المجلس الأستراتيجي أونلاين ـ رأي: تسعى الحكومات، بصفتها الجهات الفاعلة الرئيسية في النظام الدولي، إلى الحفاظ على البقاء، وتحقيق الأمن، أو تأمين المصالح وتكثيف متطلبات السلطة. في البيئة الفوضوية للنظام الدولي، تتحد الدول وتصطف وتشكل تحالفاً "مع" أو "ضد" دول أخرى حسب التهديدات والصراعات، أو من أجل تأمين المصالح والنفوذ.
عابد أكبري ـ خبير في الشؤون الدولية
مع تكوين النظام الدولي ثنائي القطب وبالتالي عند بداية الحرب الباردة بين القوتين العالميتين؛ الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، كانت التحالفات تدور حول القضايا الأمنية والعسكرية. وبالتالي، تحالفت الحكومات مع إحدى هاتين القوتين العظيمتين في الساحة الدولية أو مع الحكومات الإقليمية الأخرى التابعة لهما من أجل الحفاظ على البقاء وتحقيق الأمن؛ وهكذا، في هذا الوقت، انضمت الحكومات إلى تحالفات رسمية وغير رسمية للحفاظ على أمن كيانها ووجودها، وكان الغرض من هذه التحالفات هو توفير التعاون الأمني العسكري ضد الدول التي شكلت أكبر تهديد للدول الحليفة.
مع انهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة، ظهرت العديد من التهديدات والفرص التي غيرت مكانة الحكومات في النظام الدولي. حيث يتم تشكيل عدد لا يحصى من أنواع التعاون والصراعات بين الحكومات وفقاً لأولوياتها. إذن بما أن الاصطفافات في الوقت الراهن تدور حول مختلف القضايا الأمنية – السياسية والاقتصادية والأيديولوجية، وتتصف بمزيد من المرونة وقليلاً من الالتزام، فقد تغيرت طبيعة الائتلافات والتحالفات أكثر من أي وقت مضى. على سبيل المثال، يمكن النظر إلى زيارة نفتالي بينيت الأخيرة لروسيا ولقائه مع بوتين في سياق التحالفات المؤقتة في البيئة الدولية الحالية، والتي تستند إلى أولويات وأهداف روسيا والكيان الصهيوني في البيئة الإقليمية والنظام الدولي.
تسعى روسيا إلى تشكيل اصطفافات منوعة ومختلفة، باعتبارها قوة عظمى في النظام الدولي دون أن يكون لها هاجس أو قلق إزاء البقاء والأمن الوجودي؛ خصائص هذه الاصطفافات كالتالي: 1. أن تخدم مصالح روسيا؛ 2. تمنح موسكو النفوذ في محيطها وفي النظام الدولي 3. تعزز مكانة روسيا في النظام الدولي ككل؛ نتيجة لذلك، لا يبدو أن موسكو ملتزمة بتحالف طويل الأمد في منطقة غرب آسيا.
على عكس روسيا، فإن الهدف الأول والأكثر أهمية للكيان الصهيوني في التعاون مع الحكومات هو الحفاظ على البقاء وكسب الأمن الوجودي في منطقة غرب آسيا ضد حكومات مثل إيران ومحور المقاومة، التي تعتبر الكيان الصهيوني نظاماً مزيفاً؛ لذلك، فإن دور روسيا كحكومة اصطفت مع طهران في كثير من الحالات (مثل تحالف طهران وموسكو في الأزمة السورية والتعاون في الملف النووي الإيراني) مهم للكيان الصهيوني. هدف تل أبيب هو منع مزيد من التقارب بين إيران وروسيا في المنطقة. بينما لطهران وموسكو مصالح مشتركة في منطقة آسيا الوسطى أكثر من أي وقت مضى؛ و مع ذلك، فإن الحليف الرئيسي للنظام الصهيوني، الولايات المتحدة، قد غادر لتوه أفغانستان، ووصلت طالبان إلى السلطة، الأمر الذي كان له عواقب على ذلك الكيان؛ لأن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان يعني جرأة خصوم واشنطن في البيئة الإقليمية.
في غضون ذلك، تجدر الإشارة إلى أن هدف روسيا في العلاقات والتعاون مع الكيان الصهيوني هو كسب الفوائد وزيادة نفوذها. فمن ناحية، تسيطر موسكو على تعزيز قوة طهران في سوريا بالتزام الصمت أو إعطاء الضوء الأخضر لهجمات الكيان الصهيوني ضد مصالح إيران في سوريا، الأمر الذي يعبّر بطريقة ما عن سياسة خلق توازن بين إيران والكيان الصهيوني؛ و من ناحية أخرى، تساهم في تعزيز نفوذ روسيا ومكانتها في المنطقة والنظام الدولي من خلال الحفاظ على العلاقات البارزة والاصطفاف مع أهم حليف للغرب في منطقة غرب آسيا.
بشكل عام، مع تغيّر الظروف الإقليمية والدولية، وبالتالي تغير فرص الحكومات وتهديداتها، تتغير علاقاتها، خاصة داخل الإئتلافات والتحالفات، تماماً كما يمكن أن يؤدي تغيير الأولويات الإقليمية والدولية لروسيا والكيان الصهيوني في المستقبل إلى تقاربهما أو تباعدهما عن بعضهما البعض.
0 تعليق