المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ حوار: قال خبير في القضايا الدولية إن روسيا، بانسحابها من معاهدة الأسلحة التقليدية في أوروبا والاتفاقيات العسكرية الأخرى، تعمل على إضفاء طابع من الغموض على حقيقة قدراتها العسكرية، قائلاً: "خلق حالة من الغموض بشأن القدرات العسكرية حدث سابقاً في أيام الحرب الباردة، ونحن الآن نشهد بدء حرب باردة جديدة بين روسيا والغرب".
في حوار مع موقع المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية، اعتبر مهدي شابوري قرار روسيا الانسحاب من معاهدة الأسلحة التقليدية في أوروبا خطوة في باتجاه تنامي التوتر بين روسيا والغرب بشأن أوكرانيا موضحاً: “الطرفان دخلا في خلافات ليس فقط منذ بداية الحرب ولكن منذ ذلك اندلاع أزمة عام 2014 والتي أدت بمرور الوقت إلى تدمير العديد من المؤسسات والأنظمة الدولية التي كان الطرفان أعضاء فيها وقللا أو أوقفا التعاون في ما بينها في هذا الإطار. كما أن العديد من المعاهدات التي كانت تحكم المنافسة العسكرية أو تحد منها قد تأثرت بهذه الحرب”.
وذكر أن روسيا تعتقد أن الغرب لم يأخذ في الاعتبار مصالح روسيا في القضية الأوكرانية وينوي تهديد أمنها القومي، لا سيما من خلال محاولة توسيع حلف شمال الأطلسي إلى الشرق، قائلاً: “مع بدء الأزمة الأوكرانية واندلاع الحرب وبالنظر إلى العلاقات الواسعة التي نشأت بين أوكرانيا وحلف الناتو، تم تقويض الحاجز الأمني الذي كانت روسيا تريد وجوده بينها وبين حلف الناتو. اليوم، الجيش الأوكراني قد أصبح جيشاً ذا بنية تحتية غربية ومعتمداً على حلف شمال الأطلسي أكثر من أي وقت مضى، ولم يعد النمط الروسي أو البنية التحتية الروسية تغلب عليه كما كان في الماضي”.
وصرح عضو هيئة التدريس بمعهد الدراسات الإستراتيجية أن هذه المعاهدة وقعت في باريس عام 1990 ووقعت نسختها المحدثة في عام 1999 في اسطنبول خلال اجتماع رؤساء الدول الأعضاء في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، مضيفاً: “نسخة منقحة من هذه المعاهدة تم التصديق عليها من قبل أربع دول هي روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان وأوكرانيا، لكن في عام 2007 أعلنت روسيا أنها ستعلق مشاركتها في معاهدة الأسلحة التقليدية في أوروبا حتى تصادق دول الناتو على اتفاقية منسجمة معها وتبدء في تنفيذها بحسن نية. أما اليوم فقد انسحبت روسيا من تلك المعاهدة تماماً”.
وأشار شابوري إلى تصريحات المتحدث باسم الكرملين بأن إنهاء هذا الاتفاق لن يكون له عواقب مباشرة؛ وبشأن احتمال دخول الحرب في أوكرانيا مرحلة جديدة، بحسب تصريحات لافروف، وزير الخارجية الروسي، الذي صرح إن المواجهة الحادة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة قد بدأت، قال: إن هذا الإجراء تم في إطار استمرار تصعيد التوتر بين الطرفين، والوعود التي قطعتها الدول الغربية بتقديم أسلحة جديدة لأوكرانيا كانت أيضاً مؤثرة جداً في ما حصل”.
وبحسب الخبير في الشؤون الدولية، فإن العلاقات الأمنية بين روسيا والغرب، مهما كانت، قد قطعت بمرور الوقت بسبب أزمة أوكرانيا والحرب، وجميع الأنظمة والمؤسسات التي يمكن أن تسيطر على المنافسة العسكرية بين الطرفين من خلال إقامة تعاون أمني بينهما، فقد تضررت. وحتى على الرغم من أنه بعد مجيء بايدن في الولايات المتحدة مدد الطرفان اتفاقية ستارت الجديدة لمدة خمس سنوات، انسحبت روسيا منها كذلك.
