المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ رأي: أدت الحرب في أوكرانيا وفرض 13656 عقوبة ضد روسيا، بالإضافة إلى تجميد نصف الاحتياطيات الروسية من النقد الأجنبي (300 مليار دولار) في البنوك الأجنبية، إلى تعزيز الدوافع لـ "التخلص من الدولار" في التجارة الخارجية لمختلف بلدان العالم، من البرازيل إلى جنوب شرق آسيا.
برسام محمدي ـ خبير في الشؤون الدولية
وقّعت الصين والبرازيل مؤخراً على اتفاقية مهمة يتم بموجبها استبعاد الدولار الأمريكي من التجارة بين البلدين. تمنح هذه الاتفاقية الصين (ثاني أكبر اقتصاد في العالم) والبرازيل (أحد أكبر 10 اقتصادات في العالم) خيار استخدام العملة الصينية (اليوان) أو العملة البرازيلية (الريال) في معاملاتهما التجارية. وقد وقعت الصين بالفعل اتفاقيات تجارية مماثلة مع عدد من الدول الأخرى، بما في ذلك روسيا والسعودية والعراق وباكستان، وتعمل بسرعة على التخلي عن الدولار في تجارتها الثنائية مع الدول الأخرى.
الصين والبرازيل شريكان اقتصاديان مهمان لبعضهما البعض، ويبلغ حجم التجارة بين البلدين حوالي 100 مليار دولار. تبلغ حصة الصين من إجمالي الصادرات البرازيلية (240 مليار دولار سنوياً) حوالي 33٪ أي ما يعادل 79 مليار دولار، وهو أكثر من ثلاثة أضعاف صادرات البرازيل إلى الولايات المتحدة باعتبارها وجهة التصدير الثانية للبرازيل حيث يذهب إليها أقل من 10٪ من إجمالي صادرات البرازيل.
تشكل الصين والبرازيل معاً 20٪ من سكان العالم و 12٪ من مساحة الأرض. وبإجمالي ناتج محلي يبلغ 18 تريليون دولار، تمتلك الصين وحدها حوالي 18٪ من الاقتصاد العالمي، وتحتل المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة.
بعد الاتفاقية بين الصين والبرازيل، تدرس رابطة دول جنوب شرق آسيا المعروف باسم “آسيان” أيضاً التخلي عن الدولار واليورو والين والجنيه الإسترليني في المعاملات التجارية بين الدول الأعضاء واستخدام العملات الوطنية. تضم آسيان 10 أعضاء دائمين وعضو مراقب واحد وتشكل 7٪ من سكان العالم و 3٪ من مساحته.
آسيان هي ثالث أكبر كتلة تجارية في العالم بعد نافتا (الولايات المتحدة وكندا والمكسيك) والاتحاد الأوروبي. يبلغ الحجم الإجمالي للتجارة الخارجية لآسيان حوالي تريليونين و 500 مليار دولار.
بالنظر إلى أن حجم الاقتصاد الرقمي لآسيان يقدر بنحو 200 مليار دولار، ووفقاً للتوقعات سيصل هذا المبلغ إلى 360 مليار دولار بحلول عام 2025 و تريليون دولار في عام 2030، لهذا تبحث آسيان عن تطوير نظام دفع رقمي عابر للحدود بين الدول الأعضاء لغرض استخدام عملاتها الوطنية في المعاملات التجارية.
كما بدأت القوى الاقتصادية الناشئة في العالم المعروفة باسم “بريكس” جهوداً مهمة للتخلي عن الدولار في مبادلاتها التجارية في العام أو العامين الماضيين. أعضاء بريكس هم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا.
