المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ رأي: تعتبر زيارة أردوغان الأخيرة إلى العراق، بعد آخر زيارته لبغداد قبل 13 عاماً، من أهم التطورات السياسية والاقتصادية والأمنية في العلاقات بين البلدين.
حميد خوش آيند ـ خبير في القضايا الإقليمية
تمت زيارة الرئيس التركي إلى العراق، حيث شهدنا في السنوات الأخيرة، وخاصة منذ عام 2019، العديد من الهجمات التركية على شمال العراق بحجة مكافحة الإرهاب؛ وكانت من الممكن أن تتسبب كل من هذه الهجمات في حدوث “أزمة” في العلاقات بين البلدين.
وكان تعزيز التعاون الاقتصادي والأمني والطاقة المواضيع الرئيسية الثلاثة للمحادثات بين رئيسي البلدين في بغداد. وأطلقت الحكومة العراقية العام الماضي مشروعاً بقيمة 17 مليار دولار لتطوير طرق التجارة البرية ونقل البضائع، وكان الهدف منه ربط ميناء الفاو في جنوب البلاد بالأراضي التركية، وهو ما قد تمت بالطبع مناقشته بين السلطات التركية والعراقية.
ومن الجدير بالذكر أنه في السنوات العشر الماضية، كانت حصة صادرات تركيا إلى العراق في الصادرات العامة دائماً 5٪ أو أعلى. وتبلغ قيمة الصادرات التركية إلى العراق حالياً 15 مليار دولار، وستصل إلى 20 مليار دولار مع استكمال مشروع “طريق التنمية” عام 2030.
وفيما يتعلق بأهداف زيارة أردوغان إلى العراق وتوسيع التعاون بين البلدين، يمكن تحديد والإشارة إلى عدة أهداف. وعلى الرغم من تسليط الضوء في الأوساط الإعلامية والسياسية في تركيا على الأهداف والأجندات الأمنية والتعاون الاستخباراتي، إلا أن هذه القضية ذات أهمية ثانوية مقارنة بقضايا “الاقتصاد والطاقة والنقل”.
إن العراق مهم بالنسبة لتركيا من ناحيتين: أولا، أنه “نقطة قوة” بالنسبة لتركيا من حيث الاقتصاد والطاقة. فالعراق الذي يبلغ عدد سكانه نصف سكان تركيا، غني جداً بموارد الطاقة، وهو ما يمكن أن يكون خياراً جيداً لتحسين جزء من مشاكل تركيا الاقتصادية، وهو في الواقع “كعب أخيل” لأردوغان وأحد المبادئ الأساسية لحزب العدالة والتنمية والسياسة الخارجية لهذه الدولة. ومن وجهة النظر هذه، فإن تركيا، ليس في المنطقة بل في العالم، لا تستطيع أن تجد دولة أفضل من العراق من حيث الوصول “السهل ومنخفض التكلفة” إلى الموارد الجوفية واقتصادها.
ثانياً، يعد العراق أحد الركائز الأساسية والمهمة لمشروع النقل المشترك المسمى “طريق التنمية” مع تركيا، والذي سيسهل الطريق البري الذي يربط دول الخليج الفارسي بأوروبا من خلال إنشاء شبكة سكك حديدية وطرق بطول 1200 كيلومتر من ميناء البصرة إلى ميناء مرسين. وهذا المشروع الذي يعرف بـ”القناة الجافة” في العراق، أطلق عليه اسم “مشروع طريق تنمية التغيير” خلال اللقاء بين أردوغان ومحمد شياع السوداني، في مارس/آذار 2024. ومن المقرر أن يتم تشغيل هذا المشروع، الذي تشارك فيه قطر والإمارات العربية المتحدة كشركاء وممولين، بحلول عام 2030.
يعد تحسين العلاقات الثنائية بين تركيا والعراق وتوسيع التعاون الإقليمي أحد “المتطلبات” الرئيسية للنهوض بالمشروع المذكور وتحقيقه. وفي هذا الصدد، فإن أردوغان، مع علمه بأن التوتر في العلاقات مع العراق، يحول دون استكمال مشروع طريق التنمية الذي يعد الأولوية الرئيسية لهذا البلد في المنطقة، فمن أجل تسهيل وتسريع تنفيذ هذه الخطة الكبرى، تم إدراج حل الخلافات مع الحكومة العراقية، خاصة في مجال الطاقة والمياه والأمن، على جدول أعمال هذه الزيارة. ولذلك فقد توصل خلال زيارته الأخيرة إلى العراق إلى اتفاقيات جيدة مع بغداد في هذا المجال، والتي من المؤكد أن تعزيزها وتنفيذها سيكون له دور فعال في تحقيق مشروع طريق التنمية.
على أية حال، يمكن اعتبار تحسين العلاقات الثنائية مع العراق وحل النزاعات القائمة مع هذا البلد “إنجازاً” سياسيا لأردوغان شخصياً، الذي يتطلع من الآن إلى إجراء الانتخابات الرئاسية في عام 2028.
وإلى جانب الأهداف الإقليمية الطموحة، فقد خسر أردوغان في ولايته الرئاسية الجديدة جزءاً من قاعدته الشعبية مقارنة بالسنوات السابقة، وفي الانتخابات البلدية الأخيرة، تعرضت المكانة السياسية لحزب العدالة والتنمية، خاصة في أنقرة واسطنبول ومدينة إزمير لأضرار جسيمة، وقد وضعت سياسة “خفض التصعيد” مع العراق، أحد جيرانها المهمين، على جدول الأعمال.
وبينما كان “تصفير التوتر مع الجيران” هو عنوان السياسة الخارجية الأهم لحزب العدالة والتنمية في السنوات الماضية، فقد تم نسيان هذا النهج من خلال “التدخلات غير المتعارفة” لهذه الدولة في سوريا والعراق وليبيا. ولم تهز هذه القضية موقف أردوغان السياسي داخل تركيا فحسب، بل أدت أيضاً إلى تفاقم المشاكل الداخلية والسياسة الخارجية لهذا البلد.
وفي هذا الإطار، يمكن أن يؤدي توسيع التعاون الثنائي مع العراق، خاصة في المجال الاقتصادي، في ظل الوضع الذي يتمتع فيه العراق بقدرات اقتصادية جيدة ويعتبر أحد “أكبر الأسواق لاستهلاك البضائع التركية” في المنطقة، إلى إنجازات إيجابية في قطاعات السياسة الداخلية والخارجية لتركيا.
0 تعليق