المجلس الإستراتيجي أونلاين - مذكرة: يمكن اعتبار إجراء العديد من المناورات العسكرية بين الصين وروسيا في السنوات الأخيرة بأنها واحدة من المظاهر الواضحة لتطور وتعزيز التعاون بين البلدين، لا سيما في المجال العسكري.
محمد جواد قهرماني - دكتوراه في العلاقات الدولية
على الرغم من أن البلدين أجريا مناورات عسكرية مشتركة ثنائية ومتعددة الأطراف على مدى العقدين الماضيين، إلا أن طبيعتها وأبعادها باتت تدريجياً أوسع وأكثر تعقيداً. ومع ذلك، لا يمكن تقييم إجراء المناورة العسكرية الأخيرة للبلدين التي دامت خمسة أيام والتي تسمى “زباد ـ انتراكشن 2021″، والتي بدأت يوم الاثنين 9 أغسطس، في نينغشيا بشمال غرب الصين، دون النظر إلى الوضع الحالي للعلاقات بين موسكو وبكين.
بالنظر إلى العلاقات بين الصين وموسكو في السنوات الأخيرة، يمكن اعتبار عام 2014 نقطة تحول في العلاقات بين البلدين. فقد دفعت الأزمة الأوكرانية، المصحوبة بضغوط غربية مختلفة على روسيا، موسكو إلى البحث عن شريك موثوق به في الشرق. على الرغم من أن القادة الروس كانوا على دراية بالتحديات طويلة المدى في علاقاتهم مع الصين، إلا أن قربهم من بكين وفر أداة جيدة للبلاد لمواجهة الدول الأوروبية وأمريكا. ففي مجال الطاقة، قدمت الصين سوقاً بديلة مناسبة لروسيا.
لكن هذه العلاقات لم تقتصر على قطاع الطاقة، بل شملت عدداً من المجالات الاقتصادية والعسكرية. في عام 2018، وصلت قيمة المبادلات التجارية الثنائية إلى حوالي 100 مليار دولار، وفي المجال العسكري، شمل التعاون بين البلدين جوانب مختلفة مثل مبيعات الأسلحة، وإجراء المناورات العسكرية، والتعاون النووي، وما إلى ذلك.
من ناحية أخرى، وضعت بكين تطوير العلاقات مع موسكو على أجندة سياستها الخارجية لأسباب إستراتيجية وعسكرية واقتصادية مختلفة. وأصبح هذا التطور في العلاقات، أكثر حيويةً بالنسبة لبكين مع تصاعد التوترات مع أمريكا.
وعليه، ينبغي النظر إلى المناورة العسكرية الأخيرة في سياق تطوير التعاون العسكري بين البلدين. إن إجراء مناورة عسكرية من جهة يشير إلى مستوى الثقة المتبادلة بين الجانبين ومن جهة أخرى ينذر بالتهديدات المشتركة ضد البلدين. فعدد المناورات العسكرية التي جرت بين البلدين خلال السنوات الأخيرة يظهر بشكل جيد رغبة الجانبين في تطوير التعاون والتنسيق العسكريين.
ومع ذلك، فإن التصدي للتهديدات المحتملة ضد البلدين هي أيضاً عامل محفز للصين وروسيا لإجراء التدريبات العسكرية. في السياق الحالي، وخاصة بعد إعلان انسحاب أمريكا من أفغانستان، فإن عدم اليقين بشأن مستقبل منطقة وسط وجنوب آسيا هو سمة مميزة للفهم المشترك بين القادة الصينيين والروس. مثل “آلية مكافحة الإرهاب” التابعة لمنظمة شنغهاي للتعاون، فإن موسكو وبكين عازمتان على إثبات قدرتهما على توفير الأمن كـ”بضاعة عامة” وقد كان الإعتقاد سابقاً أن أمريكا مسؤولة عنه. كما يحاولان أن يعرفا أنفسهما كفاعلين يتمتعان بالمسؤولية كنتيجة للتعاون في سياق إرساء الاستقرار والتصدي لانعدام الأمن في هذه المنطقة.
بالإضافة إلى القضايا المذكورة أعلاه، فإن النقطة التي لا ينبغي إغفالها هي دور أمريكا في الاعتبارات الأخيرة للعلاقات بين موسكو وبكين. بعد الاجتماع الذي جرى بين جو بايدن وفلاديمير بوتين في شهر يونيو، كان هناك الكثير من النقاش في الأوساط العلمية والسياسية أن أمريكا تريد اتباع سياسة خفض التوتر مع روسيا من أجل إبعادها عن الصين. وعقب الاجتماع، أكد المسؤولون الصينيون على ضرورة استقرار العلاقات مع روسيا، وجددوا بعد ذلك “اتفاقية الشراكة الاستراتيجية والصداقة والتعاون”. في مثل هذه الظروف، يمكن اعتبار إجراء مناورة عسكرية دلالة على عزيمة بكين لتطوير العلاقات مع روسيا وبالطبع تحذيراً لأمريكا من أن العلاقات بين البلدين مصونة لا يمكن النيل منها.
فيما يتعلق بالسمات البارزة للمناورة العسكرية الأخيرة، والتي تميزها إلى حد ما عن المناورات العسكرية السابقة، تجدر الإشارة إلى بعض الخصائص؛ هذه المناورة العسكرية المشتركة هي أول مناورة مشتركة تستضيفها الصين منذ جائحة فيروس كورونا. كما استخدمت القوات العسكرية الروسية المشارِكة في هذا التدريب بعض أسلحة الجيش الشعبي الصيني. وخلال المناورة العسكرية لعام 2020 في القوقاز، استخدمت القوات الصينية أسلحة ومعدات روسية لأول مرة. ومن المعالم البارزة الأخرى للمناورة الأخيرة وجود بعض الأسلحة الصينية المتقدمة، مثل مقاتلات “جي 20”.
بالإضافة إلى الصين، تمتلك روسيا حافزاً قوياً لإجراء مناورات عسكرية مشتركة مع الصين بسبب عدم ثقتها بالسياسات الغربية. كما أن إجراء مناورة عسكرية على أعلى مستوى من استخدام السلاح يمكن أن يوفر فرصة لموسكو، حتى لو حاول الغرب خفض حدة التوتر، من خلال إظهار مدى تطوير العلاقات مع بكين، لتستخدمها أداة لممارسة الضغط أو كسب المزيد من الإمتيازات.
في الختام، يمكن اعتبار المناورة العسكرية الأخيرة دلالة على جهود الصين وروسيا لرفع مستوى التنسيق الثنائي في مواجهة التهديدات التي قد تنشأ في الأشهر والسنوات المقبلة في المنطقة، ويقدم كلا البلدين إشارات جادة لمنافسيهما التنظيميين، بما في ذلك أمريكا. عموماً، لدى الجانبان العديد من الحوافز للحفاظ على الاتجاه المتنامي الذي ميز علاقتهما خلال السنوات الأخيرة.
0 تعليق