وأشار الدکتور محمود دهقان في حدیثه مع موقع المجلس الإستراتیجي للعلاقات الخارجیة إلی الحوار الهاتفي الذي استمر لمدة 50 دقیقة، بین الرئیسین الأمریکي والروسي، والذي تبادل خلاله الجانبان التحذیرات بشأن اوکرانیا، مصرحاً: استقرت روسیا في بعض المجالات بعد مضي فترة إعادة إعمارها، و في الواقع، استطاع بوتین إظهار قوته الجدیدة علی الساحة الدولیة و فرض هیمنته علی المنطقة، بعد تجاوز بعض القضایا الداخلیة و حل مشاکل هذه الجمهوریة العظیمة.

وتطرق الأستاذ الجامعي إلی أن العقلیة السائدة في روسیا هي أن الولایات المتحدة ستفقد في المستقبل قوتها المهیمنة، ومع هذه النظرة، ستنظم علاقاتها وأفعالها، في مسعی الولایات المتحدة للتغلب علی المنافسات العسکریة و السیاسیة علی المنافسات الإقتصادیة التي لها الید العلیا، مضیفاً: القوة الإقتصادیة للصین والقوة العسکریة لروسیا واللتان تعتبران حالیاً جناحین رئیسیین لإتفاقیة شنغهاي، واجهتا الولایات المتحدة بالتحدیات ونطاق هذه التحدیات آخذ في التوسع شیئاً فشیئاً.

وأشار الأستاذ الجامعي إلی فشل المفاوضات الأمنیة الأمریکیة – الروسیة و زیادة التهدیدات والتوترات بین البلدین بشأن أوکرانیا بعد هذه المفاوضات، قائلاً: یبدو أن ما یضع الجانبین أمام بعضهم البعض، یرتبط بـولادة وارسو الجدیدة؛ وکما أشار إلیها الدبلوماسي الروسي الکبیر اولیانوف، في إطار “منظمة التعاون”، قائلاً إن هذه الهیکلیة الجدیدة يمكنها الدخول في المعادلات في العلاقات بین الغرب والشرق من الناحیة العسکریة والأمنیة و في ذات الوقت للتعاون المتبادل. یبدو أن روسیا تسعی إلی أن تکون  قائدة في ولادة تیار عسکري في المنطقة.

عرض “ عودة الولایات المتحدة  کـحلیفة لأوروبا”

وأضاف الدکتور دهقان: في الظروف الحالیة، یتماشی الترکیز والضغوط التي تمارسهما الولایات المتحدة تجاه أوکرانیا، في إطار عرض “عودة الولایات المتحدة کـحلیفة لأوروبا”. یحاول بایدن أن یظهر أن عهد دونالد ترامب قد انتهی و أن الولایات المتحدة تعتبر الحلیفة والداعمة للمصالح الأوروبیة؛ ولهذا، بشأن أوکرانیا، فهي تقف بحزم أمام روسیا وقد وضعت خطاً أحمراً.

وقال الأستاذ الجامعي: تحاول الولایات المتحدة باتجاه إنضمام أوکرانیا إلی الناتو. و في الواقع، في القضیة الأوکرانیة، وقفت أمریکا، أوروبا والناتو ضد روسیا و إذا كسبت روسیا البطاقة الرابحة، فإنها ستفتح طریقها مجدداً إلی أوروبا و بعدها سیتم عزل الولایات المتحدة في أوروبا إلی الأبد.

وأشار المحلل في الشؤون الدولیة إلی أن القضیة الأوکرانیة أصبحت بؤرة للضغط من الجانبین، مضیفاً: في هذه القضیة، تسعی روسیا تجنب الصراع المباشر مع الولایات المتحدة و لهذا تحاول عن طریق ربط بعض القضایا بها، نقل ساحة التوترات والأخذ والرد.

وتطرق دهقان إلی التهدیدات الأمریکیة بشأن فرض عقوبات جدیدة علی روسیا و بوتین، و کذلک تأکید بوتین علی أن أي عقوبات ضد روسیا، الآن أو في المستقبل، یمکن أن تؤدي إلی قطع کامل للعلاقات بین البلدین و هو خطأ کبیر، مصرحاً: حالیاً، مستوی التوتر بین البلدین مرتفع للغایة، ونظراً لـتواجد القوات الروسیة في أوکرانیا و بعض القضایا السائدة في النقاط الحدودیة، فإن الظروف على الحدود الأوکرانیة حساسة جداً و یتوقع البعض ایضاً ظهور توتر عسکري ومناوشات محدودة.  یواجه الجانبان مواجهة صعبة، و کما شهدنا وجود الغواصات النوویة الروسیة حول المیاه الساحلیة للولایات المتحدة.

