المجلس الاستراتيجي، آنلاين، تقرير: تحول مشروع تكميل خط الأنابيب نورد استريم 2 إلى إحدى الأزمات الجديدة بين أميركا وروسيا، أي العلاقة بين جانبي المحيط الأطلسي.
علي رضا ثمودي، الخبير في الشؤون الأوروبية
انطلق مشروع تشييد خط الأنابيب نورد استريم 2 منذ العام 2011 وبعد إنجازه النهائي ستتضاعف الطاقة التصديرية الحالية من الغاز الروسي من 55 مليار متر مكعب لتصل إلى 110 مليار متر مكعب.
كما أن صادرات الغاز الطبيعي من روسيا إلى ألمانيا ومن ثم إلى باقي الدول الأوروبية ستزداد إثر ذلك مع إهمال تام لأوكرانيا وباقي الدول التي كانت تقع في مسير الخط. كذلك فإن إدارة جو بايدن فرضت حظراً جديداً خلال الأيام الأخيرة على الشركات المساهمة في هذا المشروع منها شركة السفن الروسية فورتونا ومالكها إلى جانب إعلان نواب الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس الأميركي في السابع عشر من شباط 2021 عن استعدادهم للتعاون مع البيت الأبيض للتصدي للتغلغل الروسي المخرب و ذلك بهدف الحؤول دون إنجاز خط أنابيب نورد استريم 2.
الموافقون والمعارضون لإنجاز المشروع
تعتقد الحكومة الروسية والشركات المساهمة في المشروع والحكومة النمساوية وبعض السياسيين الألمان أن خط الأنابيب نورد استريم 2 يضمن الأمن في مجال الطاقة ويساعد في تحقيق أهداف التنمية المستدامة في الاتحاد الأوروبي. كما أن الموافقين يرون أن هذا المشروع رغم وجود القلق الجيو سياسي بشأنه إلا أنه يؤدي إلى تأمين حاجة ألمانيا من الطاقة، وفي المقابل فإن بعض مسؤولي الاتحاد الأوروبي وبولندا ودول بحر البلطيق والبرلمان الأوروبي والمجموعات الناشطة في مجال البيئة وعدداً لا بأس به من السياسيين الألمان وأوكرانيا والحكومة الأميركية (إدارتا ترامب وبايدن) والكثير من أعضاء الكونغرس الأميركي يعارضون بشدة إنجاز هذا المشروع.
كذلك فإن البرلمان الأوروبي في رد فعله على اعتقال المعارض الروسي نافالني أواخر كانون الثاني الماضي طالب بالتوقف عن إنجاز المشروع، وفي اليوم ذاته كررت المستشارة الألمانية ميركل دعمها للمشروع وأعلنت أن سياسة حكومتها لم تتغير بهذا الخصوص.
إن مناوئي المشروع يعتقدون أن تشييد هذا الخط يمنح روسيا امتيازات اقتصادية وسياسية أكثر كما أنه يجعل بعض الدول ومنها أوكرانيا أكثر عرضةً للهجمات الروسية ويعرضها لخطر توقف نقل الطاقة وتغيير الأسعار من قبل روسيا وغيرها.
ورغم أن بايدن لم يشر في خطابه أمام المشاركين في مؤتمر ميونيخ للأمن الدولي إلى مشروع خط أنابيب نورد استريم 2 إلا أنه حذر من أن روسيا تسعى لتضعيف المشاريع الأوروبية والناتو وتضعيف الإرادة والعزم والاتحاد بين جانبي المحيط الأطلسي. كما أن أميركا ترى أن هذا المشروع يعتبر اتفاقاً سيئاً يعرض أوروبا المركزية وأوكرانيا للتهديدات الروسية.
كذلك فإن أنصار البيئة يعتقدون أن تشييد خط الأنابيب نورد استريم 2 لا يتطابق مع الأهداف البيئية والمناخية للاتحاد الأوروبي حيث أن هذا الموضوع يثار دائماً وهو أن تبعية أوروبا الأكثر لموسكو يعرض أمن الاتحاد الأوروبي للخطر.
وباتالي فإن زيادة التبعية لروسيا وتقوية موقفها في المنطقة والعالم وتخريب البيئة وتوقف العائدات التي كانت تحصل عليها بولندا وسلوفاكيا وأوكرانيا من حق الترانزيت تمثل بمجموعها الأسباب الرئيسية لمعارضة هذا المشروع.
موقف الحكومة الألمانية
تأمل ألمانيا أن يتم تكميل مشروع خط أنابيب نورد استريم 2 وتسعى لإقناع أميركا بالتريث حتى يتم توفير منظومة قوية يمكنها أن تقف بوجه الجهود الروسية للتأثير على سوق الطاقة وفي المقابل دعم مشروع بناء محطات لاستقبال الغاز الروسي وتخزينه وبالتالي التوقف عن استيراده متى ما استلزم ذلك.
