المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ حوار: أكد خبير في الشؤون الأوروبية: "إن ما طرحه الأوروبيون من تحذيرات بشأن استنفاد احتياطيات أوروبا العسكرية والتعبير عن الأمل في انتهاء الحرب في أوكرانيا وبدء المفاوضات، ينبغي تحليله في إطار مطالبهم لكنهم غير قادرين على تحقيق هذا المطلب وهم يعتمدون بشكل كبير على الولايات المتحدة من ناحية القدرات العسكرية".
في حوار مع موقع المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية، أشار مرتضى مكي إلى تحذيرات ومخاوف المسؤولين الأوروبيين من استنفاد احتياطيات أوروبا العسكرية لمساعدة أوكرانيا وتأكيد بعضهم في نفس الوقت على ضرورة مواصلة الحرب، قائلاً: “أدى هجوم روسيا على أوكرانيا إلى ردم الفجوة والخلاف بين أوروبا والولايات المتحدة حول كيفية التعامل مع موسكو. كان باعتقاد الألمان والفرنسيون أنه يجب أن يكونوا قادرين على التأثير على روسيا – كتهديد لأوروبا – من الداخل عبر علاقات اقتصادية قوية معها”.
وذكر أن الولايات المتحدة كانت تؤمن أكثر باحتواء روسيا داخل حدودها، موضحاً: “في نهاية المطاف، استفزت سياسة الولايات المتحدة روسيا لمهاجمة أوكرانيا، وأصبح الأوروبيون في موقف لم يكن لديهم فيه خيار سوى مسايرة الولايات المتحدة والاصطفاف معها لمساعدة أوكرانيا في مواجهة روسيا. هذا الوضع خطير للغاية بالنسبة لأوروبا”.
وقال الخبير في الشؤون الأوروبية: “اليوم وبعد مرور أكثر من 9 أشهر على الحرب، الأوروبيون مهتمون جداً بإنهاء الحرب في أسرع وقت ممكن. التحذيرات المتكررة بشأن استنفاد الاحتياطيات العسكرية وعدم قدرة أوروبا على إرسال المزيد من المساعدات إلى أوكرانيا هي علامات على أنهم مهتمون جداً بإنهاء الحرب الروسية في هذه المرحلة أو بوقف إطلاق النار لتهيئة الظروف للحوار والتفاوض مع روسيا. وحتى لو لم يكن الروس مستعدين للانسحاب من أوكرانيا، فهذا هو ما يرغب الأوروبيون فيه من صميم القلب”.
وتابع مكي: “رغم رغبة أوروبا في ذلك، إلا أن الواقع الميداني شيء مختلف. على أي حال، حصلت الولايات المتحدة على فرصة ذهبية لاحتواء وإضعاف روسيا وهي ليست على استعداد لتضييع هذه الفرصة بأي شكل من الأشكال. كان اقتراح جو بايدن بالتفاوض مع روسيا بشرط الانسحاب من أوكرانيا رسالة واضحة للأوروبيين بأنه بدون انسحاب الروس، لا توجد طريقة للتفاوض والتحدث مع الروس”.
وإذ أشار إلى التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الأمريكي بأن “الحرب في أوكرانيا ستنتهي من خلال الدبلوماسية والمفاوضات ويجب أن نرى سلاماً عادلاً ودائماً”، أضاف: “خلال زيارة الرئيس الفرنسي للولايات المتحدة، شدد البيت الأبيض على الاستمرار على دعم هذا الموقف وأعلن فعلاً أنه من غير الممكن تنفيذ وجهات نظر ماكرون وشولتز بشأن السعي إلى التفاوض مع بوتين في الوضع الحالي”.
وقال محلل الشؤون الأوروبية: “التصريحات الأخيرة لجوزيف بوريل، مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، والمواقف التي اعترف فيها المسؤولون الأوروبيون بمواصلة محادثاتهم مع بوتين، وتأكيد ماكرون على ضرورة التحدث مع الرئيس الروسي، تظهر أنهم يتطلعون إلى إدارة الموقف من خلال الحوار. لكن موقف الروس الرافض لشرط الانسحاب من أوكرانيا لبدء المحادثات، لا يرسم صورة واضحة لمستقبل هذه الأزمة مما يعني استمرار هذه الحرب في ظروف ضبابية”.