وأشار الأستاذ الجامعي إلی مواقف جمهوریة آذربیجان بشأن دعمها لأوکرانيا ضد روسیا تجاوباً مع الولایات المتحدة، و کذلک سعي أمریکا للتحالف مع الآخرین في القوقاز و توريط روسیا في قضایا کازاخستان، متابعاً: ومؤخراً حذر وزیر الخارجیة البولندي من وقوع الحرب في أوروبا، کما تحدثت روسیا عن إمکانیة نشر صواریخها علی الحدود مع أوروبا. ویبدو أن هذه التوترات ستزداد خلال الأشهر القلیلة المقبلة.

وبشأن المیزانیة العسکریة لأمریکا لعام 2022 قال إنها كانت میزانیة هجومیة لایمکن تصورها والتي أثارت إحتجاجات صینیة، مضیفاً: مع إنضمام أوکرانیا إلی الناتو، لاتقبل روسیا محاصرتها من قبل الناتو من ثلاث جهات في البر؛ حیث یتم تقویض مجالها الأمني تماماً. یبدو أن موسکو أقدمت علی رد فعل متقابل في هذه الظروف والتي أدت إلی إثارة غضب الولایات المتحدة و تهدیداتها العسکریة.

وأشار المحلل في الشؤون الدولیة إلی أداء أوروبا فی الأزمة الروسیة ـ الأمریکیة، علی الرغم من إنعدام الثقة بالسلطات الأمریکیة، معتبراً أن البریکست وإنتهاء فترة رئاسة میرکل من عوامل إضعاف الإتحاد الأوروبي، مشدداً علی أن في غضون ذلک، لاتتوافق أوروبا القویة والمتماسکة التي لها اثنين من حق الفیتو، مع المصالح الروسیة والأمریکیة، و في الواقع، تستفاد روسیا من الخلافات بین الدول الأوروبیة. في الظروف الحالیة، تتحدی روسیا أوروبا الضعیفة من خلال أوکرانیا؛ بالإضافة إلی أن أوکرانیا تشعر بالإحباط من أوروبا ایضاً وتسعی الإعتماد علی الولایات المتحدة.

وعلاوة علی ذلک،أقدم الدکتور دهقان علی تبیین الملفات المهمة التی سيتم بحثها من قبل الرئیسین الأمریکي والروسي في إجتماعهما في شهر کانون الثاني/ینایر المقبل، مضیفاً: أوکرانیا کقضیة ظهرت حدیثاً، تختلف تماماً عن عمق التوترات بین البلدین؛ لکن یستخدم کلا الجانبین هذه القضیة کـأداة ضغط لتنظیم التطورات الدولیة.

رغبة الولایات المتحدة و روسیا في تذکیرنا بضرورة الإلتزام بـالتقسیمات

وقال المحلل في الشؤون الدولیة: ما یقال في اللقاءات السریة لقادة الدول و لن یطرح في الإعلام هو التأکید علی ضرورة الإلتزام بالتقسيمات و الجبهات السابقة أو التقسيمات الجدیدة. وفي الواقع، توسیع نطاق الناتو إلی حدود روسیا هو موضوع حساس جداً بالنسبة لبوتین و لایرغب دخول الناتو في المجال الأمني الروسي. من جهة أخری، لاترغب الولایات المتحدة ایضاً، أن یصل مستوی التوتر مع روسیا إلی نقطة يتحول إلى توتر دولي أو تقع حرب.

وحسب قول الإستاذ الجامعي، علی الرغم من أننا نشهد التهدیدات أو زیادة التوتر، لکن قادة البلدین يعلمان جيداً أن إقتصادهما سیتضرر کثیراً من الحرب المباشرة أو الواسعة. ومن ثم، فهم یتنازعون مع بعضهم البعض فقط في مناطقهم بالوكالة، مثل أوکرانیا.

وإعتبر الأستاذ الجامعي المفاوضات النوویة الإیرانیة من الملفات الأخری التي سيتباحث حولها بایدن و بوتین في إجتماعهما المقبل، قائلاً: من وجهة نظر الأمریکیین، فإن إحدی القضایا التي تدخل ضمن مجال التقسيم العالمي هي قضیة ایران. ومع ذلک، خلال هذه المرحلة، جلست روسیا بعقد مدته 20 عاماً والصین بعقد مدته 25 عاماً مع ایران علی طاولة المفاوضات ويشيران إلی أن ایران لیست في الکتلة الغربیة. قسم من هذه التوترات بین الجانبین یتعلق بمثل هذا النوع من المواضیع و یجب أن نری کیف ستقبلها الولایات المتحدة. و قد لعبت روسیا بورقة إیران بالتأکید و ستلعب بها مستقبلاً.