المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ حوار: أشار أستاذ في الاقتصاد السياسي إلى أن أوروبا ليست قادرة على فرض عقوبات جادة وفعالة في مجال الطاقة ضد روسيا بكل سهولة، وقال: حتى لو وضعت الدول الأوروبية قضية العقوبات على النفط الروسي بجدية على جدول أعمالها، لا يبدو أنها قادرة على تمرير هذا الموضوع عملياً.
في مقابلة مع الموقع الإلكتروني للمجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية، أشار علي رضا سلطاني إلى العقوبات المنفذة ضد روسيا وجهود أوروبا لخفض اعتمادها في مجال الطاقة على هذه الدولة، معتبراً هذه العقوبات قابلة للفصل في المجالين الاقتصادي والطاقة وصرح قائلاً: يبدو مع قيام روسيا باستخدام بعض الآليات؛ أن العقوبات النقدية والمالية والمصرفية كانت فاعلة، وفرضت العديد من التحديات على الروس، وأبانت عواقبها السلبية في انخفاض قيمة العملة الوطنية لهذه الدولة.
ووصف قدرة أوروبا على فرض عقوبات على النفط والغاز الروسي بأنها تختلف من دولة إلى دولة وأضاف: عملياً ليس لدى الاتحاد الأوروبي نية لفرض عقوبات على شراء الغاز الروسي، لأن الاقتصاد الأوروبي والعديد من الدول الأوروبية يعتمد على الغاز الروسي وأن حدوث أي خلل أو عرقلة في نقل غاز هذه الدولة إلى أوروبا سيكون تحدياً كبيراً للاقتصاد الأوروبي؛ لذلك فإن الأوروبيين لا يهدفون إلى التحدث مع الروس بشأن شراء الغاز.
وقال أستاذ الاقتصاد السياسي: إن أكثر ما يتم الحديث عنه في هذا الصدد والذي أثار قلق أوروبا هو حظر تصدير الغاز إلى أوروبا من قبل روسيا، حيث إذا زاد الأوروبيون من ضغطهم الاقتصادي على روسيا، فستوقف موسكو عملية نقل الغاز أو تقوم بخفض ذلك. ومن ثم، فهم يبحثون عن طرق بديلة.
وأشار إلى المفاوضات بين الدول الأوروبية لإيجاد سبل لتقليل الاعتماد على الغاز الروسي، وتابع قائلاً: الروس ليسوا قادرين بسهولة على استخدام الغاز كأداة للضغط على أوروبا؛ لأنه، على أي حال، هذا يجبر الأوروبيين على التحرك بسرعة أكبر وجدية لتوريد الغاز الذي يحتاجون إليه من مصادر وموارد أخرى غير روسيا؛ لذا، من أجل عدم استفزاز الأوروبيين لتغيير مصدر إمداداتهم من الغاز، لم يناور الروس كثيراً على هذا الموضوع في الوضع الحالي، ويبدو من المستبعد أن يرغبو في استخدام أداة الغاز بصورة مؤثرة.
وفي معرض قوله بأن سلوك روسيا في الهجوم على أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم دفع أوروبا إلى السعي لتقليل اعتمادها أحادي الجانب على الغاز الروسي، أفاد: لدى الاتحاد الأوروبي خطة أخرى للضغط على روسيا، وهو حظر النفط الروسي. فمنذ بداية حرب أوكرانيا، ركز الاتحاد على العقوبات النفطية كأداة قوية تركز على حظر النفط في حال استمرار الأزمة والحملة العسكرية على أوكرانيا، و ذلك لإجبار الروس من خلال حظر شراء النفط من روسيا، لكن مع مضي أكثر من شهرين على الهجوم الروسي على أوكرانيا لم ينجح الاتحاد الأوروبي بعد في تنفيذ هذه السياسة بطريقة متماسكة.
وأشار سلطاني إلى معارضة المجر لتمرير حزمة العقوبات السادسة ضد روسيا، وأضاف: أعرب المسؤولون المجريون عن أسفهم لعدم اهتمام أوروبا بمشاكل قطع واردات النفط الروسية، ووصفوها بأنها مكلفة على بلادهم وقارنوها بإلقاء قنبلة ذرية على الاقتصاد المجري. على الرغم من أن بعض الدول الأوروبية قد خفضت فعلاً مشترياتها من النفط من روسيا، إلا أن هذا لم يكن ضمن خطة حظر النفط الروسي.
