المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ رأي الضيف: في 18 أغسطس/ آب، استضاف الرئيس الأمريكي نظيريه الياباني والكوري الجنوبي في كامب ديفيد بولاية ميريلاند، بهدف تبادل وجهات نظر الدول الثلاث حول القضايا الأمنية المهمة مثل البرنامج الصاروخي لكوريا الشمالية وتنامي المخاوف بشأن أنشطة الصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
الدكتور محمد مهدي مظاهري ـ أستاذ جامعي
أجبرت أهمية هذه القضايا اليابان وكوريا الجنوبية على تنحية خلافاتهما القديمة جانباً، والانضمام إلى الولايات المتحدة في تحالف ثلاثي والاتفاق على الالتزام بالتشاور في حالة حدوث أزمة أمنية إقليمية.
هذا الاجتماع والاتفاق الأمني الذي نتج لم يكن سابقة؛ في الحقيقة، لقد جرت محاولات عديدة من قبل لتأسيس هذا الاتفاق، لكن بسبب الخلافات التاريخية والقضايا التي لم يتم حلها والمتعلقة بالحرب العالمية الثانية، لم تتجاوز هذه المحاولات حد التفاوض وتعثرت حتى تم التوصل في نهاية المطاف إلى اتفاقية أمنية متعددة الوظائف في عام 2016. إلا أن هذه الاتفاقية لم تدُم بعد عام 2019؛ حيث أدت زيادة الخلافات بين اليابان وكوريا الجنوبية بسبب القضايا التاريخية التي لم يتم حلها، وامتداد هذه الخلافات إلى المجال الاقتصادي وتطبيق اليابان ضوابط تجارية صارمة على كوريا الجنوبية، إلى إعلان الأخيرة في أغسطس 2019 أنها لن تجدد الاتفاقية الأمنية.
التحالف الأمني الأمريكي – الياباني – الكوري الجنوبي؛ نواة أولية للناتو الآسيوي
وبناء على ذلك، يمكن القول إن هذه القمة والاتفاق الذي نتج عنها كان بمثابة نجاح نسبي للسياسة الخارجية لإدارة بايدن، التي أظهرت تصميم الولايات المتحدة على تعزيز علاقاتها مع حلفائها في آسيا، مما يمكنها من استعادة ثقة الحلفاء الشرقيين وتكوين تحالف للتعامل مع خصوم واشنطن وأعدائها. لكن بعيداً عن أهداف الولايات المتحدة ومصالحها، فإن النقطة الأساسية هي: ما التأثيرات التي قد تتركها هذه المعاهدة على أمن منطقة شرق آسيا وكيف ستنظر إليها مختلف البلدان في المنطقة؟
أولاً؛ بما أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) وضع في الأشهر الأخيرة ضم دول أوروبية جديدة على جدول أعماله بحجة الأزمة في أوكرانيا وروسيا، يبدو أن الاتفاق الأخير بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية هو أيضاً شكل من أشكال توسيع حلف شمال الأطلسي في الشرق ومحاولة غير محسوسة لهذه المنظمة للتواجد في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وتطوير نفوذها السياسي والعسكري فيها، من خلال تسليط الضوء على “تهديدات كوريا الشمالية والصين”. وفي هذا الصدد، فإن الخطوة الأولى هي محاولة الولايات المتحدة استقطاب اليابان وكوريا الجنوبية لمواجهة القوة المتنامية للصين والتحركات المهددة من قبل كوريا الشمالية.
إن تفهّم هذه الحقيقة جعل هذا الاتفاق يشكل عاملاً استفزازياً لدول شرق آسيا الأخرى، وخاصة كوريا الشمالية، بدلاً من أن يزيد الأمن والاستقرار كما زعم أعضائها. علاوة على ذلك، أشارت كوريا الشمالية إلى هذا الاتفاق الثلاثي باسم “الناتو الآسيوي”، كما أمر الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون بتعزيز القدرات الدفاعية لبلاده رداً عليه.
من ناحية أخرى، ورغم أن رأس حربة هذا الاتفاق الأمني يستهدف كوريا الشمالية، فإن هذه القمة في الحقيقة تستهدف أيضاً الخصمين الاستراتيجيين للولايات المتحدة، وهما الصين وروسيا؛ وهو ما يجعل البلدين يشعران بالقلق إزاء نفوذ الولايات المتحدة وحلفائها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. من وجهة نظر الصين، يُعتبر هذا الاتفاق محاولة للحد من نفوذها في شرق آسيا، ويمكن أن يؤدي إلى إنشاء تحالف عسكري مناهض لها في المستقبل القريب، ويعزز التعاون بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية في مجالات التكنولوجيا والاقتصاد، من خلال عزل الصين وتقييد مصالحها.
أما المسؤولين في الكرملين، فيرون هذا الاتفاق تهديداً للأمن القومي الروسي؛ إذ أن ميناء فلاديفوستوك، الواقع في جنوب شرق روسيا، هو الميناء الوحيد في هذه الدولة الشاسعة بجوار البحر المفتوح وتحيط به دولتي كوريا واليابان. إبرام هذا الاتفاق يوفر أرضية لمزيد من التعاون بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية ونتيجة لذلك، سيتم عسكرة وأمننة المياه المتاخمة لهذا الميناء الرئيسي. من الطبيعي أن تشكل مثل هذه التطورات خطورة على الأمن القومي الروسي.
بناء على ذلك، يمكن القول إن هذا الاتفاق هو رمز لتحالف جديد بقيادة الولايات المتحدة وتصميم شبكة أمنية قوية لحلفائها في شرق آسيا ضد القوى الناشئة المتمثلة في الصين وروسيا، فضلاً عن احتواء كوريا الشمالية. إذا استمر هذا التحالف ولم تتغير طبيعته نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية في عام 2024، فإنه سوف يتسبب في سلسلة من التحديات الجديدة بين الشرق والغرب في العقد المقبل، وسوف يؤدي إلى سباق تسلح وحرب باردة بين القوى البارزة في هذه المنطقة، أكثر من أن يتسبب في إرساء السلام والهدوء في منطقة آسيا والمحيط الهادئ؛ تماماً مثل الظروف والأجواء التي خلقها التحالف بين الولايات المتحدة والدول العربية في منطقة الخليج الفارسي في العقود الماضية في منطقة غرب آسيا.
0 تعليق