هذا وقد قدمت ألمانيا اقتراحاً يتم بموجبه مراقبة ورصد السلوك الروسي بالتزامن مع مواصلة استيراد الغاز من روسيا ولو تمت الموافقة الأميركية على هذا الاقتراح فإن ذلك يعني تراجع أميركا عن موقفها السابق حيال روسيا والتغافل عن شركاء واشنطن. كما أن المستشارة الألمانية ميركل أعلنت أن حكومتها لم تغير رأيها بشأن هذا المشروع ولكن لابد من التحدث مع بايدن بهذا الخصوص.
بالطبع فإن ألمانيا كانت من ضمن الدول الأوروبية التي طالبت بفتح تحقيق حول تسميم المعارض الروسي نافالني، حيث أعلن وزير خارجية ألمانيا هايكو ماس أيضاً أن مشروع خط أنابيب نورد استريم 2 قد يتعرض للخطر في المستقبل، كما أن أحد نواب حزب الخضر الألمان أعلن في البرلمان الأوروبي إن توقف تنفيذ هذا المشروع يصب في مصلحة كل أوروبا.
كذلك هناك أصوات داخل الحكومة الألمانية تشير إلى بعض أعمال روسيا التخريبية منها اعتقال المعارض الروسي ألكسي نافالني. ورغم أن القادة السياسيين الألمان اتفقوا على إدانة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الروسية ضد نافالني إلا أن ميركل وبعض المسؤولين الألمان يعتقدون بإمكانية فصل هذا المشروع الأساسي والمرتبط بالبنية التحتية عن باقي المواضيع السياسية مع روسيا.
الآفاق المستقبلية للمشروع
من الأسباب التي دعت أميركا لفرض الحظر على روسيا هو نية أميركا بتصدير غاز LNG إلى أوروبا كما أن أميركا تعتقد أن أوروبا لا تنفذ تعهداتها الأمنية، ورغم أن بروكسل تطالب الولايات المتحدة الأميركية بضمانات أمنية إلا أنها تستسلم إلى روسيا في أول فرصة تتاح أمامها.
من جانب آخر، فإن بايدن لا يرغب بمضاعفة التوتر الذي كان سائداً في العلاقات الثنائية بين برلين وواشنطن خلال أربع سنوات من حكم ترامب. كما أن اتفاق أميركا مع ألمانيا حول موضوع خط الأنابيب نورد استريم 2 قد يزعج باقي حلفاء أميركا منهم أوكرانيا وبولندا ودول بحر البلطيق. حيث أن الكثير في أوروبا وأميركا يعتبرون مشروع نورد استريم 2 أحد المشاريع الجيو سياسية لأنهم يعتقدون أن هذا المشروع لو كان مشروعاً استثمارياً بحتاً لكان من الأفضل أن يتم دعم وتحديث خط الأنابيب الموجود حالياً والذي يمر من الأراضي الأوكرانية والبيلاروسية والبولندية حيث كان يكلف أقل من المشروع الجديد.
كما أن بعض المنتقدين يقولون إن الحظر المفروض لا يكفي لردع الروس لأن مثل هذا الحظر كان موجوداً في السابق ولم يردع روسيا ولابد أن يشمل الحظر باقي الرساميل الروسية الأساسية.
بالطبع، حتى لو تم إنجاز هذا المشروع فإن انتقال الغاز من خلال خط الأنابيب الجديد غير ممكن حالياً بسبب فرض الحظر على العقود وشركات التأمين وغيرها، حيث أن الكثير من الشركات المساهمة في المشروع أوقفت تعاونها وفي المقابل فإن روسيا تسعى من جانبها إلى تحويل المشروع إلى مشروع روسي بحت لتستفيد من الشركات التي لا تتعامل إطلاقاً مع أميركا أو أنها لا تستفيد من خبرات المهندسين والخبراء الأميركان أو أنها لا تتعامل مع الدولار، رغم أن تنفيذ مثل هذه الإجراءات يعتبر صعباً للغاية.
إن سبب ظهور مثل هذا التوتر هو التقسيم الزمني لمراحل هذا المشروع لأن العلاقات السائدة حالياً بين روسيا والاتحاد الأوروبي وكذلك مع الدول خارج المحيط الأطلسي متأزمة بشدة.
وهكذا، ونظراً للجهود الأميركية المبذولة لترميم العلاقات بين جانبي المحيط الأطلسي ووجود توتر من السابق بين الاتحاد الأوروبي وروسيا في المجالات المختلفة فإن هذا التوتر سيزداد على المدى المتوسط وسيبقى الجدال حول مشروع خط أنابيب نورد استريم 2 أحد المواضيع المثيرة للتوتر.
0 تعليق