وذكر الأستاذ الجامعي بأن رئيس المفوضية الأوروبية كان قد أعرب سابقاً بأن هناك فرصة ضئيلة للتوصل إلى اتفاق بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة بشأن حظر واردات النفط الروسية وأضاف: يبدو أن الأوروبيين يبحثون الآن عن خيارات لوضع اللمسات الأخيرة على الحزمة السادسة من العقوبات، ومن أهمها التخلي عن فكرة حظر استيراد النفط والمنتجات البترولية الروسية ومواصلة البرامج الأخرى في حزمة العقوبات.
ووصف سلطاني تداعيات تراجع مشتريات النفط من روسيا بأنها طويلة الأمد، مشيراً إلى ارتفاع أسعار الطاقة التي عززت عائدات روسيا، وأوضح: على الرغم من الجهود المبذولة لإلحاق الضرر بالاقتصاد الروسي وقطع عائداته، إلا أن عائدات موسكو من النفط والغاز ارتفعت بشكل مطرد منذ بداية الحرب، لتصل إلى مستوى قياسي بلغ 1.8 تريليون روبل، ما يعادل أكثر من 27 مليار دولار في شهر أبريل حيث سجل رقماً قياسياً جديداً.
وفي إشارة إلى أن الجهود الأوروبية دفعت الروس إلى السعي لتسويق جديد لشحناتهم النفطية، قال: من الطبيعي أن الأسواق الآسيوية، خاصة الصين والهند، أسواق جديدة يعتمد عليها الروس في هذا المجال، وفي هذه السوق المضطربة والمعقدة، يقدم الروس نفطهم بسعر أرخص من القيمة السوقية إلى تلك الدول. وقد تسبب هذا أيضاً في مشاكل بالنسبة للنفط الإيراني، حيث يحاول الروس السيطرة على الأسواق غير الرسمية التي تحتفظ بها إيران لبيع فائض النفط لديهم.
وتابع محلل الاقتصاد السياسي: حتى لو وضعت الدول الأوروبية قضية العقوبات على النفط الروسي على جدول أعمالها بجدية، فلا يبدو أنها تنفذ عملياً، وقد تلقت روسيا أيضاً الرسالة اللازمة في هذا الصدد.
وأشار سلطاني إلى اتفاق ألمانيا وقطر لشراء الغاز اعتباراً من أوائل عام 2024 وأضاف: الغاز الروسي يوفر 45٪ من احتياجات ألمانيا، لكن قطر صرحت بأنها لن تزود ألمانيا بكل الغاز المتوفر لديها. خصصت ألمانيا 3 مليارات دولار لشراء أربع محطات عائمة لاستقبال الغاز، وتفكر فرنسا وإيطاليا في خيارات مماثلة. في الواقع، تدرس الدول الأوروبية عدة بدائل لشراء الغاز، من أهمها قطر، وتريد أن تنجز هذا الأمر من خلال منشآت LNG.
وقال الأستاذ الجامعي مؤكداً: يمكن للأوروبيين أيضاً التفكير في الغاز الإيراني رغم وجود بعض العقبات؛ بالطبع، يأخذون الموارد الغازية في الجزائر وشمال إفريقيا بعين الاعتبار أيضاً ؛ ومع ذلك، فإن أوروبا ليست مطلقة اليد في فرض عقوبات جادة وفعالة في مجال الطاقة على روسيا.
وأكد قائلاً: على المدى القصير على الأقل، لا تتوفر هذه الإمكانية لأوروبا، لأن بعض الأمور الفنية لا تسمح لها بالتحرك بسرعة في هذا الاتجاه وإيجاد بديل للنفط الروسي. إن تغيير خطوط تصدير الطاقة مكلف للغاية ولا يتم بسهولة. في الواقع، لا تستطيع أوروبا التوصل إلى غايتها في فرض العقوبات في مجال الطاقة، لكن العقوبات كانت مؤثرة وفاعلة في المجالين النقدي والمصرفي، كما تجلّت تداعياتها حتى الوقت الحاضر.
0 تعليق