تعمل مجموعة بريكس على تعزيز البنية التحتية المتعلقة بشبكة دفع مشتركة لتقليل الاعتماد على النظام المالي الأمريكي والأوروبي، عبر اعتماد سلة من عملات الدول الأعضاء. يبلغ الحجم الإجمالي لصادرات دول بريكس حوالي 4 تريليون دولار. زادت الدول الأعضاء في بريكس من استخدام عملاتها في التجارة المتبادلة في الأشهر الأخيرة. تضم دول بريكس نصف سكان العالم و 26٪ من مساحة الأرض و 28٪ من القوة الاقتصادية العالمية و 20٪ من تجارة السلع العالمية.
في السياق ذاته، وافق كذلك أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون مؤخراً على زيادة تجارتهم بالعملات المحلية. ويبلغ حجم اقتصاد دول شنغهاي هو 20 تريليون دولار، وهو ما يشكل 23 ٪ من الاقتصاد العالمي.
يشكل اتفاق القوى والمنظمات الاقتصادية والسياسية غير الغربية في العالم على التخلي عن الدولار في التبادلات التجارية، والذي شهد اتجاهاً متسارعاً في الأشهر الأخيرة، “ضربة كبيرة” لـ “هيمنة الدولار” في العالم.
الدولار، الذي تخضع بنيته التحتية التقنية للولايات المتحدة، هو “حجر الزاوية” لقوة وهيمنة الولايات المتحدة في النظام الدولي. وكان الدور الذي لعبه الدولار في القوة العالمية للولايات المتحدة في السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية أكبر من المقومات الأخرى لقوة البلاد العسكرية والصناعية والتكنولوجية، وما إلى ذلك.
أكثر من 70٪ من التحويلات المالية على منصة سويفت تتم بالدولار. يرتبط جزء مهم من التحويلات بغير الدولار أيضاً بدورة الدولار في جزء من عملية التحويل. بالإضافة إلى ذلك، يشكل الدولار 59.8٪ من احتياطيات النقد الأجنبي في العالم. تظهر هذه الأرقام أن الدولار لا يزال يحتفظ بدوره المهيمن في التجارة الدولية. وعلى الرغم من ذلك، فقد اشتد التوجه نحو”التخلص من الدولار” في التجارة الدولية في الأشهر الأخيرة في المبادلات التجارية للدول غير الغربية والمنظمات التي تعد من بين الاقتصادات العالمية والإقليمية الكبرى.
على الرغم من أن إضعاف دور الدولار في المدى القصير يبدو غير مرجح، إلا أن هذه العملية على المدى المتوسط ستوجه ضربة كبيرة للهيمنة والسيطرة العالمية للولايات المتحدة، والتي يرجع جزء كبير منها إلى هيمنة الدولار في العالم.
سيؤدي التخلي عن الدولار في التجارة الدولية والتبادلات الثنائية والمتعددة الأطراف بين البلدان، إذا امتد إلى بلدان أخرى، إلى مزيد من التحكم بالسياسات المالية والنقدية ومنع الصدمات والاضطرابات الاقتصادية – المعيشية التي لها عواقب اجتماعية وأمنية.
كما يؤدي تقليص دور الدولار في التجارة بين الدول إلى تعزيز محتمل للعلاقات الاقتصادية بين الدول، وتحسين عملية التنمية للدول الفقيرة، والحصانة ضد العقوبات الأمريكية والأوروبية، وإضعاف الدولار في التجارة الدولية، وتنويع العملات في سوق العملات العالمية.
أعطت العقوبات الأمريكية ضد روسيا وتجميد نصف احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي “زخماً قوياً وجديداً” لجهود تقليص دور الدولار في التجارة الدولية. اليوم، توصلت الدول غير الغربية في العالم إلى قناعة بأن ربط مصير اقتصادها وتجارتها الخارجية بالدولار، في وقت تسعى فيه الولايات المتحدة وأوروبا إلى تحقيق أقصى قدر من الهيمنة على الاقتصاد والتجارة العالميين من خلال الدولار واليورو، يسبب في تهديد دائم للبنية التحتية الاقتصادية، وجعل هذه الدول دائماً عرضة للخطر أمام الولايات المتحدة.
0 تعليق