ولفت مكي إلى تأكيد فرنسا على ضرورة تقديم ضمانات لروسيا في إطار الهيكل الأمني المستقبلي لأوروبا، قائلاً: “مثل هذه الآراء كانت تُسمَع من فرنسا قبل حرب أوكرانيا أيضاً، لكن تم تهميش هذا التوجه في الوضع الحالي. يركز الأمريكيون بشكل أكبر على توسيع الناتو لاحتواء روسيا. حتى أثناء الهجوم الروسي على جورجيا عام 2008، كان ساركوزي هو من حاول إدارة الأزمة ومنع استمرارها بزيارات مكوكية بين تبليسي وموسكو، ونجح إلى حد ما”.
وأردف قائلاً: “لكن الأمريكيون ليسوا على استعداد لتبني مثل هذا التوجه تجاه أزمة أوكرانيا. في عام 2008 أكدت ميركل وساركوزي أن قضية قبول أوكرانيا وجورجيا لعضوية الناتو يجب تأجيلها إلى مستقبل غير معلوم وقد اتُخذ هذا القرار فعلاً. لكن استمرت الخلافات في وجهات النظر بهذا الشأن وظلت الولايات المتحدة بصفتها الممول الرئيسي لميزانية الناتو تصر على توسيع الحلف حتى إلى الجمهوريات السوفيتية السابقة”.
في إشارة إلى تصريحات المستشار الألماني الذي قال إننا “نريد الاعتراف بروسيا كدولة أوروبية كبرى والتعاون الاقتصادي معها بعد انتهاء الحرب في أوكرانيا”، صرح الخبير في الشؤون الأوروبية: “من خلال هذه الوعود يسعى أولاف شولتز إلى تشجيع روسيا على الحوار والانسحاب من أوكرانيا وإثارة الأمل في أن الظروف بين روسيا وأوروبا يمكن أن تعود إلى حد كبير لما كانت عليه قبل الهجوم على أوكرانيا؛ لكن المشهد الميداني في أوكرانيا ونوع المواجهة بين الولايات المتحدة وروسيا لا يرسمان مثل هذا المنظور”.
وذكر مكي: “قدرة الأوروبيين على المناورة منخفضة جداً. فقد كانوا قبل الحملة الروسية على أوكرانيا، يعتقدون أنهم يستطيعون تحقيق أهدافهم من خلال القوة الناعمة وجذب روسيا وإدارتها واحتوائها. وتأتي تصريحات شولتز بشأن خلق أرضية للحوار في إطار مينسك في هذا السياق أيضاً وبهدف شراء الوقت في العلاقات مع روسيا. لم يصرح الأوروبيون أبداً بأن روسيا هي شريكهم الإستراتيجي بل كانوا يشددون على أن السبيل لتغيير سلوك روسيا هو توسيع التعاون”.
وأضاف: “تعبير الأوروبيين عن الأمل في انتهاء الحرب في أوكرانيا وبدء المفاوضات، ينبغي تحليله في إطار مطالبهم، لكن هل هم قادرون على تحقيق هذا المطلب فهؤلاء يعتمدون بشكل كبير على الولايات المتحدة من الناحية العسكرية وأظهرت الأزمة الأوكرانية عمق وتداعيات هذا الاعتماد”.
واختتم مكي مؤكداً: “تفاقم هذا الوضع بسبب الحرب في أوكرانيا، وكان من تبعات هذه الحرب إظهار عمق اعتماد أوروبا على الولايات المتحدة. الأوروبيون ليسوا في وضع يسمح لهم بتولي وضع السياسات وإدارة الأزمة في أوكرانيا، ولا يوجد أمامهم خيار سوى التنسيق والاصطفاف مع الولايات المتحدة فيما يتعلق بالأزمة في أوكرانيا”.
0 تعليق