المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ رأي: أعلن الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" خلال استقباله رئيس الوزراء اليوناني "ميتسوتاكيس" في مصر أن بلاده تدرس عقد اجتماع رباعي في القاهرة قريباً بين رؤساء مصر واليونان وتركيا وقبرص لمناقشة التوترات في شرق المتوسط وتقريب وجهات النظر بشأن رسم الحدود البحرية وإمكانية انضمام تركيا إلى منتدى غاز شرق المتوسط.
محمود فاضلي ـ محلل الشؤون الدولية
تم خلال اللقاء بين الرئيس المصري ورئيس الوزراء اليوناني تبادل وجهات النظر حول القضايا المهمة والمشتركة للمنطقة بما يتماشى مع مواقف البلدين في شرق المتوسط، والأزمة الليبية ومنتدى غاز شرق المتوسط، والوضع في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل.
وأبلغ السيسي رئيس الوزراء اليوناني أن مصر مهتمة بالشراكة مع اليونان وقبرص وأن إعادة العلاقات مع تركيا لن تضر باليونان وقبرص وأن مصر تسعى للعب دور والوساطة في إنهاء الصراع بين أثينا وأنقرة وتهدئة الأوضاع في منطقة شرق المتوسط.
من المتوقع أن تكون الإجراءات المتعلقة بإعادة ضبط العلاقات في منطقة شرق المتوسط من أجل إنهاء النزاعات في هذه المنطقة والتوصل إلى اتفاقيات لاستغلال موارد هذه المنطقة قدر الإمكان موضع اهتمام الأطراف الأربعة.
وعلى الرغم من إعلان رئيس الوزراء اليوناني موافقته على عقد القمة الرباعية، إلا أنه طالب بمزيد من الضمانات حول جدية تركيا في الدخول في المفاوضات وتغيير نهجها الحالي. زيارة رئيس الوزراء اليوناني في هذا التوقيت لها أهمية كبيرة بسبب العديد من القضايا المشتركة بين مصر واليونان سياسياً واقتصادياً ومن بين هذه القضايا موقف الدول المجاورة لها خاصة أن هناك تحالف مصري قبرصي يعد النواة الأساسية لمنتدى غاز شرق المتوسط الذي يقع مقره في القاهرة حالياً؛ لأن الدول الأعضاء في هذا المنتدى تمتلك 51٪ من موارد الغاز في العالم والعلاقات الثنائية بين مصر واليونان لها أهمية كبيرة بسبب علاقاتهما المتشعبة مع البعض.
ومن بين القضايا ذات الأهمية الكبيرة لليونان هي قضية ليبيا وغازها خاصة بعد اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا وكذلك الهجرة غير الشرعية، حيث تعتبر ليبيا نقطة عبور إلى اليونان؛ لذلك فإن إرساء الاستقرار في هذا البلد مهم بالنسبة لليونان.
أكدت اليونان ومصر وقبرص العام الماضي في قمتها المشتركة في إطار تحركات القوات المسلحة للبلدان الثلاث دعم التعاون الأمني والدفاعي للتعامل مع التحديات والتهديدات وحماية السلام والاستقرار في شرق المتوسط. أعلنت البلدان الثلاث أن تفعيل تعاون استراتيجي شامل وأساسي قائم على القانون الدولي ومبادئ حسن الجوار مع جميع دول المنطقة كهدف مشترك، وعبرت عن استنكارها للإجراءات الأحادية الجانب التي تنتهك السيادة والحقوق السيادية وسلامة أراضي دول منطقة شرق المتوسط، مؤكدة على ضرورة احترام القانون الدولي واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار والاتفاقيات الأخرى ذات الصلة.
في السنوات الأخيرة، أولت اليونان أهمية كبيرة لتطوير العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ومصر وتعتبر مصر شريكاً استراتيجياً لها في منطقة شرق المتوسط. يعتبر الجانب اليوناني أي تفاهم مع مصر بمثابة جسر للتواصل والتعاون بين مصر وأوروبا ويرى تعزيز التعاون في قطاع الطاقة خطوة تتماشى مع استراتيجية الاتحاد الأوروبي لتنويع مصادر الطاقة، ويعتقد أن شرق المتوسط في ظل ظروف معينة يمكن أن يكون مصدراً بديلاً للطاقة للاتحاد الأوروبي، وأن مصر ستكون في المستقبل قادرة على نقل الغاز الطبيعي المسال إلى الاتحاد الأوروبي عبر اليونان بل وفي حال توفر ظروف مناسبة، قادرة على توليد الكهرباء من خلال محطات الطاقة الشمسية وتصديرها إلى أوروبا عبر اليونان.
لطالما اعتبرت تركيا القمة الثلاثية بين اليونان وقبرص ومصر “تعبيراً عن السياسة العدائية لليونان والجزء اليوناني من قبرص ضد تركيا وجمهورية شمال قبرص التركية. وبحسب أنقرة، فإن المصدر الرئيسي للتوتر في المنطقة ليس سوى الادعاءات غير القانونية لليونان والقبارصة اليونانيين بشأن الحدود البحرية وتجاهلهم القبارصة الأتراك. كما ترى أنقرة أن القمة الثلاثية لمصر واليونان وقبرص تشير إلى تشكيل تحالف جدي ضد تركيا في شرق المتوسط.
يقال إن القمة الرباعية بحضور تركيا ستعقد بعد زيارة الرئيس المصري لأنقرة، وتحقق السلطات المصرية والتركية حالياً في إمكانية تنظيم هذه القمة. رغم ذلك ومع تحسن العلاقات بين القاهرة وأنقرة ووصول مستوى العلاقات بين البلدين إلى تعيين سفيريهما، تم تأجيل زيارة السيسي إلى أنقرة للقاء أردوغان والتي كانت مقررة مسبقاً. في الوقت الحاضر، من المتوقع أن تكون قضية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين على رأس برامج القمة المرتقبة بين أردوغان والسيسي، إضافة إلى أن الأزمة الليبية ستكون إحدى المحاور الرئيسية في اللقاء بين الجانبين. تجنباً للإضرار بمصالحها مع تركيا، لم تقم القاهرة بعد بتسوية قضية ترسيم الحدود مع أثينا.
من المتوقع أن يؤدي التحسن المحتمل للعلاقات بين تركيا ومصر إلى استياء اليونان حيث تحاول اليونان إقناع القاهرة بدعمها. لكن التطورات في المنطقة والعالم أجمع دفعت تركيا ومصر إلى تحسين العلاقات وبعض التعاون المشترك. وترى القاهرة وأنقرة أنه بعد توقف العلاقات، حان الوقت الآن للتحالف. في هذا السياق تجري متابعة المبادرة التركية التي بدأت مؤخراً مع السعودية والإمارات، مع مصر حالياً.
إن تسوية التحديات التي تواجهها مصر على المستوى المحلي في مجالي الاقتصاد والطاقة وفي الخارج في قضايا مثل قضية فلسطين والسودان وليبيا تتطلب توثيق علاقاتها مع تركيا. يأمل التحالف الثلاثي المصري – القبرصي – اليوناني أن يؤدي تحسن العلاقات بين مصر وتركيا إلى تأثير إيجابي على الأوضاع العامة في شرق المتوسط. بالنظر إلى معارضة تركيا للتنقيب عن الغاز في السنوات الأخيرة، من المتوقع أن يطلب السيسي من أردوغان السماح للبلدين بالتنقيب عن الغاز في المرحلة المقبلة.
0 تعليق