المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ رأي: محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا عام 2016 وسياسات أردوغان في المنطقة تسببت في تداعيات أثّرت على الاقتصاد التركي ومعيشة الشعب، وفي الأشهر الأخيرة بلغ معدل التضخم 20٪ ولاقت الليرة في الآونة الأخيرة تراجعاً قل نظيره. بينما يعتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن الإبقاء على المستوى المنخفض لأسعار الفائدة، يمكن أن يعوّض معدل التضخم البالغ 20 في المائة، وهي وجهة نظر تركت بصماتها على سوق العقارات التركي.
حسن أشرفي ـ باحث في شؤون تركيا
وفقاً للتقرير الذي صدر عن وكالة الإحصاء التركية في الشهر الماضي، نمت المعاملات العقارية مع رعايا الدول الأخرى في تركيا بنسبة 50٪ ودخلت مليارات الدولارات في سوق العقارات التركية. وفقاً للتقرير، تم تداول 7363 عقاراً مع الأجانب في تركيا في شهر نوفمبر، مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي الذي كان هذا الرقم 4962، وهو رقم قياسي. المشترون الرئيسيون للعقارات في تركيا هم رعايا إيران والعراق وروسيا. كان الجزء الأكبر من المعاملات في اسطنبول والذي بلغ 1992 وحدة سكنية وتم ما يقارب نصف المعاملات في أنطاليا وأنقرة.
تراجعُ الليرة منذ عام 2016 وحاجة تركيا لجذب الاستثمار الأجنبي، دفع حزب العدالة والتنمية إلى تمرير قانون في يناير 2017 يتيح للحكومة السماح للمواطنين الأجانب الذين استثمروا مليون دولار على الأقل في تركيا أن يحصلوا على الجنسية التركية. لكن الخطة قوبلت بمعارضة داخل تركيا. كانت تعتقد الأحزاب المعارضة أن مثل هذه الإجراءات جاءت في سياق دعم أردوغان لرفاقه الذين يسيطرون على شبكة العقارات. من جانب آخر يرى الكثير من الأتراك أن حضور العرب في تركيا من خلال شراء العقارات في تركيا، تهديداً لثقافتهم. ذاع التعبير القائل ببيع البلد إلى العرب، منذ أوائل الثمانينيات؛ عندما شجع تورغوت أوزال دول الخليج الفارسي على الاستثمار في السوق التركية. من ناحية أخرى، شدد وجود المواطنين السوريين في تركيا هذه النظرة المعادية للعرب في تركيا. و قد أدت هذه النظرة إلى فوز مرشحي المعارضة العلمانية في الانتخابات البلدية لأول مرة منذ 1994. ترددت شائعات بأن 110 آلاف سوري حصلوا على الجنسية التركية في الفترة التي سبقت الانتخابات.
وبحسب إحصائيات وزارة الداخلية التركية، وُلد 380 ألف مولود للرعايا السوريين في هذه الدولة بين عامي 2011 و 2019.
يشعر البعض في تركيا، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 80 مليون نسمة، بالقلق من أن هذه الهجمة للاجئين تؤدي إلى تخلف ثقافتهم العلمانية. اوميت اوزداغ، نائب زعيم حزب الخير – وهو حزب وطني بقيادة ميرال أكشينار- يشعر بالقلق من أن تصبح تركيا “دولة شرق أوسطية”. أوزداغ نائب برلماني عن مدينة بلدة غازي عنتاب الحدودية، التي يمثل اللاجئون ربع سكانها البالغين مليونين نسمة. أونال تشيكوز، الذي نافس أردوغان في الانتخابات الرئاسية عام 2018، وهو عضو البرلمان ونائب وزير الخارجية عن حزب الشعب الجمهوري، تحدى أردوغان بشعار إعادة الرعايا السوريين إلى بلادهم. لكنه أكد على أن تصريحاته ليست معادية لسوريا وأن حزبه يعتزم إعادة الاستقرار في سوريا والسماح لمواطنيها بالعودة طواعية. سمير حافظ، العضو السوري في حزب العدالة والتنمية، أكد، على أن معظم اللاجئين سيبقون على الأرجح في تركيا. ومع ذلك، قال إن عودة حتى بضع مئات الآلاف من هؤلاء الأفراد من المحتمل أن يقلل الضغط على الحكومة. وأشار إلى أن الهدف النهائي لتركيا هو إعادة المواطنين السوريين إلى حيث ينتمون. يعد الركود الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة، والتي يُقال إنهما ناجمان إلى حد كبير من تواجد الرعايا السوريين من أسباب ضغط الرأي العام على الحكومة التركية.
عمر كادكوي، لاجئ سوري وزميل باحث في معهد تيباف في أنقرة الذي تتمحور بحوثه حول موضوع الهجرة، يعتقد أن السوريين هم ضحايا للظروف الاقتصادية فحسب. تمنح الحكومة تصاريح عمل لعدد قليل من السوريين، مما يمهد الطريق لأنشطة غير قانونية. في هذه الحالة، ستتاح لأصحاب العمل فرصة دفع أجور أقل للسوريين، وهذا سيجعلهم يستلبون الوظائف ويخفضون الأجور. ويعتقد أن نشر المعلومات الكاذبة عبر وسائل التواصل الاجتماعي له أيضاً بعض التأثير على موقف الحكومة تجاه السوريين. على سبيل المثال، كان حظر دخول السوريين إلى الجامعة نتيجة لمثل هذه الاستفزازات. وبحسب كادكوي، فإن تدخل أردوغان العسكري في سوريا عزز بعض الخطابات كالتي تقول: “بينما يستمتع الرجال السوريون بحياتهم هنا، فإن جنودنا يضحون بدمائهم من أجل سوريا” مما فاقم المشاعر السلبية لدى الأتراك تجاه اللاجئين. يقول رئيس بلدية اسطنبول الحالي، أكرم إمام أوغلو، إن عدد اللاجئين في بعض أجزاء تركيا أكثر من عدد سكانها الأصليين. وفقاً لتقرير الأمم المتحدة، لدى تركيا أكبر عدد من اللاجئين، مقارنة بدول العالم حيث يبلغ عددهم 3.6 مليون لاجئ سوري.
لكن في تركيا، تعتبر معاداة العروبة قضية أساسية وعميقة الجذور تعود إلى العهد العثماني. في الإمبراطورية العثمانية كنظام متعدد الثقافات، كان يهيمن العثمانيون من الأتراك أو غير العرب على معظم المناصب الحكومية العليا، باستثناء إمارة الحجاز. لكن السياسة العثمانية في عملية تتريك البلاد أدت إلى ثورة عربية ضد العثمانيين. في الوقت الحالي، أثّرت المواقف المعادية للعرب في المجتمع التركي على مجموعتين رئيسيتين؛ العرب المتواجدون في تركيا بسبب تدفق رؤوس الأموال وشراء العقارات واللاجئين السوريين. إلى جانب هذين المحورين، تزعم بعض المصادر العبرية أن العداء العام تجاه العرب في طور التوسع خلال السنوات الأخيرة، حتى ضد الفلسطينيين.
0 تعليق