المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ رأي: في حين لا تُلاحظ رغبة لدى الدول الغربية والولايات المتحدة في اتخاذ خطوات لوقف جرائم الكيان الصهيوني في غزة، يبدو أن همها الوحيد هو حرية التجارة والملاحة في البحر الأحمر!
الدكتور محمد مهدي مظاهري ـ أستاذ جامعي
المفارقة المرة هي أن التحالف الوحيد الذي تم تشكيله بعد ما يقارب من ثلاثة أشهر من عملية القتل المتواصلة للمدنيين في غزة ليس لمواجهة الكيان الصهيوني المارق لإجباره على وقف الحرب، بل هو موجه ضد قوى تحاول أن لا تبقى متفرجة أمام تصرفات الكيان الصهيوني، دفاعاً عن الشعب الفلسطيني المظلوم. الحقيقة هي أنه مع اشتداد الحصار على الفلسطينيين في قطاع غزة ومنع الكيان الصهيوني إرسال المساعدات الإنسانية لأهالي القطاع، قرر الجيش الوطني اليمني ورداً على ممارسات الصهاينة الاستيلاء على السفن الصهيونية أو السفن المتجهة إلى الأراضي المحتلة، وليس السفن الأخرى، وجعل الملاحة لها غير آمنة حتى يضطر الكيان الصهيوني إلى فتح الطريق لإرسال الدواء والغذاء لشعب غزة.
في حين أن قواعد القانون الدولي التي تتحدث عن قوانين الحرب وحقوق الإنسان والقانون الإنساني،ليست جذابة في الوقت الحاضر للدول الأوروبية والولايات المتحدة، فإن حقوق البحار وحرية الملاحة مهمة جداً بالنسبة لها لدرجة أنها بادرت بإنشاء تحالف؛ ومع أنه كان من المفترض في البداية أن يضم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة 20 عضواً وتنضم إليه المزيد من الدول، لكن حتى قبل أن يبدأ مهامه نأت بعض الدول مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وأستراليا بنفسها عنه.
ورغم إعلان هذه الدول أنها تعمل بشكل مستقل على ضمان سلامة الملاحة في البحر الأحمر، يبدو أن تصرفات الكيان الصهيوني في غزة وصلت إلى درجة من الوقاحة تجعل معظم الدول أن لا تصرف مصداقيتها في سبيل دعم هذا الكيان.
في ظل هذا الوضع، حيث واجه التحالف الأمريكي الهش في البحر الأحمر تفككاً وانسحاباً سريعاً لبعض الدول الأعضاء، مما تم تفسيره على أنه “إذلال للولايات المتحدة”، هاجمت الأخيرة زوارق الجيش اليمني في 31 ديسمبر (كانون الأول) 2023 وقتلت 10 من مقاتلي البحرية اليمنية الذين كانوا في مهمة توقيف سفينة تجارية، لكي تثبت لرفاقها الذين انسحبوا من التحالف وكذلك لاعضاء جبهة المقاومة أن الولايات المتحدة مصرة على قرارها بدعم الكيان الصهيوني وضمان أمن البحر الأحمر. مثل هذه التصرفات والمواقف زادت من نسبة احتمال اتساع نطاق الحرب في المنطقة، لكن هل الأوضاع في المنطقة تتجه نحو حرب شاملة بعد تشكيل التحالف الأمريكي؟
وفي هذا السياق، هناك بعض النقاط المهمة التي تبين أنه لن تكون هناك حرب شاملة؛ ومن أهم الأدلة على هذا الكلام هو أن الدول العربية في منطقة الخليج الفارسي باستثناء البحرين رفضت الانضمام للتحالف – خلافاً لنهجها السابق – أو ربطته باستيفاء شروط معينة.
على وجه الخصوص، فإن السعودية، الدولة العربية الأهم في منطقة الخليج الفارسي والتي تحدد قراراتها في أحيان كثيرة توجه الدول العربية الأخرى، أعلنت أنها لا ترغب في المشاركة في التحالف الأمريكي في البحر الأحمر؛ وذلك على الرغم من أن لديها جيش مجهز بالأسلحة الأمريكية وتستورد 36% من وارداتها عبر موانئ البحر الأحمر.
والسبب في تبني مثل هذا النهج، إلى جانب قلق السلطات السعودية من تشوه صورتها وسمعتها في العالم الإسلامي بسبب مساعدة الكيان الصهيوني، هو أن الرياض اتخذت خطوات كبيرة في العام الماضي لخفض التصعيد وتحسين العلاقات مع إيران ودول محور المقاومة الأخرى، وتسعى تحديداً إلى التوصل إلى اتفاق مع أنصار الله لإنهاء الحرب مع اليمن. وبناء على ذلك، يبدو أن تحليل السلطات السعودية يقوم على أنه إذا انضمت الرياض إلى التحالف الأمريكي فإن الجهود التي بذلتها العام الماضي ستفقد فاعليتها ومن المرجح أن تصبح المدن السعودية مرة أخرى هدفاً لهجمات صنعاء. بالإضافة إلى النقاط المذكورة أعلاه، فإن “اتفاق بكين” بين إيران والسعودية يلزم طهران والرياض بعدم تهديد بعضهما البعض في جميع أنحاء المنطقة، ويبدو أن السعودية لا تريد الإضرار بهذا الاتفاق في هذه المرحلة.
كما أن مصر، الدولة الأخرى ذات الثقل والأهمية في العالم العربي، التي بذلت منذ بداية حرب غزة جهوداً كثيرة لوقفها وقدمت مؤخراً خطة سلام لإنهاء الحرب رفضها الجانبان، فضلت عدم الانضمام إلى التحالف الأمريكي الداعم للكيان الصهيوني.
إن اعتماد مثل هذا النهج من قبل الدول المهمة في العالم العربي، يأتي في حين أنه أصبح من الواضح بالنسبة للعديد منها أنه بسبب الاقتراب من الانتخابات الرئاسية، يحتاج الرئيس الأمريكي إلى القيام بمغامرات عابرة للحدود، وتضخيم قدرات الولايات المتحدة في مناطق مختلفة، وتشكل تحالفات دولية، واتخاذ إجراءات جماعية، وفي الوقت نفسه إظهار التزامه بدعم أمن الكيان الصهيوني؛ غير أنه في حال اشتداد المواجهات وارتفاع التكاليف، سيفضل الهروب على حماية الدول وشعوب المنطقة، كما في حالة أفغانستان.
لذا، يبدو أن الدول العربية – من منطلق معرفتها بانتهازية الولايات المتحدة – قد توصلت إلى قناعة بأنه من أجل الحفاظ على مصداقيتها ومصالحها، يجب أن تتمسك بالحفاظ على السلام والأمن في المنطقة وأن لا تخلق أرضية جديدة لاتساع رقعة الصراعات في المنطقة. في مثل هذا الوضع، إذا ظلت الدول العربية على الموقف نفسه ولم تنجح الولايات المتحدة في جرها والمزيد من الدول الأوروبية للمشاركة في التحالف، فإن احتمال اتساع رقعة الحرب في المنطقة سوف يتضاءل، وستكتفي الولايات المتحدة، نظراً لقرب الانتخابات، ببعض الحركات الاستعراضية في البحر الأحمر دون أن تسعى إلى مزيد من التوتر، وسوف تضطر إلى التخلي عن تحالفها والبحث عن حلول أخرى.
0 تعليق