المجلس الاستراتيجي، آنلاين، حوار: أعلن أحد أعضاء الهيئة العلمية لكلية العلاقات الدولية بوزارة الخارجية أن هناك تداعيات قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى لجائحة كورونا على السياسة والأمن والاقتصاد الدولي وأكد قائلاً: "التنافس الظاهر حالياً في مجال اللقاحات وكيفية توزيعها في الدول المنتجة والحليفة لها أدى إلى ظهور جغرافيا اقتصادية جديدة قد تتم الاستفادة منها في المستقبل."
في حوار أجراه معه موقع المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية أوضح الدكتور مهدي فاخري أن تفشي كورونا ترك نوعين من الآثار والتداعيات العامة والشاملة وكذلك الجزئية في العلاقات الدولية قائلاً: “في دراستنا للبعد الأول من هذه التداعيات ينبغي القول أن التيار الذي ظهر في السابق بشكل قوة هائلة للصين وشدة تأثيرها على شرق آسيا واشتداد التنافس العالمي والدولي وتمكنها من السيطرة على جائحة كورونا والحؤول دون تفشيها في الصين ضاعف من هذه القوة بفضل الردود السياسية والأمنية والعلمية والتقنية التي عبروا عنها بشكل واضح أمام العالم.”
وأضاف يقول: “من ناحية أخرى فإن التيار الشعبوي الانفرادي الذي كان يستعيد قوته في مختلف مناطق العالم بدءاً من أميركا وحتى أميركا اللاتينية وأوروبا وشرق آسيا أصابه الضعف، حيث أن هزيمة ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة ومجيء الإدارة الأميركية الجديدة وحصول التغيير السياسي هناك أدى بالتالي إلى زيادة قوة الصين وفي المقابل تضعيف أميركا، ويعتبر هذا التأثير السياسي مهماً للغاية ويمكننا مشاهدة تداعياته في المستقبل.”
التداعيات الواسعة لكورونا على السياسة والأمن والاقتصاد الدولي
أشار هذا الخبير المختص بالشؤون الدولية إلى أن القضية الاقتصادية تعتبر النقطة المهمة الثانية في التداعيات العامة والشاملة لجائحة كورونا وأردف قائلاً: “لقد فقد الغرب المنحى الإيجابي لنموه الاقتصادي إثر تداعيات هذه الجائحة بعد أن كان قد نجح في تحسين وضعه الاقتصادي داخل أوروبا على الصعيد الدولي وذلك بعد أن اجتاز الأزمة المالية في العام 2008 واستغرق ذلك 12 عاماً ليحقق هذا الإنجاز بشكل تدريجي إلا أن ذلك تبخر مع ظهور هذه الجائحة، مما أدى ذلك إلى تداعيات كثيرة شملت جميع الدول لاسيما بعض الدول الغربية والتوّاقة نحو التطور والنمو حيث سنشهد تداعياتها بشكل أوضح في المستقبل.”
وأوضح الدكتور فاخري أن جميع هذه الدول التي تدير الاقتصاد الدولي بشكل ما جرّبت في ظل هذه الجائحة نمواً عكسياً في الناتج المحلي العام بمعدل 5%، لذا فإنها ستترك أثرها في المدى المتوسط والبعيد على الصعيد التجاري والتنمية الاقتصادية لهذه الدول.
وأضاف يقول: “ستترك هذه القضية أثرها كذلك على التعهدات الدولية لهذه الدول، حيث شهدنا ذلك فيما يخص قضية حرارة الأرض والقرارات التي اتخذت في إطار معاهدة المناخ في باريس، وهذا يعني أن جميع المناحي العامة والشاملة التي كانت قد تشكلت في أنحاء العالم وكانت على وشك قطف الثمار تكون بسبب هذه الجائحة قد تأخرت كحد أدنى عملياً إن لم نقل أنها قد ماتت واندثرت.”