وأوضح شابوري أننا نشهد حرباً باردة جديدة بين روسيا والغرب قائلاً: “على الرغم من أن روسيا ليست في موقف الاتحاد السوفيتي ضد الغرب لأن الاتحاد السوفياتي كان أقوى بكثير من روسيا لكن هذا الوضع يحدث وأهم ما فيه هو سباق التسلح وخلق الغموض في مجال الأسلحة النووية التقليدية. من خلال الانسحاب من معاهدة ستارت الجديدة ومعاهدة الأسلحة التقليدية في أوروبا، تخلق روسيا نوعاً من الغموض بشأن قدراتها العسكرية، وهذا الغموض موضوع مهم في الدراسات الإستراتيجية والردع وهو يبعث برسالة إلى الطرف الآخر بأنه لا يسمح بالتعرف على حجم ونوع أسلحة بعضهما البعض”.
وتابع: “نشأت حالة عدم الغموض هذه أيضاً في الحرب الباردة، والتي تقلصت بشكل كبير من الستينيات فصاعداً بتوقيع اتفاقيات الحد من الأسلحة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. وضع الجانبان حداً للأسلحة الإستراتيجية ووقعا معاهدات بشفافية. هذه الشفافية يمكن أن تجعل المنظور الأمني أكثر وضوحاً للأطراف. لكن مع زوال أنظمة الحد من التسلح، بدأت حالة الغموض تعود”.
وذكر عضو هيئة التدريس في معهد الدراسات الإستراتيجية: “في حين أن العديد من هذه الإجراءات رمزية وقد لا يكون لها عواقب إستراتيجية خطيرة في العلاقات بين الجانبين تظهر قريباً جداً ويمكن رؤيتها بشكل فعلي لكن هذا جزء من معادلة الردع التي تلقي بظلالها مرة أخرى على العلاقات بين روسيا والغرب في شكل الحرب الباردة. من خلال هذا الإجراء الرمزي، تحاول روسيا بطريقة ما الرد على قرار الطرف الآخر بتسليح أوكرانيا بأسلحة جديدة؛ ومن خلال خلق حالة الغموض تؤكد أنها غير ملتزمة بضمان أمن أوروبا وأن أي شيء قد يحدث في العلاقات الثنائية”.
في الوقت نفسه، أكد شابوري أن اندلاع الحرب بين الجانبين مستبعد حالياً لكن نتيجة هذه الإجراءات هي تصعيد التوتر بين الجانبين، مردفاً: “قد تتجه روسيا نحو معادلات عسكرية جديدة فيما يتعلق بالغرب. قد تزيد من أسلحتها النووية أو التقليدية أو تنشر المزيد من الأسلحة في بعض المناطق. ليس من الواضح كيف ستؤثر هذه التطورات على مصالح روسيا، لكن يبدو أنه في الوضع الحالي ستستخدم كل أدواتها فيما يتعلق بالغرب”.
ووصف خطورة الانقطاع الأمني والسياسي والاقتصادي وحتى الثقافي بأنه غير مسبوق في تاريخ العلاقات بين روسيا والغرب، وأضاف: “إلى حين اتضاح مصير الحرب، التي يبدو أنه ستشتد وستتواصل، ستستمر الأجواء في التدهور. في الوقت الحالي، لم تبقَ تقريباً أي معاهدة أو نظام يمكن للجانبين من خلالها السيطرة على والحد من المنافسة بينهما، خاصة في المجالين العسكري والنووي. بسبب تراجع كمية المعلومات والتعاون بين الطرفين، قد تخرج المنافسة عن نطاق السيطرة وتؤدي إلى تصعيد التوتر وحتى اندلاع الصراع باحتمال أقل”.
واختتم قائلاً: “يرسل الغرب أسلحة مهمة للغاية إلى أوكرانيا، وروسيا تستخدم كل إمكانياتها. موسكو في مأزق إستراتيجي لا يمكن الخروج منه إلا من خلال الدبلوماسية، لكنها الآن ليست على استعداد للدخول في هذا المسار اعتقاداً منها بأنها قوة عظمى؛ لكنها لم تحقق ما أرادته في أوكرانيا، وبالتالي فهي تواصل الأسلوب القديم. إن فهم مسؤولي موسكو لموقع روسيا يجعل من الصعب عليهم الانخراط في الدبلوماسية”.
0 تعليق