المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ حوار: وصف خبير في الشؤون السعودية محاولة الرياض التقارب والتعاون مع مجموعة بريكس على أنها استمرار لإستراتيجيتها في النأي بنفسها عن الولايات المتحدة والغرب، قائلاً: "الرياض لا ترغب في إعطاء أموال مجانية ضخمة لدول مثل باكستان والأردن والسودان ومصر ودول أخرى كما كان في الماضي. لقد انتهى عهد الشيكات السعودية على بياض لتلك الدول؛ واليوم تريد الرياض أن تجني فوائد إنفاقاتها إذا ما قدمت مساعدة ما".
في حوار مع موقع المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية، قال أمين برتو إنه في ما يتعلق بمشاركة السعودية في قمة مجموعة بريكس في جنوب إفريقيا وجهودها للانضمام إلى بنك التنمية التابع لبريكس: “تضم مجموعة بريكس خمسة اقتصادات ناشئة رئيسية، وهي البرازيل والصين والهند وجنوب إفريقيا وروسيا. وعضوية السعودية في هذه المجموعة تحظى بالأهمية”.
وتابع: “يقع المقر الرئيسي لبنك بريكس للتنمية في شنغهاي بالصين وهو بنك متعدد الجنسيات يدعم المشاريع والتنمية المستدامة في البلدان الأعضاء من خلال تمويل مشاريع البنية التحتية العامة أو الخاصة بالقروض والمشاركة في رأس المال والضمانات. بالإضافة إلى الدول الخمس الرئيسية، فإن الإمارات وأوروغواي وبنغلاديش أيضاً أعضاء في هذا البنك، والآن تسعى السعودية الانضمام إليه. وقد وافق مجلس إدارة البنك على عضوية الأرجنتين أيضاً في هذا البنك، كما أن مصر على بعد خطوة واحدة من الانضمام إليه”.
صرح عضو هيئة التدريس بمعهد الدراسات الإستراتيجية أن عدد سكان دول بريكس يقارب 40٪ من سكان العالم وهي تملك ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي، مضيفاً: “السعودية هي أكبر شريك شرق أوسطي لهذه المجموعة ولها علاقات تجارية واسعة مع دول بريكس، حيث ارتفع إجمالي التجارة الثنائية بين السعودية ودول هذه المجموعة من 81 مليار دولار في عام 2017 إلى 128 مليار دولار في عام 2021، ويقال إن هذا الرقم قد تجاوز 160 مليار دولار في عام 2022”.
وأضاف برتو: “بالنظر إلى أن أعضاء هذا البنك يمكنهم استخدام عملاتهم الوطنية في المعاملات التجارية، فإن انضمام الدول إلى بنك تنمية بريكس سيقلل من الضغط الناجم عن إيجاد الدولار الأمريكي على ميزانيات البلدان لتمويل وارداتها وسيساعدها في التغلب على ارتفاع الأسعار، والتضخم والنقص الحاد في الدولار. بالإضافة إلى ذلك، في عام 2022، صرح بوتين في قمة بريكس أن دول بريكس ستطلق عملة احتياطية عالمية جديدة تتكون من سلة عملات البريكس”.
وإذ أشار إلى الأخبار التي تتحدث عن أن السعودية تتفاوض مع الصين لاستخدام اليوان في مدفوعاتها، تطرق إلى العقبات العديدة والخطيرة التي تواجه الدول في الحد من استخدام الدولار، مردفاً: “جهود السعودية للتقارب والتعاون مع بريكس هو استمرار لسياسة الابتعاد عن الولايات المتحدة. لا تزال الرياض تنتقد نهج واشنطن وبروكسل تجاه نفسها، لا سيما فيما يتعلق بالعقوبات والضغوط التي تعرضت لها. أظهرت السعودية أنها قد تتخذ خطوات مستقلة للاقتراب من منافسي الولايات المتحدة وأوروبا”.
وقال الخبير في الشؤون السعودية أن الرياض لا ترغب في إعطاء أموال مجانية ضخمة لدول مثل باكستان والأردن والسودان ومصر ودول أخرى كما كان في الماضي. لقد انتهى عهد الشيكات السعودية على بياض لتلك الدول، موضحاً: “اليوم تريد الرياض أن تجني فوائد إنفاقاتها إذا ما قدمت مساعدة ما. لهذا السبب، تدخل في تمويل مشاريع موثوقة يمكن أن تزيد من نفوذها ورأسمالها بالتعاون مع بعض الدول مثل الصين. حتى فيما يتعلق بالبلدان ذات الاقتصادات الصغيرة التي عانت من حالات تخلف عن سداد الديون، فإنها تعزز فقط تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم التي لديها ضمانات مالية كافية”.
وحسب برتو، فإن السعودية قد غيرت أسلوب لعبها ورداً على الضغوط السياسية من الغرب ضدها أظهرت أنها لن تسير عن المسار السابق. مع ذلك، يبدو أن هذه خطوة تكتيكية وستستمر على هذا النحو خلال الوقت الذي يتولى فيه الديمقراطيون السلطة في الولايات المتحدة. تعرف الرياض أنه بمجرد انتهاء الحرب في أوكرانيا وتغلب الغرب على أزمة الطاقة، ستبدأ الضغوط السابقة ضد السعودية مرة أخرى. لذلك، تحاول استغلال هذه الفرصة لحل بعض قضاياها الإقليمية والدولية وتغيير المعادلات بشكل عام من خلال الانضمام إلى منظمات التعاون الدولية.
وأشار إلى العلاقات التاريخية والإستراتيجية بين السعودية والولايات المتحدة والبنية التحتية العسكرية والأمنية الغربية للسعودية، واعتبر بعض خطوات الرياض مؤقتة وتهدف إلى خلق توازن، موضحاً: “لقد تعلمت السعودية أنه بسبب النظام السياسي القائم في الولايات المتحدة لن تحل واشنطن كل مشاكل السعودية بل وربما تخلق لها مشاكل كبيرة. قال هنري كيسنجر إنه لو كانت الدول أعداء للولايات المتحدة لربما عاشت لفترة أطول من حلفائها! الآن توصلت السعودية إلى قناعة بأنه ربما يكون بإمكانها حل بعض مشاكلها بمفردها”.
وتابع برتو: “تحاول السعودية الآن حل مشاكلها دون وساطة من الولايات المتحدة ومن خلال لعب دور نشط ولكن في الوقت نفسه، لم تكن هناك ثورة في هذا البلد يمكننا أن نتوقع منه أن ينأى بنفسه عن الولايات المتحدة ويمضي كلياً في اتجاه التعاون الوثيق مع الصين. حالياً جعلت السعودية الاقتصاد على رأس أولوياتها من أجل تحييد الضغوط السياسية ضد نفسها”.
ولفت الخبير إلى مساعي السعودية للتعاون مع المجموعات والمنظمات الاقتصادية الدولية في هذا الاتجاه قائلاً: “السعودية، خلافاً للصين وروسيا، لا تسعى لخلق نظام جديد أو تشكيل الكتلة الشرقية ضد الكتلة الغربية، لكنها تحاول الوصول إلى موقع يجعلها تنظر إليها الولايات المتحدة والغرب على أنها دولة ذات ثقل كبير وأن الولايات المتحدة بحاجة إلى السعودية كذلك”.
0 تعليق