الناتو واللتين قد قررتا إنهاء حيادهما القائم منذ مئات السنين والتوجه للانضمام إلى الناتو على خلفية الهجوم الروسي على أوكرانيا.
بوريا نبي بور ـ دكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية
أكد أردوغان في مؤتمر صحفي عقده مؤخراً أن كلا البلدين يفتقران لرؤية واضحة بشأن المنظمات الإرهابية ولا يمكن الثقة فيهما، متهماً إياهما بإيواء أعضاء حزب العمال الكردستاني (بي. كا. كا) وأتباع فتح الله غولن.
وعلى مدار الـ 40 عاماً الماضية، اعتبرت الحكومة التركية مواجهة بي. كا. كا خطاً أحمر ولم تتوان عن أي مجهود في هذا السياق. و تصر أنقرة على أن كل دولة مرشحة للعضوية في الناتو يجب أن تتفهم وتعترف بالمخاوف التركية بشأن المقاتلين الأكراد سواء داخل تركيا أو خارج حدودها في سوريا والعراق.
كما قد تعهدت تركيا في عهد حزب العدالة والتنمية برفض طلب العضوية في الناتو من طرف كل دولة فرضت عقوبات على أنقرة. فضلاً عن ذلك، تطالب تركيا بإنهاء القيود المفروضة عليها بشأن توريد منتجات الصناعات الدفاعية إليها وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى رغبتها في العودة إلى برنامج مقاتلات إف – 35 الأمريكية باعتبارها أحد أبرز مطالبها؛ حيث قد فُرض حظر على بيع هذه المقاتلات المتطورة لتركيا، بعد شرائها منظومة الدفاع الصاروخي إس – 400 من روسيا.
عليه، يبدو أن القضايا الأمنية والاقتصادية تشكل بعدين رئيسيين للتوتر في العلاقات بين تركيا والغرب (الناتو) وأن الأطراف الرئيسية التي تخاطبها تركيا بشأن هذه التحديات تتواجد في واشنطن. تتجسد أهمية رفض تركيا لعضوية فنلندا والسويد في الناتو في أنه لن يكون بمقدور البلدين الانضمام للحلف إلا بموافقة جميع الدول الأعضاء فيه. لذلك، تحتاج السويد وفنلندا لدعم تركيا من أجل الانضمام للحلف.
يمكن تقييم السياسة التركية الحالية من منظورين محلي ودولي كذلك؛ فرغم أن تركيا ترغب في بناء تعاون وثيق مع الدول الأعضاء في الناتو في مختلف المجالات، لكن في نفس الوقت يسعى أردوغان إلى كسب أكبر تأييد محلي ولذلك، اتخذ موقفاً رافضاً لعضوية السويد وفنلندا بغية إظهار نفسه في صورة قائد أسطوري وفريد في تاريخ تركيا.
وكان قد قال في وقت سابق أنه لن يكرر الخطأ الذي ارتكبته الحكومة العسكرية التركية في عام 1980 عبر السماح بإعادة قبول اليونان في الحلف العسكري. لذلك ورغم احتمال توصل الأتراك والسويديين والفنلنديين لاتفاق فيما بينهم، سيكون لإلحاح أردوغان على المطالب التركية أثر بالغ في إكسابه دعماً محلياً أكبر في الإنتخابات القادمة وإظهاره كزعيم قوي.
أما من المنظور الدولي، فتسعى تركيا إلى تعزيز أمنها والقضاء على جميع الأنظمة التي تهددها وإفقاد معارضيها قدر الإمكان الاحتماء تحت المظلة الأمنية الغربية. من خلال تبني هذه السياسة، تعبر تركيا عن استيائها من الأساليب التي تعتمدها الدول الغربية المتحالفة معها في الظاهر؛ أي الدول التي تسمح بالعناصر المعادية لتركيا بالنشاط على أراضيها وهو ما يتعارض مع روح التحالف ضمن “حلف واحد”.
بإمكان تركيا التي تأسست على أسس حديثة بموجب المادة الثانية من دستورها لعام 1924، أن تتبنى بمعزل عن التوجهات الأيديولوجية وبالتزامن مع العضوية في الناتو دوراً نشطاً في العالم العربي وأن تكون بصفتها عضواً مراقباً في الاتحاد الأوروبي حليفاً للغرب في الحرب الباردة، وأن تتجه في الوقت ذاته نحو بناء تعاون بعيد الأمد مع الشرق وآسيا الوسطى.
لذلك تأمل في أن تحصل على تنازلات أكبر، فضلاً عن إلغاء العقوبات عنها. مع ذلك، يجدر التنبه إلى وجود أواصر إستراتيجية عديدة بين تركيا والغرب ما يحفزها لإدارة مستوى التوترات والخلافات بينها وبين الغرب خاصة دول الناتو، بالتزامن سعيها إلى بناء توازن في علاقاتها الخارجية.
مع ذلك، يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار وجود العديد من المصالح المشتركة بين تركيا وكل من الناتو وروسيا في آن معاً. فالطاقة والأمن والسلاح من المجالات التي تتطلب تعاوناً تركياً متزامناً مع الناتو وروسيا كضرورة لا مفر منها. وعليه، ينبغي اعتبار سياسة التوازن التي تعتمدها تركيا تجاه روسيا والغرب أحد أسباب رفضها لعضوية السويد وفنلندا في الناتو.
0 تعليق