المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ رأي: لا تزال سوريا إحدى أولويات واشنطن في منطقة غرب آسيا وتسعى الإدارة الأمريكية إلى "الحفاظ" على وجودها العسكري والسياسي في سوريا تحت أي ذريعة.
حميد خوش آيند ـ خبير في الشؤون الإقليمية
قال “جيفري ديلورينتيس” نائب المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، في الاجتماع الاخير لمجلس الأمن (29 يونيو) حول سوريا، إن الولايات المتحدة تريد “تمديد” آلية استخدام معابر باب الهوى وباب السلام والراعي في سوريا لمدة عام حتى لا تتوقف ما سماه بإرسال المساعدات الإنسانية التي يحتاجها الشعب السوري!
وقال ديلورينتيس في هذا الاجتماع إن “حكومة بشار الأسد قررت جعل وصول الأمم المتحدة أمراً غیر قابل للتنبؤ وهو قرار سيعاني الشعب السوري من تداعياته. كما أنه ليس هناك ما يشير إلى أن نظام الأسد يعتزم توفير وصول غير مقيد للأمم المتحدة”!
في الأسابيع الأخيرة، تم تقديم قرارين في مجلس الأمن في هذا الصدد ؛ أولاً، اقترحت سويسرا والبرازيل (عضوان غير دائمين في مجلس الأمن) قراراً بتمديد عمل الآلية في معبر باب الهوى على الحدود السورية التركية لمدة 12 شهراً. هذا القرار، الذي أيدته الولايات المتحدة وأوروبا، قوبل بالرفض بامتناع الصين عن التصويت وفيتو روسيا.
وقدمت روسيا قراراً ثانياً طلبت فيه إبقاء معبر باب الهوى الحدودي مفتوحاً لمدة 6 أشهر، غير أن الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا رفضته.
رغم ذلك، وافقت الحكومة السورية انطلاقاً من اعتبارات إنسانية ولغرض إدارة القضايا والمشاكل التي سببها الزلزال الأخير على إبقاء معبر باب الهوى مفتوحاً لمدة 6 أشهر. أصبح هذا المعبر، المرتبط بحياة نحو 3 ملايين شخص ، وهو آخر قاعدة للإرهابيين المدعومين من تركيا في سوريا، أكثر أهمية بعد زلزال فبراير بسبب الحاجة لتلقي مساعدات خارجية.
بينما تزعم الولايات المتحدة أن حكومة الأسد تمنع المساعدات الإنسانية وتضعف آلية إرسالها عبر الحدود، فإن هذا البلد يخضع “لعقوبات قاسية وشاملة” من قبل الولايات المتحدة وأوروبا منذ سنوات.
منذ أكثر من عقد من الزمان شكلت العقوبات الأمريكية والأوروبية “العقبة الرئيسية” أمام أي مساعدة للشعب السوري، خاصة في أوقات الأزمات؛ حتى أنه في الزلزال السوري الأخير تسببت العقوبات في إلحاق أضرار جسيمة بالسوريين. هذا بالإضافة إلى الأضرار غير المباشرة للعقوبات التي فُرضت على الشعب السوري على مدار هذه السنوات.
أما إصرار الولايات المتحدة على فتح المعابر السورية فهو “أداة وذريعة” يسعى البيت الأبيض من خلاله إلى تحقيق أهدافه العسكرية والاقتصادية والسياسية.
إن “سرقة” موارد النفط السورية هي إحدى الخطط الأمريكية المهمة. اليوم، تفعل الولايات المتحدة نفس ما فعلته داعش في سوريا؛ أي الاستخراج غير المشروع للنفط ونهبه. فكما كان النفط السوري أحد مصادر الدخل الرئيسية لداعش حتى عام 2017، هو اليوم أحد مصادر الدخل والتمويل بالنسبة للولايات المتحدة في سوريا.