وفي إشارته للتداعيات الجزئية لتفشي كورونا على العلاقات الدولية قال هذا الأستاذ الجامعي: “إن التنافس الذي ظهر على الصعيد التقني والتجاري والسياسي في مجال إنتاج اللقاحات وبيعها أو بيعها المسبق وكيفية توزيعها بين الدول المنتجة وحلفائها يكون على وشك إيجاد جغرافيا اقتصادية جديدة قد تتم الاستفادة منها مستقبلاً بالأخص أن تحذيرات قد صدرت بشأن احتمال تفشي أمراض معدية أخرى شبيهة لكورونا في المستقبل، وهذا يعني أن تداعيات واسعة للغاية ستتركها هذه الجائحة على السياسة والأمن والاقتصاد الدولي على المدى القصير والمتوسط والبعيد على حد سواء.”
زيادة الشرخ بين الشمال والجنوب
وفيما يخص الآثار الأخرى لتفشي جائحة كورونا أشار الدكتور فاخري إلى زيادة الشرخ بين الشمال والجنوب وأكد أن هذه الأمور قد لا تحدث مباشرة أو بشكل متعمد، إلا أن التداعيات طويلة الأمد لتفشي كورونا ستزيد من هذا الشرخ.
وأضاف يقول: “لدينا تجربتان في أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين هما تجربة الأيدز وسارس والآن كورونا، حيث أن الشركات المتعددة الجنسية لصناعة الأدوية وبسبب امتلاكها للتقنية العلمية اللازمة بدأت خلال تفشي الأيدز كما هو الحال عليه الآن بعد تفشي كورونا باحتكار إنتاج اللقاحات والأدوية الخاصة ووضعت قوانين صعبة للغاية في مجال بيع وتسويق هذه اللقاحات.”
وأردف قائلاً: “إن دولاً توّاقة نحو التنمية والتطور مثل البرازيل والهند وجنوب أفريقيا وأخيراً إيران والتي واجهت صعوبة من الناحية الاقتصادية أكدت أن المصالح التجارية للشركات المتعددة الجنسية لصناعة الأدوية لا يمكنها أن تهدد السلامة والصحة العامة لمجتمعاتها، لذلك فهي دخلت ساحة الصراع والتنافس معها، حيث أثيرت هذه القضية حتى في أروقة منظمة التجارة العالمية ولم تمنحها سوى موافقات مؤقتة للتصنيع والتسويق أي أن دولاً مثل البرازيل والصين والهند وغيرها أنتجت أدوية بتكاليف أقل نجحت من خلالها في الحؤول دون حدوث الانفجار المتوقع في تفشي هذه الأمراض داخل مجتمعاتها.”
الدور المؤثر للدول القوية التوّاقة للتنمية
أوضح الدكتور فاخري أن هذه الحوادث قد تكررت فيما يخص سارس وكورونا أيضاً وأكد أن هذا الشرخ يحدث في المراحل الأولى لتفشي مثل هذه الأمراض وقد يتعمق أيضاً إلا أن الدول التوّاقة إلى التنمية تعمد إلى تقليل مثل هذه الشروخ بفضل ردود فعلها المؤثرة، حيث تقوم هذه الدول بزيادة إمكاناتها التقنية وتجاربها المشتركة وتبادل خبراتها وتجاربها على هذا الصعيد مما يؤدي إلى إبطال مفعول المخططات التي وضعتها الجهات الدولية المغرضة ويسود نوع من التوازن في هذا المجال.
وأضاف قائلاً: “إن التجارب التي مرت بها هذه الدول خلال السنوات الأربعين الأخيرة فيما يخص هذين المرضين وكذلك في مجال مواجهة أمراض أخرى مثل إيبولا وجنون البقر وأنفلونزا الطيور وباقي الأمراض السارية جعلتها كحد أدنى تسدّ جزءاً كبيراً من حاجة مجتمعاتها من هذه الأدوية وبالتالي استطاعت أن تحول دون تحقق أهداف المخططات الانحصارية والسيطرة على الأسواق التجارية المختصة المعنية وبالتالي حالت دون استغلالها سياسياً كما كان مخططاً لها، ولربما أن عامل الوقت سيكون في صالح هذه الدول النامية التوّاقة نحو التطور والتقدم.”
0 تعليق