المجلس الإستراتييجي أونلاين ـ رأي: تمر أفغانستان بأيام عصيبة ومقلقة؛ إذ الهجمات الانتحارية والتفجيرات في قندوز وكابل ومزار شريف والمدن الأفغانية الأخرى أسفرت عن إستشهاد وإصابة مئات من الناس الأبرياء حتى الآن. في ظل هذه الظروف، تقع مسؤولية منع وقوع هذه الهجمات الهادفة على عاتق طالبان.
حميد خوش آيند ـ خبير في الشؤون الإقليمية
توجد نقاط ذات أهمية حول الهجمات الإرهابية الأخيرة في أفغانستان، أهمها ما يلي:
النقطة الأولى؛ تبنّي داعش والعناصر التابعة له بشكل رسمي مسؤولية معظم الهجمات الإرهابية في أفغانستان؛ الأمر الذي يدل على أن التطورات الميدانية والسياسية في أفغانستان تسير باتجاهٍ قد يوفر الأرضية لـ “إحياء داعش” في هذا البلد.
داعش الذي تم القضاء عليه إلى حد كبير في العراق وسوريا وواجه أزمة بعد فقدان الأرض، يسعى إلى تحويل أفغانستان إلى “نقطة صعود جديدة” لنفسه. خلال السنوات الماضية وعلى خلفية القضاء على داعش في العراق وسوريا، انتقلت فلول التنظيم الإرهابي إلى مناطق في شمال أفغانستان بدعم أمريكي.
من المنظور الأمني، فإن إحياء داعش في أفغانستان بصفتها بلد يمر بمرحلة انتقال لا ينطوي على مخاطر عليها وحدها بل وكذلك يمثل تهديداً حقيقاً لجيرانها. وعليه، يُعّدَ توخي الحذر في هذا المجال “ضرورة مضاعفة”، خاصة بالنسبة لطالبان ودول المنطقة.
النقطة الثانية؛ تم اختيار مراكز التجمع الشيعية والسنية كأهداف للهجمات الإرهابية بشكل هادف. وقوع هذه الجرائم بحق الشيعة يدل على وجود مخطط يهدف وبالتزامن مع استهداف أمن الشيعة في أفغانستان، إلى ارتكاب أبادة جماعية بحق “قومية الهزارة” و”الانتقام” منها؛ لأن القوات الأفغانية بما فيها الهزارة لعبت دوراً مؤثراً في إلحاق الهزيمة بداعش في سوريا!
من جهة أخرى، استهداف أتباع الطرق الصوفية السنية التي توجد أوجه تشابه بينها وبين الشيعة عقائدياً، يوحي بوجود مؤامرة لـ “تأجيج الخلافات المذهبية – الطائفية” و”إثارة فتنة” في أفغانستان.
النقطة الثالثة؛ رغم استقرار حكم طالبان، لم يتم بعد القضاء على التطرف والإرهاب في أفغانستان. تشير الأحداث الأخيرة على أن أداء طالبان لم يكن مقبولاً في مجال تقوية البنى التحتية الأمنية والاستخباراتية وتأسيس وحدات مكافحة الإرهاب لاحتواء داعش وغيره من الجماعات المخلة بالأمن والاستقرار في أفغانستان.
إحدى الآليات المهمة التي ينبغي على طالبان إيلاء الاهتمام بها بغية توفير أمن عام، هي تجنب الممارسات الاستفرادية والتعامل مع الأحزاب والجماعات والتيارات السياسية لتحقيق حكومة شاملة؛ لأن العمل على تشكيل حكومة شاملة وإشراك الآخرين في الحكم يرفع من القدرات القتالية والاستخباراتية والأمنية واللوجستية و … من أجل مكافحة الإرهاب وتوفير الأمن والاستقرار في أنحاء أفغانستان.
فضلاً عن ذلك، بإمكان طالبان أن تستفيد من “التجارب الناجحة” لدول الجوار خاصة الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تملك قدرات وخبرات أمنية وعسكرية ثمينة في مجال مكافحة الإرهاب وداعش. في هذا السياق، أعلن رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية استعداد بلاده للتعاون وتوظيف جميع إمكانياتها لمواجهة تهديد الإرهاب التكفيري والحيلولة دون تكرار هذه الفجائع في أفغانستان.
النقطة الرابعة؛ حركة طالبان تتحمل “المسؤولية المباشرة” تجاه الهجمات الإرهابية الأخيرة وتوفير الأمن للمواطنين الأفغان سواء الشيعة أو السّنة. فلا يمكن القبول باستهداف أمن وحياة الشعب الأفغاني، بمن فيهم الشيعة، وترى طهران أن مسؤولية هذا الأمر تقع على عاتق طالبان.
النقطة الخامسة؛ يجب البحث عن معظم أسباب الأحداث الإرهابية الأخيرة، خارج حدود أفغانستان؛ حيث أن إحدى نتائج الاستقرار في أفغانستان هي تحسين المؤشرات الاقتصادية وتسهيل الاستثمارات الخارجية لدول مثل روسيا والصين وإيران فيها؛ وهو أمر لا يروق للولايات المتحدة في ظل “التنافس والعداء” بينها وبين تلك الدول.
فضلاً عن ذلك، يُعتبر “إحياء داعش” من “الإستراتيجيات المهمة” للولايات المتحدة في مرحلة “ما بعد الانسحاب” من المنطقة. فإن داعش “أداة” و”سلاح” لـ “زعزعة الأمن” في أفغانستان ثم نقل عدم الاستقرار إلى محيط هذا البلد الذي له حدود طويلة مع إيران من جهة، ويقع في جوار الصين وروسيا – أهم الخصوم الإستراتيجيين للولايات المتحدة – من جهة أخرى.
النقطة السادسة؛ التفجيرات الإرهابية الأخيرة تدعو للتشكيك في أداء طالبان بشدة؛ ففي حين تبحث طالبان عن الشرعية على المستويين الإقليمي والدولي، تمثل هذه الهجمات “نقطة ضعف أساسية” لها. ينبغي على حركة طالبان التي تتطلع إلى نيل اعتراف سياسي وقانوني من قبل دول المنطقة والعالم، أن تضمن أولاً أمن المواطنين في أفغانستان وأن تطمئن الرأي العام في المنطقة والعالم بشأن عدم تكرار هذه الأحداث وإنزال عقوبة شديدة بالآمرين والمنفذين لها.
ختاماً، ينبغي التأكيد على أن الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وحلفائهما الإقليميين هم الرابحون الرئيسيون مما جرى مؤخراً في أفغانستان؛ فلا شيء أفضل بالنسبة للولايات المتحدة والكيان الصهيوني من انتشار عدم الاستقرار والإرهاب في أفغانستان. فضلاً عن ذلك، فإن من شأن هذه الهجمات حرف الرأي العام في الدول الإسلامية إلى حد ما عن السياسات العنصرية والأحداث المهمة التي تجري في الأراضي المحتلة.
0 تعليق