تمتلك الولايات المتحدة حالياً 30 قاعدة عسكرية تضم 3000 عنصر في سوريا، 29 منها تقع في مناطق يسيطر عليها الأكراد وواحدة في منطقة التنف جنوب شرق سوريا. سرقة النفط السوري وتحويله إلى عملاء أجانب عبر المنافذ الحدودية العراقية والتركية هي إحدى طرق “توفير جزء من تكاليف” القوات والقواعد الأمريكية في سوريا. على سبيل المثال، في النصف الأول من عام 2022، سرقت القوات الأمريكية حوالي 80٪ من موارد سوريا النفطية يومياً (66 ألف برميل من أصل 80 ألف برميل من إنتاج النفط اليومي)، ولا تزال هذه الممارسة مستمرة إلى حد ما!
بالإضافة إلى ذلك، منذ 2014، عندما كان تنظيم داعش ناشطاً في البلاد، أصبح شرق وشمال شرق سوريا مركزاً لوجود ما يسمى بقوات سوريا الديمقراطية (قسد) تحت إشراف الولايات المتحدة. قسد هي واحدة من “أدوات” الولايات المتحدة “للعب دور” في التطورات الداخلية في سوريا و “استغلال” هذا البلد بشكل شامل.
من هذا المنظور، فإن إصرار الولايات المتحدة على تمديد آلية المعابر الحدودية لمدة عام واحد هو في الحقيقة وسيلة للتعويض عن تكاليف هذه القوات غير الشرعية وغيرها من الجماعات المتحالفة معها في سوريا، والتي تعمل بطريقة ما “كراعية لمصالح واشنطن”.
من الواضح تماماً أن الولايات المتحدة تسعى إلى “الحفاظ على وتعزيز” نفوذها السياسي والاقتصادي والعسكري في سوريا من خلال تمديد عمل معابر باب الهوى وباب السلام والراعي الحدودية. لذلك، فإن إبقاء هذه المعابر مفتوحة على المدى الطويل له وظيفتان رئيسيتان بالنسبة للولايات المتحدة؛ أولاً، تسهيل “احتلال الولايات المتحدة لحقول النفط السورية” وبالتالي سرقة النفط. ثانياً، تعزيز عملية “الوجود والنفوذ السياسي والاقتصادي والعسكري والأمني للولايات المتحدة في سوريا”.
وبحسب ما ورد، يبدو أن مقاربة الحكومة السورية بشأن المعابر المذكورة “منطقية” باستثناء الاعتبارات الإنسانية. إن فتح المعابر بالطريقة التي تصر عليها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا “يتعارض” مع مصالح سوريا وأمنها القومي بل ويساهم في “تقوية الجماعات الإرهابية” في هذا البلد.
على سبيل المثال، معبر باب الهوى الحدودي الواقع على حدود سوريا وتركيا، وهو أحد قنوات إرسال المساعدات الخارجية والإنسانية، يخضع لسيطرة إرهابيي هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) ومجموعات إرهابية أخرى متحالفة معها، والذين يحاولون “مصادرة” المساعدات المرسلة عبر هذا المعبر قدر الإمكان. لذلك، فإن هذه المساعدات لا تصل إلى الشعب السوري، بل تقوي الإرهابيين في هذا البلد.
إذا كانت الولايات المتحدة وأوروبا تهتمان بمساعدة الشعب السوري فالحل الحقيقي والفعال هو “رفع العقوبات”. وإلا فيجب أن تمر أي مساعدات إنسانية من خلال الحكومة السورية.
أما النقطة المهمة الأخرى هي أن التطورات الميدانية والسياسية في سوريا في وضع مناسب. فقد اجتازت سوريا الأزمة الأمنية والعسكرية والإرهاب وسرعان ما دخلت مرحلة إعادة الإعمار و “تطبيع العلاقات الخارجية”. وعلى وجه الخصوص، فإن عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية ورحلة بشار الأسد إلى السعودية والزيارات المستمرة للوفود الدبلوماسية والتجارية العربية إلى هذا البلد تشير إلى “فشل المشروع الغربي في سوريا”.
بالنظر إلى أن إحياء سوريا سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وأمنياً يؤدي إلى “تقليص دور وملعب” الولايات المتحدة في سوريا. لذلك، من الطبيعي تماماً أن تسعى واشنطن، التي فرضت عقوبات قاسية على سوريا، إلى إبقاء بعض الطرق مفتوحة في مناطق مهمة من البلاد بحجة حقوق الإنسان والمساعدات الإنسانية لتحقيق أهدافها.
0 تعليق