المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ رأي: بالرغم من التزام تركيا التقليدي بمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، يبدو أن سياسة تركيا الداخلية في ظل قيادة أردوغان ذات النزعة العثمانية الجديدة تشكل العامل الحاسم في تحديد إستراتيجيتها النووية،
سيد حامد حسيني ـ طالب دكتوراه في العلاقات الدولية
تصدّر تصريح للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في خطاب أمام ندوة اقتصادية بمدينة سيواس في سبتمبر 2019 حول “حق تركيا في امتلاك السلاح النووي”، عناوين الصحف. أشار أردوغان في حديثه إلى لاعدالة النظام الدولي القائم واعتبر امتلاك السلاح النووي ضرورة لمصداقية بلاده على الساحة الدولية. وزعم أن جميع الدول المتقدمة تمتلك السلاح النووي، مضيفاً أن تركيا “تعمل اليوم على ذلك”. هذه هي المرة الأولى التي تحدث أردوغان بصراحة عن فكرة الخيار النووي التركي وطموحات بلاده لمتابعة برنامجها النووي العسكري. وهناك مؤشرات تدل على أن تصريحات أردوغان لم تكن مجرد عنتريات.
توحي المؤشرات إلى أن تركيا بدأت إنشاء أول محطة نووية لها في بلدة أكويو (Akkuyu) على شاطئ محافظة مرسين الجنوبية. وبناء على التقارير المنشورة في وسائل الإعلام التركية، ستلبي محطة أكويو 10 في المئة من احتياجات تركيا للطاقة. ستقوم المؤسسة الحكومية للطاقة النووية الروسية روساتوم (Rosatom) بتنفيذ مشروع بناء المحطة النووية التي تتضمن أربعة مفاعلات استطاعة كل منها 1200 ميغاواط؛ وسيتم تشغيل المرحلة الأولى للمحطة في عام 2023.
وكجزء من الاتفاق بين تركيا وروسيا، سيتلقى طلاب أتراك دورات تدريبية في العلوم النووية في روسيا على أن يشتغلوا في ما بعد في محطة أكويو. تتحدث بعض التقارير عن أن طلاب الهندسة الأتراك يشكلون اليوم ثاني أكبر مجموعة من الطلاب الأجانب الذين يدرسون العلوم النووية في روسيا.
فضلاً عن روسيا، بدأت تركيا تقترب من باكستان الحائزة للسلاح النووي. تُعد تركيا رابع أكبر مصادر أسلحة باكستان متجاوزة بذلك الولايات المتحدة؛ بحيث أصبحت باكستان أكبر سوق تصدير للأسلحة التركية بين عامي 2016 و 2019. وفي حين تمثّل الصين المصدر الرئيس لتزويد باكستان بالمعدات الدفاعية، تحولت تركيا بشكل متصاعد إلى بديل مهم آخر لباكستان.
هناك مؤشر آخر على الطموحات التركية لم تنتشر تقارير واسعة بشأنه هو تطوير تركيا صواريخ باليستية وبرنامجاً فضائياً. في عام 2012، أعلن مجلس البحوث العلمية والتكنولوجية في تركيا (TÜBİTAK) عن هدف الحكومة لتطوير صاروخ يصل مداه إلى 2500 كيلومتر. كذلك، أسست تركيا وكالة فضاء في عام 2018، على أمل الانضمام إلى نادي الدول القلائل التي تطور برامج فضائية. وقد أزاح أردوغان الستار عن برنامج الفضاء التركي في حفل رسمي في فبراير 2021.
فهم التوجهات النووية التركية
لم تلقَ طريقة تعامل النخب السياسية والمذهبية والإعلامية في تركيا مع السياسات النووية لبلادهم خلال الأعوام الأخيرة اهتماماً كبيراً. في حين أن وسائل الإعلام المحلية والأجنبية تركز جل اهتمامها على تصريحات أردوغان، يدعو موقف الإسلاميين الأتراك تجاه امتلاك السلاح النووي إلى التأمل كذلك. الداعي البارز، حيرتين كارامان، أوضح هذا الموقف في صحيفة يني شفق الداعمة للحكومة قائلاً: “كان ركوب الخيل ورمي السهام أنجع وسائل الحرب في عهد الرسول (ص). لذلك، حث الإسلام المسلمين على الإقبال عليهما. أما اليوم فالأسلحة الأكثر فاعلية هو السلاح النووي … الدول التي لا تمتلك السلاح النووي، تعاني من ضعف القدرات وتتعرض لمخاطر وتهديدات كبيرة”.
في نفس السياق، دعا كاتب العمود الصحفي في يني شفق، ندرت أرسنال، الحكومة التركية إلى إنتاج السلاح النووي بدون تفويت الفرصة. كتب أرسنال في مقال نُشر في يناير 2021: “في ما يخص موضوع الأسلحة النووية؛ برأيي الشخصي نحن نحتاج إليها! هل الوقت مناسب لذلك؟ نعم؛ حان وقته. لا تكترثوا بأحاديث المنتقدين”.
يرى القوميون في تركيا أن تطوير القدارات النووية يصب في صالح أمن الحكومة التركية وبقائها. الأب الروحي لحزب الحركة القومية (MHP) والشخصية الرمزية لليمين المتطرف في تركيا، ألب أرسلان توركش، كان قد أكد في عام 1975 على ضرورة حيازة تركيا للسلاح النووي. وكان قد أطلق مسؤولون بارزون من المعسكر القومي التركي مثل وزير الدولة السابق، سعدي سومونجو أوغلو، ووزير الاتصالات السابق، أنيس أوكسوز، تصريحات مماثلة في فترات سابقة حول حاجة تركيا لتطوير برنامج نووي عسكري.
بالرغم من ذلك، تتعالى بعض الانتقادات من داخل معسكر الكماليين ـ القوميين ضد البرنامج النووي وتعاون الحكومة التركية مع روسيا أو لاعبين غربيين في هذا المجال. حيث أن هؤلاء، ورغم خيبة الأمل التي أصابتهم بشأن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، لا يزالون يعتقدون أن الطريقة المثلى لتحقيق المصالح الأمنية التركية تمر عبر الناتو والمؤسسات الأمنية الغربية.
الحصيلة
التفاعلات السياسية الداخلية في تركيا هي ما تحدد آفاق تطوير أنقرة برنامجها النووي في المستقبل القريب أم لا. استمرار حكم أردوغان أو وصول أحد أتباعه للسلطة قد يمهد الطريق أمام ظهور تركيا نووية. قد أثبت أردوغان أنه مستعد لدفع أثمان سياسية واقتصادية باهظة لقراراته الإستراتيجية. من جهة أخرى، إن عودة النظام الكمالي القديم في تركيا أو بعض خصائصه المبنية على التوجه نحو الغرب، ستؤدي إلى تخلي تركيا عن السعي وراء امتلاك القدرات النووية. وصول المعسكر الكمالي – القومي لسدة الحكم، يمهد لاستعادة تركيا سياستها الخارجية التقليدية التي ترى الغرب والولايات المتحدة حلفاءها الحقيقيين. في ظل مثل هذا السيناريو، ستتخلى تركيا عن الخيار النووي وستعود إلى مظلة الناتو النووية.
0 تعليق